التحولات الأمريكية

إيهاب فتحى
إيهاب فتحى

‭..‬هناك‭ ‬مقولة‭ ‬شائعة‭ ‬ارتبطت‭ ‬بالحالة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬قوة‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬أو‭ ‬ضعفها‭ " ‬إذا‭ ‬عطست‭ ‬أمريكا‭ ‬أصيب‭ ‬العالم‭ ‬بالزكام‭ " ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬أن‭ ‬حالة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأمريكى‭ ‬فى‭ ‬صعوده‭ ‬أو‭ ‬هبوطه‭ ‬يؤثر‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬الحالة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الدولية‭ ‬وتصل‭ ‬آثار‭ ‬هذا‭ ‬الضعف‭ ‬أو‭ ‬القوة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬بيت‭ ‬فى‭ ‬العالم‭. ‬

لكن‭ ‬هل‭ ‬تنطبق‭ ‬نفس‭ ‬المقولة‭ ‬على‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية؟‭ ‬أى‭ ‬أن‭ ‬السياسات‭ ‬والصراعات‭ ‬التى‭ ‬تشتعل‭ ‬فى‭ ‬الداخل‭ ‬الأمريكى‭ ‬تمتد‭ ‬آثارها‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬أرجاء‭ ‬العالم‭ ‬ويصبح‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولى‭ ‬بؤرة‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬بسبب‭ ‬حالة‭ ‬الصراع‭ ‬الأمريكى‭ ‬الداخلى،‭ ‬لاشك‭ ‬أن‭ ‬مانراه‭ ‬من‭ ‬اضطراب‭ ‬دولى‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬التهديد‭ ‬باندلاع‭ ‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الداخل‭ ‬الأمريكى‭ ‬المتصارع‭ ‬مع‭ ‬نفسه‭ ‬وراء‭ ‬كل‭ ‬مايحدث‭. ‬

قبل‭ ‬أسابيع‭ ‬قليلة‭ ‬بدأت‭ ‬نبرة‭ ‬التصعيد‭ ‬تتراجع‭ ‬فى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الصراعات‭ ‬التى‭ ‬تشارك‭ ‬فيها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬وغير‭ ‬مباشر،‭ ‬أغلقت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬ملفات‭ ‬التوتر‭ ‬وفتحت‭ ‬ملفات‭ ‬الحوار،‭ ‬حالات‭ ‬العداء‭ ‬بين‭ ‬قوى‭ ‬إقليمية‭ ‬تتحول‭ ‬تدريجيًا‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التوافق،‭ ‬قوى‭ ‬العولمة‭ ‬المسيطرة‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬فى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬والتى‭ ‬تعادى‭ ‬مفهوم‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬بأى‭ ‬صيغة‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬حدها‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬أفكارها‭ ‬المجنونة‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تحاول‭ ‬فرضها‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬بقوة‭ ‬السلاح،‭ ‬حالة‭ ‬الدمج‭ ‬التى‭ ‬ترعاها‭ ‬نفس‭ ‬القوى‭ ‬المعولمة‭ ‬مع‭ ‬الجماعة‭ ‬الإخوانية‭ ‬الفاشية‭ ‬محاولة‭ ‬خلق‭ ‬الإخوانى‭ ‬المزيف‭ ‬المتخفى‭ ‬وراء‭ ‬دعايات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬تتوارى‭ ‬أمام‭ ‬الحسابات‭ ‬الواقعية‭ ‬للمصالح‭ ‬،‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬السائر‭ ‬وراء‭ ‬المعولمين‭ ‬بلا‭ ‬نقاش‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬نائبته‭ ‬كامالا‭ ‬هاريس‭ ‬وأستاذها‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬نجده‭ ‬فى‭ ‬تحركاته‭ ‬الدولية‭ ‬الأخيرة‭ ‬يتبع‭ ‬بوصلة‭ ‬الواقعية‭ ‬السياسية‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الأفكار‭ ‬الجنونية‭ ‬للمعولمين،‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬المسرح‭ ‬الرئيسى‭ ‬لهذا‭ ‬الجنون‭ ‬المعولم‭ ‬ومن‭ ‬قبله‭ ‬النزوات‭ ‬الترامبية‭ ‬نرى‭ ‬فيه‭ ‬الآن‭ ‬سياسات‭ ‬أمريكية‭ ‬واضحة‭ ‬بأنها‭ ‬لن‭ ‬تتخلى‭ ‬عن‭ ‬دورها‭ ‬فيه‭ ‬وتقدم‭ ‬احترام‭ ‬ملموس‭ ‬للقوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬الكبرى‭ ‬فيه‭ ‬دون‭ ‬سخافات‭ ‬المعولمين‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كشرت‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬عن‭ ‬أنيابها‭ ‬وأعلنت‭ ‬منذرة‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تتحمل‭ ‬الجنون‭ ‬الأمريكى‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬يمكن‭ ‬تلخيص‭ ‬التحول‭ ‬الذى‭ ‬حدث‭ ‬فى‭ ‬السياسات‭ ‬الأمريكية‭ ‬مؤخرًا‭ ‬فى‭ ‬ثلاثة‭ ‬مشاهد،‭ ‬الأول‭ ‬الزيارة‭ ‬التى‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬بايدن‭ ‬إلى‭ ‬شرم‭ ‬الشيخ‭ ‬لحضور‭ ‬قمة‭ ‬المناخ‭ ‬ولقائه‭ ‬بالرئيس‭ ‬السيسى‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬اللقاء‭ ‬يشير‭ ‬بوضوح‭ ‬إلى‭ ‬عودة‭ ‬واشنطن‭ ‬إلى‭ ‬الواقعية‭ ‬السياسية‭ ‬واعترافها‭ ‬بحجم‭ ‬وتأثير‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬على‭ ‬مصالحها‭ ‬فى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بل‭ ‬والعالم،‭ ‬لقد‭ ‬جرى‭ ‬لقاء‭ ‬شرم‭ ‬الشيخ‭ ‬دون‭ ‬دعايات‭ ‬وسخافات‭ ‬المعولمين‭ ‬وتحالفاتهم‭ ‬الفاشلة‭ ‬مع‭ ‬الفاشية‭ ‬الإخوانية‭. ‬

أما‭ ‬المشهد‭ ‬الثانى‭ ‬فكان‭ ‬لقاء‭ ‬القمة‭ ‬الذى‭ ‬جمع‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬والرئيس‭ ‬الصينى‭ ‬تشى‭ ‬بينج‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬قمة‭ ‬العشرين‭ ‬والاعتراف‭ ‬الكامل‭ ‬من‭ ‬الطرفين‭ ‬خاصة‭ ‬الأمريكى‭ ‬بواقعية‭ ‬المصالح‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الأفكار‭ ‬الجنونية‭ ‬للمعولمين‭ ‬فى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬الصاعدة‭ ‬بقوة‭ ‬على‭ ‬المسرح‭ ‬الدولى‭ ‬بنفوذها‭ ‬السياسى‭ ‬والاقتصادى‭ ‬والعسكرى‭. ‬

‭ ‬يتعلق‭ ‬المشهد‭ ‬الثالث‭ ‬بالصاروخ‭ ‬الذى‭ ‬سقط‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الأوكرانية‭ ‬البولندية‭ ‬وخرج‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬بولندا‭ ‬ومن‭ ‬قبله‭ ‬زيلينسكى‭ ‬مشعلين‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬بأن‭ ‬روسيا‭ ‬قصفت‭ ‬بولندا‭ ‬عضو‭ ‬الناتو‭ ‬بالصواريخ‭ ‬مما‭ ‬يعنى‭ ‬دخول‭ ‬الناتو‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فى‭ ‬حرب‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬لكن‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬هو‭ ‬مانفى‭ ‬مسئولية‭ ‬روسياعن‭ ‬هذه‭ ‬الصواريخ‭ ‬بل‭ ‬أوضح‭ ‬أنـــها‭ ‬بقايا‭ ‬صواريخ‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوى‭ ‬الأوكرانى‭. ‬

غير‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬فالمؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬الأمنية‭ ‬الأمريكية‭ ‬طوال‭ ‬الأسابيع‭ ‬الماضية‭ ‬بدأت‭ ‬تعلن‭ ‬بوضح‭ ‬أن‭ ‬التفاوض‭ ‬هو‭ ‬الحل‭ ‬الأمثل‭ ‬للأزمة‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬الرئيس‭ ‬الأوكرانى‭ ‬زلينسيكى‭ ‬الفتى‭ ‬المدلل‭ ‬عند‭ ‬واشنطن‭ ‬ولتأكيد‭ ‬ذلك‭ ‬تم‭ ‬تسريب‭ ‬تفاصيل‭ ‬محادثة‭ ‬دارت‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬نهره‭ ‬فيها‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬وأعاده‭ ‬لحجمه‭ ‬الحقيقى‭ ‬فى‭ ‬أنه‭ ‬مجرد‭ ‬أداة‭ ‬فى‭ ‬صراع‭ ‬تديره‭ ‬واشنطن‭ ‬حتى‭ ‬الألاعيب‭ ‬الإعلامية‭ ‬البهلوانية‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬زيلينسكى‭ ‬يطارد‭ ‬بها‭ ‬العالم‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬ساعة‭ ‬خفتت‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬واشنطن‭ ‬ترغب‭ ‬فيها‭ ‬ولا‭ ‬فى‭ ‬صاحبها‭ ‬بعد‭ ‬التحولات‭ ‬التى‭ ‬جرت‭ ‬فى‭ ‬سياساتها‭. ‬

تبقى‭ ‬ملاحظة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمشاهد‭ ‬السابقة‭ ‬فالدول‭ ‬الثلاث‭ ‬مصر‭ ‬والصين‭ ‬وروسيا‭ ‬التى‭ ‬غيرت‭ ‬واشنطن‭ ‬سياستها‭ ‬تجاهها‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬الوقائع‭ ‬والمصالح‭ ‬هى‭ ‬دول‭ ‬مركزيتها‭ ‬الرئيسية‭ ‬مفهوم‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬وهى‭ ‬الدول‭ ‬التى‭ ‬تمتلك‭ ‬المخزون‭ ‬الحضارى‭ ‬الأكبر‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬والأكثر‭ ‬تأثيرًا‭ ‬فى‭ ‬محيطها‭ ‬الإقليمى‭ ‬والدولى‭ ‬وفى‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬فقوى‭ ‬العولمة‭ ‬والمعولمين‭ ‬أعداء‭ ‬مفهوم‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬عامين‭ ‬كانوا‭ ‬يشنون‭ ‬حربهم‭ ‬الدعائية‭ ‬السخيفة‭ ‬ضد‭ ‬الدول‭ ‬الثلاث‭ ‬مستخدمين‭ ‬أدواتهم‭ ‬البالية‭ ‬والمعتادة‭ ‬حول‭ ‬مزاعم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أتباعهم‭ ‬سواء‭ ‬فى‭ ‬الفاشية‭ ‬الإخوانية‭ ‬أو‭ ‬اليسار‭ ‬المعولم‭ ‬لكن‭ ‬أبواق‭ ‬العولمة‭ ‬الدعائية‭ ‬توارت‭ ‬بعيدًا‭ ‬مع‭ ‬التحولات‭ ‬الأمريكية‭.       ‬

هذه‭ ‬التحولات‭ ‬فى‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لم‭ ‬تأت‭ ‬فجأة‭ ‬بل‭ ‬سبقتها‭ ‬ترتيبات‭ ‬داخل‭ ‬البيت‭ ‬الأمريكى‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الانفجار‭ ‬وصولا‭ ‬لنقطة‭ ‬اللاعودة‭ ‬وهى‭ ‬نشوب‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬أمريكية‭ ‬جديدة،‭ ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬كل‭ ‬المؤشرات‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬نتائج‭ ‬انتخابات‭ ‬التجديد‭ ‬النصفى‭ ‬للمجالس‭ ‬التشريعية‭ ‬الأمريكية‭ ‬وحكام‭ ‬الولايات‭ ‬التى‭ ‬جرت‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬ستكون‭ ‬الشرارة‭ ‬التى‭ ‬تشعل‭ ‬الوضع‭ ‬الداخلى‭ ‬الأمريكى‭ ‬فالقوتان‭ ‬المتنافستان‭ ‬ليس‭ ‬الحزب‭ ‬الجمهورى‭ ‬والديمقراطى‭ ‬بل‭ ‬التيارين‭ ‬الرأسمالى‭ ‬المحافظ‭ ‬والمعولم‭ ‬لن‭ ‬يقبلا‭ ‬نتائج‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات‭ ‬لأن‭ ‬كلا‭ ‬منهما‭ ‬يريد‭ ‬السيطرة‭ ‬الكاملة‭ ‬على‭ ‬مقدرات‭ ‬الدولة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬لكن‭ ‬نتائج‭ ‬الانتخابات‭ ‬خرجت‭ ‬شبه‭ ‬متعادلة‭ ‬دون‭ ‬تدمير‭ ‬لأى‭ ‬من‭ ‬التيارين‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬والأهم‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬شارك‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات‭ ‬تقبل‭ ‬النتائج‭ ‬فى‭ ‬هدوء‭ ‬دون‭ ‬أى‭ ‬اعتراض‭ ‬وسادت‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الهدوء‭ ‬بين‭ ‬كافة‭ ‬أطراف‭ ‬الصراع‭ ‬ووسط‭ ‬هذا‭ ‬الهدوء‭ ‬بدأ‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬الجديد‭ ‬الذى‭ ‬يتوافق‭ ‬عليه‭ ‬الجميع‭ ‬أو‭ ‬حاكم‭ ‬فلوريدا‭ ‬الجمهورى‭ ‬رون‭ ‬دى‭ ‬سانتيس‭. ‬

بالتأكيد‭ ‬التفاصيل‭ ‬الدقيقة‭ ‬لما‭ ‬جرى‭ ‬من‭ ‬اتفاقات‭ ‬بين‭ ‬النخب‭ ‬الأمريكية‭ ‬حتى‭ ‬تصل‭ ‬الحالة‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬فى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لهذا‭ ‬الهدوء‭ ‬ستتكشف‭ ‬بمرور‭ ‬الوقت‭ ‬وستظهر‭ ‬الإجابات‭ ‬على‭ ‬أسئلة‭ ‬من‭ ‬نوعية،‭ ‬أين‭ ‬دارت‭ ‬هذه‭ ‬اللقاءات‭ ‬؟‭ ‬ماحجم‭ ‬الدور‭ ‬الذى‭ ‬لعبه‭ ‬عراب‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬هنرى‭ ‬كسينجر‭ ‬فى‭ ‬حدوث‭ ‬هذا‭ ‬التوافق‭ ‬؟‭ ‬ماهو‭ ‬الثمن‭ ‬الفادح‭ ‬الذى‭ ‬سيدفعه‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬لعدم‭ ‬انسحابه‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬الأمريكية‭ ‬؟ماذا‭ ‬ستفعل‭ ‬نائبة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬كامالا‭ ‬هاريس‭ ‬راعية‭ ‬المعولمين‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬طلب‭ ‬منها‭ ‬الذهاب‭ ‬وراء‭ ‬الظلال‭ ‬بآرائها‭ ‬الغريبة‭ ‬؟‭ ‬من‭ ‬حمل‭ ‬رسائل‭ ‬الطمأنينة‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬حول‭ ‬تحولات‭ ‬السياسات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الجديدة‭ ‬؟‭ ‬كيف‭ ‬أدركت‭ ‬واعترفت‭ ‬هذه‭ ‬النخب‭ ‬بحجم‭ ‬وأهمية‭ ‬الدور‭ ‬والدولة‭ ‬المصرية‭ ‬كنقطة‭ ‬ارتكاز‭ ‬للاستقرار‭ ‬الإقليمى‭ ‬والدولى‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬سخافات‭ ‬المعولمين‭ ‬ودعايتهم‭ ‬المسمومة‭ ‬؟‭ ‬من‭ ‬الشخصية‭ ‬التى‭ ‬أدركت‭ ‬فى‭ ‬واشنطن‭ ‬أن‭ ‬حالة‭ ‬العداء‭ ‬التى‭ ‬يغذيها‭ ‬تيار‭ ‬العولمة‭ ‬باستخدام‭ ‬الفاشية‭ ‬الإخوانية‭  ‬تجاه‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬ستؤدى‭ ‬إلى‭ ‬كارثة‭ ‬شرق‭ ‬أوسطية‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬سيدفع‭ ‬ثمنها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة؟‭ ‬

ستتوالى‭ ‬الإجابات‭ ‬قريبًا‭ ‬ولكن‭ ‬أثر‭ ‬هذا‭ ‬التوافق‭ ‬الأمريكى‭ / ‬الأمريكى‭ ‬تظهر‭ ‬نتائجه‭ ‬بوضوح‭ ‬الآن‭ ‬فى‭ ‬الحركة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولى‭ ‬وأزماته‭ ‬وفى‭ ‬الداخل‭ ‬الأمريكى‭ ‬أيضًا‭  ‬ولكن‭ ‬يجب‭ ‬أولا‭ ‬الذهاب‭ ‬الى‭ ‬مفهوم‭ ‬النخبة‭ ‬الذى‭ ‬حقق‭ ‬هذا‭ ‬التوافق،‭ ‬فعكس‭ ‬مايتصور‭ ‬الكثيرون‭ ‬أن‭ ‬النخبة‭ ‬تعنى‭ ‬الشهرة‭ ‬أوأشخاص‭ ‬تسلط‭ ‬عليهم‭ ‬الأضواء‭ ‬الإعلامية‭ ‬ليل‭ ‬نهار‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬النخب‭ ‬خاصة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التى‭ ‬تمتلك‭ ‬النفوذ‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬القرار‭ ‬الأمريكى‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬نرى‭ ‬أسماءها‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬وسائل‭ ‬إعلامية‭ ‬رغم‭ ‬ماتملكه‭ ‬من‭ ‬نفوذ‭ ‬وثروة‭ ‬أما‭ ‬قوائم‭ ‬الأغنى‭ ‬والأكثر‭ ‬تأثيرًا‭ ‬فهى‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاستهلاك‭ ‬الإعلامى‭.‬

عندما‭ ‬تتحرك‭ ‬النخبة‭ ‬الأمريكية‭ ‬المؤثرة‭ ‬فذلك‭ ‬لأنها‭ ‬استشعرت‭ ‬خطرًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬على‭ ‬الوجود‭ ‬الأمريكى‭ ‬ذاته‭ ‬بسبب‭ ‬سياسات‭ ‬مجنونة‭ ‬من‭ ‬تيار‭ ‬العولمة‭ ‬وحشد‭ ‬التيار‭ ‬اليمينى‭ ‬الأمريكى‭ ‬القومى‭ ‬المتطرف‭ ‬لقواه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التصدى‭ ‬للمعولمين‭ ‬مما‭ ‬يعنى‭ ‬أن‭ ‬الجميع‭ ‬سيستدعى‭ ‬السلاح‭ ‬لتقرير‭ ‬مصير‭ ‬أمريكا‭. ‬

كان‭ ‬هناك‭ ‬حدثان‭ ‬داخليان‭ ‬جعلا‭ ‬هذه‭ ‬النخبة‭ ‬تتحرك‭ ‬أولهما‭ ‬اقتحام‭ ‬مبنى‭ ‬الكونجرس‭ ‬فى‭ ‬6‭ ‬يناير‭ ‬2021‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أنصار‭ ‬ترامب‭ ‬أو‭ ‬اليمين‭ ‬الأمريكى‭ ‬وكانت‭ ‬الكارثة‭ ‬الأكبر‭ ‬اكتشاف‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المقتحمين‭ ‬لهم‭ ‬انتماء‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬للمؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬أما‭ ‬الحدث‭ ‬الثانى‭ ‬فهو‭ ‬التقرير‭ ‬الذى‭ ‬رفعته‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬الأمريكية‭ ‬بكل‭ ‬فروعها‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬قبل‭  ‬إلى‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬والسلطة‭ ‬التشريعية‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬المعلومات‭ ‬التى‭ ‬تمتلكها‭ ‬تشير‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مقبلة‭ ‬على‭ ‬صدام‭ ‬داخلى‭ ‬قد‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬وعقب‭ ‬هذا‭ ‬التقرير‭ ‬خرج‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬فى‭ ‬كلمة‭ ‬للأمة‭ ‬أعلن‭ ‬فيها‭ ‬أن‭ ‬أمريكا‭ ‬تواجه‭ ‬تهديدًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬من‭ ‬داخلها‭ ‬سيؤثر‭ ‬على‭ ‬وجودها‭. ‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬الخارج‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التحرك‭ ‬النخبوى‭ ‬الأمريكى‭ ‬فسنوات‭ ‬ترامب‭ ‬الأربع‭ ‬وعامين‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬المعولمين‭ ‬بإدارة‭ ‬بايدن‭ ‬حولت‭ ‬السياسات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الخارجية‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬ألعاب‭ ‬السيرك‭ ‬السياسى‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬العالم‭ ‬يعرف‭ ‬ماذا‭ ‬تريد‭ ‬أمريكا‭ ‬ومن‭ ‬هو‭ ‬صديقها‭ ‬أو‭ ‬عدوها‭ ‬؟‭ ‬والأكثر‭ ‬خطورة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬الست‭ ‬أدخلت‭ ‬أمريكا‭ ‬فى‭ ‬أزمات‭ ‬دولية‭ ‬تكاد‭ ‬تشعل‭ ‬حربًا‭ ‬عالمية‭ ‬ثالثة‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬منطقة‭ ‬الارتكاز‭ ‬الأمريكى‭ ‬فى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬تنتهى‭ ‬لصالح‭ ‬منافسيها‭ ‬وبسبب‭ ‬العداء‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬المؤثرة‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬القرارات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الخارجية‭ ‬فى‭ ‬سنوات‭ ‬ترامب‭ ‬والمعولمين‭ ‬كانت‭ ‬إما‭ ‬غريبة‭ ‬أو‭ ‬مجنونة‭ ‬وغير‭ ‬مفهومة‭ ‬الأهداف‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمصالح‭ ‬الأمريكية‭ ‬ولأصدقاء‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬أعدائها‭.‬‭ ‬

هناك‭ ‬دائمًا‭ ‬خلاف‭ ‬مع‭ ‬تطبيقات‭ ‬سياسات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الخارجية‭ ‬خاصة‭ ‬فى‭ ‬منطقتنا‭ ‬لكن‭ ‬الكارثة‭ ‬الأكبر‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قوة‭ ‬بحجم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تمتلك‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الإمكانيات‭ ‬بلا‭ ‬سياسات‭ ‬أو‭ ‬تطلق‭ ‬العنان‭ ‬لمجانين‭ ‬السياسة‭ ‬فيتحكمون‭ ‬فى‭ ‬قرارها‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬النخبة‭ ‬الأمريكية‭ ‬استدركت‭ ‬الأمر‭ ‬سريعًا‭ ‬قبل‭ ‬الكارثة‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬توافق‭ ‬هذه‭ ‬النخب‭ ‬حول‭ ‬الرجل‭ ‬القادم‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬فى‭ ‬يناير‭. ‬2025‭ ‬