«بافتا ٧٦» ناصعة البياض.. لماذا سيطر كل شيء هادئ على جوائز بافتا ؟

لقطة من فيلم «كل شىء هادئ على الجبهة الغربية»
لقطة من فيلم «كل شىء هادئ على الجبهة الغربية»

مساء الأحد الماضى ، أُعلنت جوائز البافتا ال ٧٦ والتى تمنحها الأكاديمية البريطانية للأفلام على غرار الأوسكار الأمريكية ، وسيطر على جوائزها الفيلم الألمانى الأمريكى البريطانى « كل شىء هادئ على الجبهة البريطانية” «All Quite on the Western Front “ للمخرج الألمانى إدوارد بيرجر والذى شارك فى كتابته مع ثلاثة آخرين وفاز الفيلم بسبع جوائز هى أفضل فيلم ،وأفضل فيلم بلغة غير إنجليزية، وأفضل إخراج، وأفضل سيناريو مقتبس، وأفضل تصوير، وأفضل موسيقى تصويرية وأفضل صوت ، وهو يستحق بعض هذه الجوائز وليس كلها ، ولكن هذا الموسم تحكمت فيه عناصر مختلفة للاختيار،ولم تكن الاعتبارات الفنية وحدها هى الحكم.

منذ المشاهدة الأولى للفيلم توقعت أن يفوز بأفضل فيلم ناطق بلغة غير إنجليزية وأفضل تصوير، ورغم أنه لم يفز بأية جائزة فى الجولدن جلوب ، إلا أننى توقعت أن يختلف الأمر مع البافتا والأوسكار، حيث تنتصر فى معظم الأحوال السياسة على الفن، وتوجهات بافتا والأوسكار غالباً واحدة.

 

وإلا أن بافتا لا تلتفت كثيراً لانتقادات تاريخية بعنصريتها فى الاختيار ، وتراعى ذلك الأكاديمية الأمريكية لعلوم وفنون السينما حديثاً، خاصة عندما يسبق إعلان الترشيحات والجوائز هجوم شديد من الصحافة والرأى العام على الأوسكار ذات الميول البيضاء غالباً وهذا العام تبدو البافتا بيضاء بامتياز، لم يكن هناك بين جوائزها جائزة واحدة لأسود أو ملون.

 

كيف ولماذا انتصر إدوارد بيرجر على مارتن ماكدوناه مؤلف ومخرج «The Banshees of Inisherin» « نائحات إينشيرين «وهو الأفضل هذا العام الذى افتقر لوجود أفلام رائعة تبهرك غيره .. فتذهب لبيرجر جائزة أفضل فيلم وأفضل مخرج ؟ و كان ماكدوناه هو الأجدر بهما .. منحته الأكاديمية البريطانية جائزة أفضل فيلم بريطانى ، وهو كفيلم «كل شىء هادئ على الجبهة الغربية « إنتاج  مشترك بين بريطانيا وأمريكا وإيرلندا ،وتم اعتبار هذا الفيلم بريطانياً لجنسية المخرج .

ومنحت بافتا ثلاث جوائز أخرى ل«نائحات إينشيرين» هى أفضل سيناريو أصلى وأفضل ممثلة مساعدة لكارى كوندون (ولم تكن الأفضل فى فئتها ) وأفضل ممثل مساعد لبارى كيوجان وهو أيضاً ليس الأفضل فى هذه الفئة.

وفى حين تجاهلت بريندان جليسون ،كما تجاهلت كولين فاريل فى أفضل ممثل لتمنح الجائزة لأوستين باتلر عن دوره فى فيلم  «إلڤيس» الذى نال أربع جوائز هى أفضل كاستينج وأفضل تصميم أزياء وأفضل ماكياج ، وذهبت جائزة أفضل ممثلة فى دور رئيسى لكيت بلانشيت وهى الأحق بها هذا العام بلا منافس.. وذهبت أفضل مؤثرات بصرية لآڤاتار و أفضل تصميم إنتاج لبابليون .

 

وأما الفيلم الذى منحته تسعة ترشيحات «Everything Everywhere All at Once» وهو فيلم أمريكى عن أسرة صينية مهاجرة - ولا يستحق كل هذه الترشيحات بالتأكيد- فخرج خالى الوفاض إلا من جائزة واحدة أفضل مونتاج لل « بريطانى « بول روجرز!! .

وللحق بافتا هى الأغرب فى تسمياتها وانحيازها المطلق لكل ماهو بريطانى ، ولذلك كان هناك أفضل فيلم ، وأفضل فيلم بريطانى ، وأفضل فيلم بلغة غير إنجليزية ، وأفضل ظهور متميز لمخرج أو كاتب أو منتج بريطانى وُمنحت لشارلوت ويلس عن فيلم «Aftersun » ، وهو فيلم رائع بالتأكيد ، لكن الانحياز المطلق لكل بريطانى أو أبيض ، حول الجوائز لهدايا حفل زفاف بلا قيمة حقيقية واعتقد أن الأوسكار لن تسير على هذا النهج هذا العام .

نأتى للسؤال الأهم لماذا انتصر « كل شىء هادئ على الجبهة الغربية « وميزته البافتا بشكل سافر ؟

وبالتأكيد كانت هناك اعتبارات سياسية مهمة ، الفيلم ينكأ جراح الحرب العالمية الأولى من خلال الرواية الشهيرة التى تحمل نفس الاسم للألمانى إريك ماريا ريمارك ، عن جندى شاب ألمانى يتطوع للاشتراك فى الحرب.

وكانت الرواية هى الأكثر مبيعاً عندما نشرت عام ١٩٢٩، وحولها للسينما المخرج الأمريكى لويس مايلستون عام  ١٩٣٠ وفاز بأوسكار أفضل فيلم و أفضل إخراج ، وتم منع الفيلم والرواية فى ألمانيا بعد اعتلاء الحزب النازى للسلطة ، ومن هنا تكمن أهمية إعادة الفيلم كما يقول مخرجه إدوارد بيرجر « الفيلم الأول كان أمريكياً ، رؤية مختلفة لإرث مختلف ، تشعر أن السرد يشوبه شعور بالفخر والشرف خلال رحلة البطل ، لكن نحن فى ألمانيا الأمر يختلف، فلا يوجد ما تفتخر به ولا يوجد شرف فى هذه المعركة ، هناك فقط خجل وشعور بالذنب مما حدث .»

وفى الواقع لن يكف الألمان عن جلد الذات ، وهذا الفيلم نوع من الجلد القاسى ، سرد أكثر إيلامًا وعنفاً من الفيلم الأمريكى ، قد يجعلك تتجنب إعادة المشاهدة رغم إعجابك بالفيلم ، الذى يأخذك لواقع الحرب الشرسة مع شاب عمره ١٧ عاماً ،حالم متفائل.

ويزور موافقة والديه ليتطور فى الحرب بكل حماس، وتبدأ رحلة الآلام ، يتسلم زياً لجندى تم قتله ، مازال يحمل اسمه ، هناك فى ساحة المعركة ، يتم تجريد الجنود القتلى من ملابسهم ليعاد تدويرها ليتسلمها غيرهم.

 

 

وماهو إلا وقت قصير جداً ، يفصل بين مرح الشباب البرىء فى سيارة الترحيلات ، وصراخهم بفزع حين نصل معهم لأرض المعركة ، تتناثر الأشلاء بقسوة مرعبة ، والشباب الذى أخذ فى غفلة ، لا يعرفون لماذا هذه الفظاعة والرعب ، وتستمر الأحداث ثقيلة دموية ، لا مجال للهروب ، فمن يهرب يتم تفجيره على الفور، لا ترى عينيك سوى أشلاء هنا وهناك ، إنها فظاعة الحرب التى يقودها مجرمون لا يهتم أحد بهؤلاء الشباب ، هم الوقود والطُعم ، نجح المخرج فيما يريد ، لكن إمعانه فى تصوير القتل والدماء، جعل الإيقاع مملاً رتيباً فى بعض الأجزاء من الفيلم.

 

 

 

 

حتى رغم مشاهد الرعب ، بقى مملاً ، تبدو قوة الفيلم فى التصوير المذهل ، وهى جائزة مستحقة ، لكن بالتأكيد لا يستحق الفيلم أن يتوج كأفضل إنتاج العام، هناك الأفضل فنياً، لكن السياسة انتصرت للفيلم وهى فرصة جديدة لاعتذار وبكاء الألمان على ما اقترفوه من آثام ، وهى نغمة مضمونة لاقتناص الجوائز .

اقرأ ايضاً | عرض «العنكبوت» في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا 3 مارس

نقلا عن صحيفة الاخبار : 

2023-2-22