محمود الوردانى يكتب : من ثمار الهزيمة

محمود الوردانى
محمود الوردانى

[email protected]

لا تزال آثار الهزيمة المُرّة عام 1967 فاعلة، وتداعياتها مستمرة حتى الآن، ومن بينها صدور هذا الأثر النفيس، الذى ظل متناثراً ومتباعداً وناقصاً وهو المجلدات الثلاثة «تاريخ الفكر المصرى الحديث» للراحل الكبير لويس عوض عن دار المحروسة.


 وإذا كان من بين تداعيات الهزيمة مثلاً ظهور جيل الستينيات الأدبى وانطلاق المغامرات الفنية، فإن من بين تلك التداعيات أيضاً العودة للجذور وإعادة النظر فى الثوابت والمسلمات.

وقراءة ماضينا والتنقيب فيه، وهو ما قام به عدد من القامات الكبرى، من بينها مثقف كبير ورفيع وباحث لا يشق له غبار، ترك لنا إرثاً ضخماً يتجاوز الخمسين عملاً فضلاً عن ترجماته العديدة، وديوانه الشعرى الطليعى «بلوتولاند»، وروايته الوحيدة التى تأخر ظهورها عدة عقود «العنقاء».


 والواقع أن نشر هذه الطبعة من الكتاب يشكّل حدثاً ثقافياً بجمعه لشتات هذا الأثر، الذى بدأ ظهور نواته أولاً عام 1963 حسبما يشير إيهاب الملاح فى تقديمه لهذه الطبعة.

ثم بدأ ظهور الأجزاء الأولى عام 1969، وتمرّ سنوات قبل أن يعود لمشروعه ويعكف على استكماله خلال الفترة من 1973 وحتى 1987. 


وتكمن قيمة هذه الطبعة فى أنها تمكنت من لمّ شتات كتاب صدرت أجزاؤه متناثرة وفى أكثر من مطبعة ودار للنشر، وكان فى حكم المندثر تقريباً.


والحديث يدور حول قرابة 1700 صفحة من القطع الكبير. المجلد الأول يغطى الفترة من الحملة الفرنسية حتى عصر إسماعيل، وفى هذا الجزء كما فى سائر الأجزاء يولى عنايته للخلفية التاريخية لنشوء الأفكارفي مثل الفكرة القومية (فى ظل الحملة الفرنسية وآثارها الممتدة).

ونشأة الفكرة الديمقراطية. كما يتناول على نحو مفصّل الوزارة الأولى والدستور الأول والبرلمان الأول ومشروع الاستقلال الأول والمطبعة الأولى والجريدة الأولى.


وينتهى المجلد الأول بإعادة قراءة آثار علماء وقامات شاهقة مثل الجبرتى ورفاعة الطهطاوى وأحمد فارس الشدياق.

وتكفى تلك العناوين السريعة للكشف عن الخطوط العريضة لهذا العمل الريادى والتأسيسى الذى يتجاوز طموحه كل سقف بعودته للجذور الأولى للحداثة المصرية.


والمجلدان التاليان خصصهما لويس عوض للفترة التاريخية من عصر إسماعيل وحتى ثورة 1919 . الأول يقدم الخلفية التاريخية ويتضمن على سبيل المثال عدة كتب متوالية: ملحمة قناة السويس واغتصاب مصر والديمقراطية والأحزاب والصحافة والرقابة.

وغيرها وغيرها من الموضوعات التى تشير إلى مدى الشمول والاتساع والرؤية الرحبة لتاريخ ممتد لعدة قرون. والمجلد الثانى يضم أيضاً ثلاثة كتب عن شخصيات بالغة التأثير مثل جمال الدين الأفغانى (الأفغانى تحديداً يقدّم عنه لويس عوض رؤية مغايرة تماماً وتختلف مع كل ما كُتب عنه) ويعقوب صنوع وعبد الله النديم.


 ومن جانب آخر، سبق للمحروسة أن نشرت عدداً من أعمال لويس عوض مثل مذكرات طالب بعثة ودراسات فى النظم والمذاهب وغيرهما، وكانت وفق الاتفاق الذى أبرمته مع الناقد الراحل د.رمسيس عوض هى مالك حقوق النشر، فيما عدا كتابين. الأول «مقدمة فى فقه اللغة».

الذى تمت مصادرته بعد صدوره عن هيئة الكتاب، والثانى سيرته الذاتية «أوراق العمر» التى اعتبرها د.رمسيس كاشفة وغير منصفة للعائلة، واعتبرها الكثيرون عملاً نادراً وجريئاً.


والآن بعد رحيل د. رمسيس أتمنى أن تبحث دار المحروسة عن طريقة لإنقاذ سيرة لويس عوض الذاتية من الاندثار.

اقرأ ايضاً | أحمد عزيز الحسين يكتب: صورة دمشق فى روايات هانى الرَّاهب.. شرْخٌ فى تاريخ طويل نموذجاً

نقلا عن مجلة الادب : 

202302012