إعلام «التريند».. وفقاعات الصابون

صورة موضوعية
صورة موضوعية

كتب: ريزان العرباوي

في حرب التريندات التي لم تنجو منها المهنية والأخلاقيات، وفي سباق محموم لتصدر محركات البحث على مواقع التواصل الاجتماعي، ظهر ما يسمى بـ«إعلام التريند»، الذي خرج من رحم تصريحات المذيعين والمذيعات الساخنة حول قضايا جوفاء فارغة لا تمت للمهنية والمصداقية والحيادية بأي صلة، فقط موضوعات تثير كثيرا من الشد والجذب، رغبة في الانتشار السريع والإستحواذ على أكبر عدد من المتابعين، فكانت تصريحات أشبه بفقاعات الصابون التي تكبر وتلمع لتجذب الأنظار، لكن سرعان ما تنفجر لتتلاشى، وكأنها لم تكن، قد تترك أثر لبعض الوقت، لكن سرعان ما تزول، فما مدى تأثير شراهة البحث عن التريندات على جودة ومهنية الأداء الإعلامي؟، وهل من الممكن أن يؤثر على السلم المجتمعي؟، وكيف يتم تحقيق معادلة متزنة لتقديم إعلام مهني في عصر رقمي مع  القدرة على مواجهة التحديات الكبيرة التي يفرضها ذلك العصر الإفتراضي؟.

لا تخلو وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة من مقاطع لمذيعين ومذيعات اقتطعت من برامجهم التلفزيونية تتضمن تصريحات مثيرة للجدل, وفي الفترة الأخيرة انضمت المذيعة ياسمين عز للمذيعات اللاتي عشقن فكرة اللعب على التريند في سبيل الانتشار والإستدامة، فأثارت الجدل بسبب تعليقاتها المتواترة التي يراها البعض مستفزة بحثا عن الانتشار على حساب جودة المحتوى وأهميته، واقتصر مسلسل تصريحاتها حول انحيازها للرجل وطاعة الزوجة لزوجها، ومن بين تلك التصريحات التي أثارت سخرية البعض، ما قالته عن سجادة الصالون وجزمة الرجل التي لا تمانع من أن يخطو فوقها وفوق فساتينها الماركات. 

تصريحات ياسمين فتحت شهية مذيعات أخريات للحاق بركب التريند المنشود, لكن عبر صفحات العالم الإفتراضى بعيدا عن شاشات التليفزيون، وكان من بين منتقدي تصريحات ياسمين، تعليق ياسمين الخطيب قائلة: “لو مصرة تعملى خبيرة في العلاقات الزوجية، أنصحي الزوجات بتفهم الظروف وتخفيض النفقات”.
بينما أخذت المذيعة مي حلمي صف ياسمين لتدافع عنها وعن وجهة نظرها.

الإعلامي عمرو أديب بات نجم التريند، خاصة في الفترة الأخيرة مع انتشار مقاطع مختلفة له على "يوتيوب" ووسائل التواصل المختلفة, وتضم تصريحات حول قضايا متعددة, وكان أبرزها المداخلة الهاتفية للمطربة شيرين عبد الوهاب بعد أزمتها الأخيرة.

ومنذ فترة تداول رواد التواصل الاجتماعي مقطع فيديو من برنامج “نادي النساء السري” الذي يعرض على قناة “الشمس”,  ظهرت فيه المذيعات أثناء ممارسة “يوجا الضحك”، وفي حالة من الضحك الهستيري, مما أثار سخرية رواد التواصل الاجتماعي لعرض مثل تلك الفقرة على شاشة التليفزيون.

اقرأ أيضًا

اقرأ أيضا | عمرو أديب: غياب ساديو ماني أثر على أداء المنتخب السنغالي

«أكبر كذبة»
انتقدت الإعلامية سهير شلبي مذيعات «التريند» خلال تصريح تليفزيوني  واصفة ما يحدث على الساحة الإعلامية بالمهزلة، وأنه من أسوأ ما مر على الإعلام المصري على مدار تاريخه, وتابعت: “محاولات فاشلة من البعض للبقاء وضمان الإستمرارية, لكنها دون شك حالات وقتية لن يكتب لها البقاء، فكل مذيعة تحاول جذب الانتباه لها بالقول والفعل من أجل فقط تصدر التريند وارتفاع معدلات البحث على وسائل التواصل, وأنا أرفض وبشدة فكرة التريند الباحث عن الشهرة دون أن يكون هناك مضمون وقيمة للكلمة، فعلى المذيع المتمرس اختيار موضوعاته وتصريحاته بعناية وتحري الدقة والمصداقية والموضوعية فيما يقدمه على الشاشة للمتلقي, والمذيعة لابد وأن يكون لها مواصفات معينة لا تخرج عن إطار المهنية والأمانة الإعلامية, وللآسف الجميع يقدم برامج الآن (كل من هب ودب) دون المختصين, فوجود المذيعة المختصة مهم جدا, ومع افتقاد التدريب المستمر زاد الأمور سوءا, فكنا نحصل على دورات تدريبية على يد أساتذة إعلام ولغة عربية, وكان من الصعب (أي حد معدي يطلع يعمل برنامج) كما هو الوضع حاليا, فأين المذيعة المتخصصة؟”.

بينما استنكرت الإعلامية هالة سرحان فكرة التريند وأعتبرته أكبر كذبة في العالم من الممكن أن يخلق بوسائل غير لائقة, وترى أن النجاح ليس بالتصريحات التي تثير حالة من الضجيج والفوضى أو الألفاظ الخارجة والسخرية, فالتريند “ابن الفوضى المعلوماتية” على السوشيال ميديا.. على حد قولها”.

“بطولة زائفة”
“التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي شر لابد منه, لكن على الإعلام المهني تقدير ذلك التعامل في أطر لا تحيد عن مواثيق الشرف” هكذا استهل د. حسن عماد مكاوي عميد كلية الإعلام جامعة القاهرة الأسبق, حديثه عن الظاهرة, قائلا: “ما يحدث الآن على الساحة الإعلامية من تهافت شرس من قبل الإعلاميين لتحقيق التريند ليس إلا إفلاس من جانب الإعلام, حيث يفترض أن تستقي وسائل التواصل على معلوماتها من وسائل الإعلام التقليدي, لكن ما يحدث هو العكس، حتى أصبحت الهيمنة لذلك العالم الإفتراضي, لينتهي الحال ويصبح الإعلام تابع وليس قائد, وفي الحقيقة هو شيء مؤسف ومخزي لبعض العاملين في مجال الإعلام الذين يلهثون خلف ما يسمى بإعلام التريند, حتى بالرغم من علمهم مسبقا بما سيتعرضون له من انتقادات لاذعة, فتدول تلك المقاطع من قبل رواد السوشيال ميديا ما هو إلا على سبيل التهكم والسخرية من ذلك المذيع الذي أهان نفسه والمهنة للحصول على الانتشار الوهمي وتحقيق بطولة زائفة ضاربا بالقيم والأخلاق وأداب المهنة بعرض الحائط, فالأهم عنده هو تداول اسمه واسم برنامجه والقناة التابع لها لضمان الإستمرارية بغض النظر عن القيمة وطبيعة المحتوى, ولا عجب أن جزء كبير أصبح همه البحث والتفتيش عن كل ما هو تافه وسطحي فقط لمجرد التواجد واللهاث خلف وسائل التواصل الاجتماعي”.

ويتابع قائلا: “عدم وجود سياسة تحريرية معلنة وافتقاد الدقة والانضباط من أسباب تفشي تلك الظاهرة بين المذيعيين, أيضا عدم تدريب وتأهيل الإعلاميين بالقدر الكافي مع العلم أن من يعمل بالإعلام لابد وأن يحصل على دورات تدريبة بصفة مستمرة, لكن هناك من يعتبر أن التدريب يقتصر فقط على من يلتحق بالعمل لأول مرة, لكن في العالم كله الإعلام متغير وهناك تطورات تكنولوجية هائلة تحدث كل يوم ولابد أن يواكبها الصحفي والإعلامي, وبالتالي هو بحاجة مستمرة إلى التدريب والتأهيل الذي بات غير معترف بأهميته حاليا, وانعكاس ذلك واضح من خلال الممارسات الإعلامية غير المهنية”.

ويضيف: “المعادلة المتزنة من الممكن أن تتحقق بمحتوى ومضمون هادف يعكس قيمة معينة تجعل حياة الإنسان على نحو أفضل, فالإعلام الأجوف قد ينعكس تأثيره السلبي على المشاهد، فيجعله يعزف عن العمل والاجتهاد والمثابرة، لينشغل بأمور أقل ما يقال عنها أنها تافهة لا تقدم إضافة إنما تسحب من رصيده”.
واختتم حديثه قائلا: “يفترض أن يعبر المذيع عما يجول بخواطر الناس وهمومهم وطموحاتهم دون التعبير عن أراء شخصية وأن يكون مدركا لدوره الحقيقي”.

«قيمة الكلمة»
ويقول د. محمد المرسي، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة: “هناك حالة من الإغتراب في الإعلام دفع كثيرا من المؤسسات الإعلامية للخروج ببرامج ذات صبغة ترفيهة بعيدا عن الأخبار التقليدية في محاولة لاستعادة المشاهد المهاجر لوسائل التواصل الاجتماعي, لكن البعض أساء الاستخدام ولم يراعي أداب المهنة في سبيل تحقيق رغبة المذيعين وأصحاب القنوات للانتشار وتصدر التريند بلغة العصر, لذلك تذهب اختيارات عدد كبير منهم على سبيل المثال مذيعيين (التوك شو) للموضوعات التي تحقق لهم هذا التريند المنشود, وللآسف الاختيار دائما يأتي في إطار الخروج عن المألوف والبعد عن القيم والأخلاقيات ونشر بعض الأخبار دون التأكد من مدى صحتها, ليمتد وجوده بعد انتهاء برنامجه بتداول مقاطع من تصريحاته بشكل كبير على السوشيال ميديا, فقناعته تخبره أن بوصوله لذك التريند فقد حقق النجاح ونسبة مشاهدة عالية بما يضمن تثبيت أقدامه في القناة، ومعناه أيضا زيادة العائد المادي، لذلك نرى استماتة شديدة للفوز في حرب التريندات الإعلامية بغض البصر عن الإنتقادات التي قد تسيء وتشوه صورتهم لدى الجمهور”.
 

ويضيف: “في حين أن إمكانية الوصول للتريند بشكل محترم يخاطب عقل المشاهد بمحتوى بناء هي إمكانية واردة الحدوث باختيار موضوعات جادة تلتحم مع المشاهد وتقدم له الفائدة سواء كانت الثقافية أو حتى الترفيهية دون أن تضرب بنسق القيم الأخلاقي للمجتمع, وفي النهاية يرجع ذلك إلى ثقافة المذيع وأهداف رسالته الإعلامية ومدى تقديره لقيمة الكلمة وأن يكون مؤمن بكل ما سبق, ومازال هناك على الساحة نماذج لبعض الذين يحاولون التمسك بمبادئ المهنة، لكن الغث حينما يطغى يختفي السمين”.

ويتابع: “هناك أكثر من جهة مسئولة عن حدوث ذلك يأتي في مقدمتها القناة التي سمحت للمذيع بالظهور على الشاشة وإطلاق تصريحات وطرح قضايا دون قيمة مع وجود سياسة تحريرية تفتقد الدقة والمهنية, فلابد من محاسبة كل من يخرج عن إطار المهنية ويخالف بنود ميثاق الشرف الإعلامي وتفعيل دور الهيئات المنظمة للإعلام ومدى حسمها لمحاسبة التجاوز الخروج عن القيم, فكل ذلك على حساب المتلقي وحساب المهنة”.
وأشار إلى أن مبرر تلك الظاهرة لمواكبة عصر سرعة صناعة الحدث هو مبرر ساذج لأن مواكبة عصر السرعة تكون بإحتراف ومهنية.