تدشين قاعدة بيانات مميكنة لضبط منظومة التبرع

« زراعة الأعضاء » تقضى على قوائم الانتظار

زراعة الأعضاء
زراعة الأعضاء

زراعة الأعضاء أحد أهم الملفات التى لاقت اهتماما كبيرا من قِبل الحكومة المصرية بعدما وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي، بإنشاء أكبر مركز لزراعة الأعضاء بالشرق الأوسط وأفريقيا، وذلك عندما اطلع على الموقف التنفيذى الخاص بتطوير معهد ناصر ليصبح مدينة طبية عالمية، موجها بإنشاء أكبر مركز إقليمى لزراعة الأعضاء فى مصر داخل تلك المدينة، وبالتعاون مع كبرى الشركات العالمية المتخصصة بهدف إنشاء منظومة متكاملة، تشمل قاعدة بيانات مميكنة لعمليات الزرع، والمرضى، والمتبرعين.

وكما يؤكد الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة والسكان أن ملف زراعة الأعضاء يُعد مشروعا قوميا بالدرجة الأولى، وتعود أهميته فى الحفاظ على الحالة الصحية للمواطنين، وتحقيق مبدأ المساواة فى الحصول على حياة صحية جيدة بين المواطنين، مشيرًا إلى أن وزارة الصحة والسكان، تسير وفق آلية واستراتيجية محددة بهذا الملف، وفقًا لقانون رقم 5 لسنة 2010 الخاصة بتنظيم بآلية العمل بزراعة الأعضاء، منوهًا إلى أنه يتم تحديد واختيار المرضى، وفقًا للأولويات والاحتياجات الصحية لكل مريض، وذلك من خلال قاعدة البيانات الخاصة بمبادرة رئيس الجمهورية لمنع قوائم الانتظار.
وكان الوزير قد أوضح أن مصر نجحت فى إجراء ٦٠٠ عملية زرع وأكثر من 300 حالة لزراعة الكبد، وذلك فى عام 2021، منوهًا إلى أول حالة زراعة كبد بمصر كانت عام 2001، وكلى بعام 1978، مؤكدًا أن مصر تمتلك خبرات كبيرة ومهارات فائقة بهذا الملف بما يؤهلها لأن تصبح بمركزًا إقليميًا لزراعة الأعضاء بكافة التخصصات.
ويوضح الدكتور محمد عوض تاج الدين، مستشار رئيس الجمهورية للشئون الصحية، إن عمليات زراعة الأعضاء موجودة فى كل بلاد العالم وكل البلاد العربية، والحكومة المصرية تدرس حاليا إضافة خانة اختيار التبرع بالأعضاء فى بطاقة الرقم القومي، وكشف أن زراعة الأعضاء وزراعة القرنية تتم فى مصر وفقا للقوانين واللوائح التنفيذية والتى تطبق بكل شفافية، مؤكدا أنه توجد حالات كثيرة فى مصر تحتاج لزراعة الكلى والكبد ويتم الآن بالفعل إجراء دراسات وتجارب لزراعة الرئة، ووجود مثل هذه المراكز سيسهم فى رفع المعاناة عن المرضى وأسرهم.

قاعدة بيانات متكاملة
وعن تدشين قاعدة بيانات متكاملة، يشير الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث الرسمى باسم وزارة الصحة والسكان، إلى أن قاعدة البيانات ستكون عبارة عن منظومة مميكنة موحدة تشمل جميع قوائم المرضى الذين هم على قائمة الانتظار فى جميع مراكز زرع الأعضاء بالإضافة إلى جميع المتبرعين بأعضائهم مع توضيح نوع الأنسجة وغيرها من المعلومات المرتبطة بعملية الزرع والفحوصات، ولهذه القاعدة الكثير من الفوائد، منها ضبط وحوكمة المنظومة ومعرفة نتائج العمليات التى تجرى وتحديد نسب حدوث المضاعفات ونسب النجاح، بالإضافة للتأكد من الشفافية فى عملية التبرع وقطع الطريق على عصابات تجارة الأعضاء، كما أن هذه القاعدة الموسعة ستفيد فى تلقى التبرع من محافظات مختلفة كعملية تبادلية وفقا لمدى توافق الأنسجة والحالات الأخرى بين المرضى والمتبرعين، ما يوفر الوقت والجهد والمساعدة على تنفيذ أكبر كم من عمليات زراعة الأعضاء فى أقل وقت ممكن، وأكد أن تدشين هذه القاعدة قد تستغرق فترة زمنية تصل إلى 6 أشهر.

قانون زراعة الأعضاء
فى السياق، توضح الدكتورة إيرين سعد، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، أن قانون زراعة الأعضاء بمصر مازال يحتاج لتعديلات، حيث تم إقراره لأول مرة عام 2010 ثم أجريت تعديلات عليه عام 2017، لكنه مازال بحاجة إلى حوكمة ليكون الموضوع مقننًا بنسبة أكبر، فهو متاح حاليا للمستشفيات الحكومية والخاصة، والأفضل أن يعمل أولا بشكل كامل تحت مظلة الدولة والجهات الحكومية فقط بحيث يكون هناك القدرة الكاملة على المراقبة التامة ووضع اللائحة التنفيذية بشكل يضمن سلامة العمليات ونقل الأعضاء، وبعد التأكد من نجاح النظومة يتم نقلها للقطاع الخاص. كما ترى أن من ضمن المواد التى يتضمنها القانون الحالى هو زرع الأعضاء للمصريين فقط، وهذا البند لا يليق بالقانون المصري، وإذا كان لابد من ذكرها فيكفى وضعها فى اللائحة التنفيذية لتخضع لرقابة الجهات التنفيذية ولكن لا تذكر فى القانون كمادة منفردة، فكيف تكون مصر من الدول التى تروج للسياحة العلاجية والاستثمار الخارجى ويُمنع الأجانب من إجراء مثل هذه العمليات؟!
وتشيد إيرين بفكرة إنشاء مركز لزراعة الأعضاء فى مصر، مؤكدة ضرورة التنفيذ بقوة حتى تكتمل المنظومة كما خُطط لها، مؤكدة أن هناك شروطا محددة يُسمح فيها بالتبرع ويمكن للأشخاص توثيق رغبتهم فى التبرع بالأعضاء بعد وفاتهم فى الشهر العقارى، ولكن المشكلة التى تعمل لجنة الصحة على مناقشتها بمجلس النواب هى إعفاء المتبرعين من دفع ثمن وثيقة التسجيل الذى يبلغ 30 جنيها.

العقوبات
من جانبه، أكد الدكتور محمد سليم، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، أن العقوبات التى جاءت بالقانون الخاص بزراعة الأعضاء تنص على عقوبة السجن المشدد وغرامة ما بين 500 ألف إلى مليون جنيه، لكل من نقل عضوا بشريا أو جزءا منه بقصد الزرع بالمخالفة لمواد القانون، وإذا وقع هذا الفعل على نسيج بشرى حى تكون العقوبة السجن لمدة لا تزيد على عشر سنوات، وإذا ترتب على ذلك وفاة المتبرع تكون العقوبة السجن المؤبد وغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه. وتضمن النصوص أن تكون العقوبة الإعدام إذا ترتب على الفعل المشار إليه فى الفقرة السابقة وفاة المنقول منه أو إليه، والسجن المشدد وغرامة بين 500 ألف ومليون جنيه لكل من خالف أيا من الأحكام الواردة فى المادة (6) من القانون.

ثقافة التبرع
من الناحية الطبية، يقول الدكتور عمرو عبدالعال، أستاذ جراحة وزراعة الكبد بكلية طب جامعة عين شمس، عضو اللجنة العليا لزراعة الأعضاء، إن مفهوم زراعة الأعضاء هو استبدال عضو لا يعمل بعضو آخر يعمل، ويمكن إجراء ذلك من خلال نوعين، إما من شخص متوفى لشخص حي، أو يكون بين الأحياء فقط، ولأن ثقافة التبرع من المتوفى لم تحدث فى مصر حتى الآن، فالأكثر انتشارا والمتعارف عليه هو نقل أعضاء محددة فقط مثل الكلى والكبد، ولأن سلامة المتبرع هى الأهم يجب التأكد من أن الطبيب يجرى جميع الفحوصات اللازمة له للتأكد من أنه يمكن الإقدام على إجراء العملية بأمان، وإذا أثبتت الفحوصات العكس، يتم الرفض تماما مهما كانت درجة القرابة ويُستبدل بأحد الأقارب لضمان عدم حدوث أى أذى للمتبرع.
ويؤكد أن التبرع يكون بجزء فقط من الكبد أو أحدى الكليتين حتى يستطيع المتبرع أن يمارس حياته بشكل طبيعى تماما وكذلك المتلقى للعضو مع الأخذ فى الاعتبار تناوله أدوية مثبطات للمناعة مع تعريفه ببعض المحظورات التى يجب الانتباه إليه وكذلك اتباع التعليمات الخاصة بتناول الأدوية والحفاظ على صحته بدرجة أعلى لتجنب الإصابة بأى التهابات أو ميكروبات خارجية تسبب له أى أذى، علما بأن نسب نجاح عمليات زراعة الكبد فى عالم أجمع تتعدى الـ85% وتفوق عمليات زراعة الكلى هذه النسبة، كما أن نسبة نجاح زراعة الكبد للأطفال تصل إلى 93%.

التبرع من متوفى
وأوضح الطبيب أن التبرع من حديثى الوفاة يكون له بعض الشروط أهمها وجود موافقة كتابية موثقة تؤكد موافقة الشخص وهو مازال على قيد الحياة على التبرع بأعضائه بعد الوفاة، علما بأن هذه الموافقة لا تعنى بالضرورة حدوث التبرع، وأنما هناك ظروف كثيرة تحكم مدى إمكانية التبرع من عدمها، فأغلب الحالات التى تتوفى نتيجة أورام أو مشاكل فى الجهاز الهضمى لا تصلح للتبرع، ومعظم نسب الحالات التى تصلح للتبرع تكون من توفى فى حادثة أو ما شابه ذلك، بحيث يكون المخ توقف تماما وهنا يمكن التبرع بأعضاء القلب والكلى والكبد، مشيرا إلى أن أهم ما فى ذلك هو التبرع بالقرنية بعد الوفاة لأنها لا تحتاج لإجراء عمليات جراحية وتكون سببا فى شفاء كثير من مرضى القرنية وتمنحهم القدرة على الرؤية مرة أخرى.

«الإفتاء» تحسم الجدل
ومن الناحية الدينية، أصدرت دار الإفتاء فتوى تؤكد جواز التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، حيث قالت إن العلاج بنقل وزرع عضوٍ بشريٍّ مِن متوفًّى إلى شخصٍ حيٍّ مُصَابٍ جائزٌ شرعًا إذا توافرت الشروط التى تُبعد هذه العملية من نطاق التلاعب بالإنسان الذى كرَّمه الله تعالى، وتنأى به عن أن يتحول إلى قطع غيار تباع وتشترى، ومن الشروط الأساسية فى ذلك: تحقق موت المتبرِّع؛ بتوقف قلبه وتنفسه وجميع وظائف مخه ودماغه توقفًا لا رجعة فيه؛ بحيث تكون روحه قد فارقت جسده مفارقةً تامةً تستحيل بعدها عودته للحياة، ولا يقدح فى صحة الموت الحركةُ الآليَّةُ لبعض الأعضاء بفعل أجهزة التنفس الصناعى ونحوها، وهذا التحقق إنما يكون بشهادة الأطباء العدول أهل المعرفة فى فنهم الذى يُخَوَّل إليهم التعرف على حدوث الموت، وما ذكره الفقهاء من علامات الموت -كاسترخاء الرجلين وغيره- مبنى على الرصد والتتبع والاستقراء الطبى فى أزمنتهم، وقد أثبت الطب الحديث أن هذه أعراضٌ للتوقف النهائى لجميع وظائف المخ والدماغ، فإذا استطاع الأطباء قياس هذا التوقف التام لوظائف المخ، وصار هذا القياس يقينيًّا عندهم بلا خلاف بينهم فيه: فإنه يُعَدُّ موتًا حقيقيًّا يجوز بعده نقل الأعضاء من الميت إلى الحى بشروطه.

أقرأ أيضأ : وزير الصحة يبحث مع خبير ياباني تبادل الخبرات في زراعة الأعضاء