فى المليان

حــرب الـقـنـاة بدأت بإلـغـاء مـعـاهـدة 36

حاتم زكريا
حاتم زكريا

احتفلت مصر هذا الأسبوع بعيد الشرطة رقم 71، ولم تكن فكرة الاحتفال بهذا العيد وليدة واقعة الإسماعيلية المصرية فى معركة غير متكافئة، فهى تعبر قبل أى شيء عن تفاعل الشرطة مع الشعب المصرى فى مواجهة الاحتلال الإنجليزى، خاصة بعد إلغاء مصر معاهدة 36 فى 8 أكتوبر 1951 وهو ما أغضب بريطانيا غضباً شديداً واعتبرت إلغاء المعاهدة بداية لإشعال الحرب على المصريين وإحكام قبضة المستعمر الإنجليزى على المدن المصرية ومنها مدن القناة، والتى كانت مركزاً رئيسياً لمعسكرات الإنجليز، وبدأت حلقات النضال ضد المستعمر وبدأت المظاهرات العارمة للمطالبة بجلاء الإنجليز.. 

وفى 16 أكتوبر 1951 بدأت أولى شرارات التمرد ضد وجود المستعمر بحرق «النافى» وهو مستودع تموين وأغذية بحرية للإنجليز كان مقره ميدان عرابى وسط مدينة الإسماعيلية، وتم إحراقه بعد مظاهرات من العمال والطلبة والقضاء عليه تماماً لترتفع قبضة الإنجليز على أبناء البلد وتزيد الخناق عليهم فقرروا تنظيم جهودهم لمحاربة الإنجليز فكانت أحداث 25 يناير 1952.

وبدأت المجزرة الوحشية الساعة السابعة صباحاً، وانطلقت مدافع الميدان من عيار 25 رطلاً ومدافع الدبابات (السنتوريون) الضخمة من عيار 100 ملليمتر تدك بقنابلها مبنى المحافظة، وثكنة بلوكات النظام بلا شفقة أو رحمة، وبعد أن تقوضت الجدران وسالت الدماء أنهاراً، أمر الجنرال إكسهام بوقف الضرب لمدة قصيرة لكى يعلن على رجال الشرطة المحاصرين فى الداخل إنذاره الأخير، وهو التسليم والخروج رافعى الأيدى وبدون أسلحتهم، وإلا فإن قواته ستستأنف الضرب بأقصى شدة.. 

وتملكت الدهشة القائد البريطانى المتعجرف حينما جاءه الرد من ضابط شاب صغير الرتبة لكنه متأجج الحماسة والوطنية - وهو النقيب مصطفى رفعت - فقد صرخ فى وجهه فى شجاعة وثبات: «لن تتسلمونا إلا جثثا هامدة»، واستأنف البريطانيون المذبحة الشائنة، فانطلقت المدافع وزمجرت الدبابات وأخذت القنابل تنهمر على المبانى حتى حولتها إلى أنقاض، بينما تبعثرت فى أركانها الأشلاء وتخضبت أرضها بالدماء الطاهرة وبرغم ذلك الجحيم ظل أبطال الشرطة صامدين فى مواقعهم يقاومون ببنادقهم العتيقة من طراز (لى انفيلد) ضد أقوى المدافع وأحدث الأسلحة البريطانية حتى نفدت ذخيرتهم، وسقط منهم فى المعركة 56 شهيداً و80 جريحاً، بينما سقط من الضباط البريطانيين 13 قتيلاً و12 جريحاً، وأسر البريطانيون من بقى من المصريين على قيد الحياة من الضباط والجنود وعلى رأسهم قائدهم اللواء أحمد رائف ولم يفرج عنهم إلا فى فبراير 1952..

ولم يستطع الجنرال إكسهام أن يخفى إعجابه بشجاعة المصريين، فقال للمقدم شريف العبد ضابط الاتصال: «لقد قاتل رجال الشرطة المصريون بشرف واستسلموا بشرف»، ولذا فإن من واجبنا احترامهم جميعاً ضباطا وجنوداً..

وقام جنود فصيلة بريطانية بأمر من الجنرال إكسهام بأداء التحية العسكرية لطابور رجال الشرطة المصريين عند خروجهم من دار المحافظة - ومرورهم أمامهم تكريماً لهم وتقديراً لشجاعتهم، وحتى تظل بطولات الشهداء من رجال الشرطة المصرية فى معركتهم ضد الاحتلال الإنجليزى ماثلة فى الأذهان، ليحفظها ويتغنى بها الكبار والشباب وتعيها ذاكرة الطفل المصرى وتحتفى بها..