شهريار

ليالى الشمال السعيدة

إبراهيم أبو كيلة
إبراهيم أبو كيلة

فى ليل الشتاء الطويل.. ترافقنى فيروز بأغانيها الحالمة.. خاصة أغنية «ليالى الشمال الحزينة».. بالرغم من اختلافى معها فى أن ليالى الشمال لم تكن حزينة «بالنسبة لي».. بل كانت أسعد ليالى عشتها.. فى قريتى أقصى شمال الدلتا.. كان بينى وبين الشتاء عشق وارتباط وثيق.. ففيه ولدت وفيه عشت أجمل أيام حياتى.. سنين عمرى الأولى.. فى قريتنا التى تبعد عن البحر المتوسط بضعة كيلومترات.. فى الشتاء.. كانت أبواب السماء تنفتح على مصراعيها.. لينهمر المطر بغزارة لأيام وليال.. وكثيرًا ما كانت الثلوج تتساقط لتحول لون الأرض الأسود إلى اللون الأبيض .

كنت أحب السير تحت المطر.. أو الوقوف خلف النافذة لمراقبة زخاته.. أو التجمع مع أشقائى حول موقد النار.. نلتصق ببعضنا البعض.. متدثرين بالأغطية.. نستمع «لحواديت» جدتى..  على وقع دقات المطر المتساقط على النوافذ وصفير الرياح وقصف العواصف وجلجلة الرعد.. كأنها موسيقى تصويرية مصاحبة «لحواديتها» .

فى الشتاء يأتى الخير والنماء.. وفيه ينزل المطر ليغسل البشر ويروى الشجر وينظف الحجر.. يطهر القلوب من الضغائن وينقى الجو من الشوائب.. فى الشتاء تنخفض حرارة الجو.. وترتفع حرارة القلوب.. على عكس الصيف.. ترتفع حرارة الجو.. وتنخفض حرارة القلوب.. ويظل الشتاء أكثر دفئا.. وألطف من الصيف.

الآن فى ليالى الشتاء الطويلة والشعور بالوحدة وغياب الاحبة.. استحضر ذكرياتى تلك.. لأعيش فيها هربا من عالم قاس تمزقه الحروب والصراعات وتخنقه الأزمات وتتفشى فيه الأوبئة.. وتغيرت فيه المبادئ وتبدلت فيه القيم وتبلدت فيه المشاعر.. وانشغل كل واحد بحاله.. بسبب هذه المتغيرات التى زادت من صعوبة الحياة.

  ويظل الماضى أجمل من الحاضر.. وها نحن مع بداية كل عام نأمل أن يكون أفضل من سابقه.. ولكن سرعان ما نكتشف أن ما مضى أفضل مما نحن فيه خاصة السنوات الأخيرة.. فعام نبتلى بكورونا وعام يطالنا لهيب حرب روسيا وكرواتيا وعام نفقد فيها الأحبة.. وسيظل ما فات أحلى مما هو آت  مصداقا لحديث نبينا الكريم «لا يأتى عام إلا والذى بعده شر منه حتى تلقوا ربكم» صدق رسول الله .