قلب وقلم

أزمة أبناء «قِطمير» !

عبد الهادى عباس
عبد الهادى عباس

تبتهج حينما تراه كأنه بسمة الفجر فى صيف كئيب، وتتطلع إليه بلهفة عاشق أضناه الشوق إلى الحبيب، تلتف حوله بتذلل مُذنبٍ يدور حول كعبته راجيًا محو آثامه، وتناديه بصوتها المبحوح من شدة الجوع والعطش وهى ترفع رؤوسها إليه وتُخرج ألسنتها فى انتظار عطاياه التى لا تنقطع منذ سنوات.


يفرض صديقى «أحمد» على نفسه فرضًا أملاه عليه قلبه الرقيق ودينه الوثيق، حيث يحجز جزءًا من راتبه الضئيل شهريا للفقراء والمساكين من بنى آدم، وجزءًا مُساويًا له لأبناء «قطمير» من كلاب السكك القريبة من منزله، والتى ما إن تراه حتى تهش له وتبش وترفع أذنابها فى انتظار وجبتها الدسمة التى لا تقل عن التونة والرنجة والسردين وعشرات من أرغفة الخبز، التى تأكلها بنهم ثم تحيط بصديقى شاكرةً له حتى باب منزله.   
يُقال إن «قطمير» كان اسم كلب أصحاب الكهف الذين صاحبهم فى محياهم ومماتهم مرتين، ولهذا يُضرب به المثل فى الوفاء؛ ولكن سلالة أبناء «قطمير» الآن تُعانى أشد المعاناة مع أبناء آدم، سواء بسواء، منذ غلاء الأسعار وقلة الزاد المتروك لهم فى القمامة التى تقتات عليها.


ورغم تضارب التقارير حول الأعداد الحقيقية لكلاب الشوارع فى مصر والتى قد تصل إلى 20 مليون كلب، وما بين الداعين لقتلها جميعا دون هوادة أو رحمة، وبين من ينادى بتصديرها إلى دول تأكلها، وآخرين الذين ينادون بحقنها للقضاء على نسلها، خاصة بعد حوادث الاعتداءات المتكررة فى المناطق النائية، فضلًا عن أصواتها المزعجة حين تتهارش وتتعارك فيما بينها.. بين كل هذه الأمور تبقى تلك الهالة المضيئة للقلوب الذهبية لصديقى الدكتور أحمد وبعض أصدقائه من الشباب المصرى الذين يؤكدون أن كل هذه الأمور ليست مهمتهم، إنما مهمتهم تنفيذ أوامر النبى صلى الله عليه وسلم واتباع نهجه الشريف فى المرحمة بالحيوان بجوار المرحمة بالإنسان، وذلك بالقدر المُستطاع الذى تسمح به رواتبهم الضئيلة؛ وكل هذا مع اعترافهم أنهم يُواجهون بعض الاعتراض من زوجاتهم اللاتى يقلن صراحة إن ما يحتاجه البيت مُحرَّم على الكلاب!
ترتفع الأسعار أو تنخفض، يمتعض الناس من الكلاب أو يبتهجوا، لا فرق؛ فالواقع يشهد أن فى مصر شبابًا يملكون رقة يعقوب وصبر أيوب ورحمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه بهؤلاء وأمثالهم تحيا مصر.