شريف بكر يكتب: من يحدد ثقافة المستقبل؟

صوره أرشيفيه
صوره أرشيفيه

أثناء حضورى للمؤتمر الدولى للنشر العربى والصناعات الإبداعية فى شهر مايو 2022 والمقام قبل معرض أبو ظبى الدولى للكتاب، كمتحدث عن النشر المصرى والعربي، وبعد الانتهاء من جلستى واستماعى لباقى الجلسات، وفى جلسة بعنوان «هل أصبحت منصات وسائل التواصل الاجتماعى بمثابة سوق جديدة للكتب؟» فوجئت بالسيدة «آنى آرسان»، المديرة الاستراتيجية وخبيرة الرؤى المؤثرة لمنصة «تيك توك» وبما قدمته من أرقام التفاعل حول الكتب على المنصة.


بدأت بمقولة السيدة «شانون دفيتو» مديرة الكتب فى «مكتبات بارنز أند نوبل» الأمريكية «الكلام عن الكتب التى تحبها لن ينتهى أبدًا ولكن فقط سيتغير المكان الذى نتحدث فيه». وبناءً عليه فمنصة تيك توك هى أفضل مكان الآن. ففكرة المنصة أنها تجمع الأشخاص بناءً على تفضيلاتهم.


طلبت من الحضور الدخول على التطبيق والبحث عن كلمة BookTok ومراجعة حجم الحركة (أى كم مرة تم استخدامها فى فيديوهات)؛ الرقم كان .. 54 مليار مرة.. نعم مليار. وأصبح هناك مصطلح جديد وهو البوكتوكر BookToker. وذكرت أن أكبر فيلم حقق مشاهدة فى العالم كان فيلم «تيتانك» وحقق 3.5 مليار مشاهدة! 


وقبل كتابة هذا المقال وللتأكد وجدت أن الرقم قد وصل إلى 61 مليار مشاهدة!! وأعتقد أنك لو بحثت عنها الآن فالرقم سيكون قد زاد.


فماذا يعنى هذا؟ فى وقت نقول فيه إن العالم لا يقرأ وأن العالم العربى لا يهتم بالقراءة والجيل الجديد لا يفعل شيئا غير الألعاب ومنصات التواصل الاجتماعي، نجد أن كلمة «كتب» على منصة تيك توك تحصل على 600 مليون مشاهدة (والآن وصل الرقم إلى 737 مليون مشاهدة).


بالتأكيد هناك سبب. إحصائية على موقع «الاندبندت» البريطانية ذكرت أن مصر تحتل المركز الخامس على العالم فى معدلات القراءة بمعدل 7:30 ساعة أسبوعية، والسعودية فى المرتبة الحادية عشرة بمعدل 6:48 ساعة أسبوعية. وهو عكس ما نسمع عنه ونقرأه فى صحفنا هنا.


هل المشكلة فى طريقة حسابنا؟ هل فيما نعتبره قراءة أو ثقافة؟ هل هو التنميط الذى تعودنا عليه أم النظرة الدونية التى ننظر بها لأنفسنا؟
إذن من هو المحدد الرئيسى لثقافة المستقبل؟ ومن صنعة؟
هل هو القارئ؟
كناشر، كثيرا ما أقابل قراءنا فى معارض الكتب فى مصر وفى جميع أنحاء الوطن العربي، أقابل كل أنواع القراء؛ من يقرأ بشكل منظم، من يقرأ للتفاخر أمام الأصدقاء، من يريد القراءة ولكنه لا يملك الامكانيات المادية لذلك، ومن لا يقرأ، ولكنه يحب التواجد فى أوساط المثقفين، والكثير غيرهم. ولكن الأعداد فى ازدياد، والنهم لكل ما هو جديد ومختلف موجود.


ولكن هل هو النجم أم هو النتيجة أو السبب فى وجوده هو النجم؟
هل هو الناقد؟ 
فى الماضى كان الناقد نجم الوسط الثقافي، لو كتب عن كتاب تقفز مبيعاته بعد المقال إلى أرقام كبيرة ويصبح قادرًا على صنع النجوم بمقاله. ولكنى أتذكر منذ ثلاثة أعوام تحمس ناقد كبير لأحد كتبنا وخصص له عامودين فى صحيفة يومية مصرية عريقة، متحدثًا عن رأيه الإيجابى فى الكتاب ومدى أهميته. ماذا كان انعكاس ذلك على مبيعات الكتاب.. بيعت نسختان فقط من الكتاب!!


هل هو الناقد الحديث؟
فى كثير من الأحيان وأثناء وقوفى فى معرض وعرض كتاب معين على قارئ موضحًا الموضوع وأهميته وفى بعض الأحيان أحكى القصة كاملة لرغبة القارئ، ينظر إلىّ بتركيز ثم يمسك هاتفه ويبحث عن الكتاب على موقع «جود ريدز» GoodReads . وبناء على التقييم على الموقع والمراجعات يقرر إذا كان سيشترى الكتاب أم لا، حتى لو كان مترجمًا فهو يبحث فى المراجعات العالمية ويصبح ذلك مرجعه الأساسى والمصدق.


هل هو المراجع الحديث؟
حدث فى معرض من المعارض أن وجدنا طلبًا كبيرًا على عنوان صدر منذ عامين، وهو أمر غير مألوف. عادة الاهتمام الأساسى فى المعرض بالعناوين الجديدة. وبناء على فضولى الشخصى بدأت فى سؤال المشترين عن السبب فى اختيار هذا العنوان بالذات؟ قال الجميع إنها نصيحة ومراجعة أحد البوكتيوبرز BookTubers.

والتى ذكرت إنها تأثرت بهذا الكتاب بشكل كبير وأحبته، فى بعض الأحيان حتى كان يقال على الكتاب أنه «قمر»! وهو ما لم أفهمه. ولكنه وبشكل قاطع أثر فى مبيعات كتاب قديم نسبيًا أكثر من مقال فى الأهرام. ثم سمعت عن مصطلح بوكستجرام Bookstagram أى من يقوم بمراجعة الكتب على انستجرام.


وقد اقترحت وأدرت أول ندوة عن ظاهرة البوكتيوبرز فى الوطن العربى وذلك فى معرض القاهرة الدولى عام 2018 وكان معى أوائل من قدموا هذا المحتوى على هذه القنوات وكان عدد المتابعين وقتها حوالى 7 آلاف متابع، الآن العدد بلغ 140 ألفًا، وهو مؤشر مهم لحجم الظاهرة.


بعد تفكير فى الوضع الراهن، وفى المستقبل القريب الذى نرى إرهاصاته الآن. بل والمستقبل البعيد. أرى أن المحرك الرئيسى الذى يحرك كل هؤلاء الأطراف حاليًا هو الذكاء الاصطناعي! نعم هو.


فالـAI أو الذكاء الاصطناعى والخوارزميات هم من يقرروا أن يظهر لك مقال الناقد إما عند البحث على الانترنت أو على مواقع التواصل الاجتماعي. هم من يقرروا إذا كان فيديو اليوتيوبر أو بوكستجرام أو البوكتوكر سيظهر لك،بل إنه قادر على فرضه عليك وعلينا حتى يصبح «تريند» ويكتسح المواقع.


ومهما حاول الناشر أو شركات التسويق الإلكترونى فهم أو التنبؤ بكيفية عمل الخوارزميات لإعداد المنشورات والفيديوهات التى تضمن أكبر تفاعل معها، فإن الذكاء الاصطناعى يتغير كل يوم ويتطور بحيث يجد دائمًا الجديد ويدفع الناشرين لدفع النقود فى إعلانات حتى يظهروا فى المكان الصحيح.


فما هو مستقبل الوطن العربى فى ظل كل هذا؟ 
الوطن العربى يملك ٤٣٦ مليون شخص يتحدث العربية وحوالى ٪٦٠ منهم تحت سن الـ ٣٠ مما يعطينا ميزة نسبية كبيرة.
الصورة الدائمة هى أننا متأخرون ٤٠ عامًا وأمامنا الكثير حتى نصل إلى ما هو موجود فى أوروبا أو أمريكا، وهى صورة غير منصفة بالمرة وفيها تقليل من إمكانياتنا وقدراتنا. فالتقدم لا يحدث بنفس الوتيرة ولا يبدأ من الصفر. فنحن ممكن بسهولة أن نبدأ من حيث انتهى الأخرون، بل ونضيف ونوفق الأوضاع ونصل إلى نتائج أفضل كثيرًا.

وخصوصًا فى مجال التكنولوجيا فكثير من حاضنات التكنولوجيا ومبادرات ريادة الأعمال الإلكترونية تبدأ فى الوطن العربى وبإمكانيات بسيطة تصل إلى أقصى مجالات النجاح.


من خلال تعاملى واختلاطى بالكثير من الناشرين على مستوى العالم من «جوادالاهارا» فى المكسيك إلى بكين فى الصين إلى جانب «فرانكفورت» فى ألمانيا بالطبع، والتى تعتبر المركز النشر فى العالم، وجدت أن وضعنا ليس بعيدًا عن العالم، وضعنا أفضل من دول كثيرة.

وهناك الكثير من الفرص، متاحة حولنا كناشرين، ولكنها تحتاج إلى بعض التسهيلات والتعاون والمساعدات (وهذا فى حاجة إلى شرح تفصيلى للمشكلات والحلول) وعندها سيكون الوضع فى الوطن العربى مختلفًا تمامًا، ونكون فى طريقنا مرة أخرى لقيادة العالم.

اقرأ ايضا | عرض النسخة المرممة من «أغنية على الممر» بمهرجان القاهرة السينمائي