10 سنوات من الوطنية

البابا تواضروس.. محطات أساسية على طريق دعم الوحدة والتصدي لـ«طيور الظلام»

الرئيس عبدالفتاح السيسي والبابا تواضروس أثناء افتتاح كاتدرائية العاصمة الإدارية
الرئيس عبدالفتاح السيسي والبابا تواضروس أثناء افتتاح كاتدرائية العاصمة الإدارية

في ظروف استثنائية تولى قيادة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، في وقت كان الوطن يمر فيه بواحدة من أصعب أزماته، ففى عام حكم الإخوان وقع الاختيار على قداسة البابا تواضروس، ليصبح بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، ليبدأ أولى مهامه، التى اختار فيها أن ينحاز إلى الوطن وليس للسلطة.

رفع شعار: «لو حرقوا الكنائس سنصلى فى المساجد.. ولو حرقوا المساجد سنصلى سويًا فى الشوارع»

لجأت «الجماعة الارهابية» إلى حرق الكنائس كمحاولة للتصعيد وإشعال فتنة طائفية بين أبناء المجتمع الواحد، ولأنه يدرك خبث هذا الهدف فقد أطلق مقولته الشهيرة: «لو حرقوا الكنائس سنصلى فى المساجد، ولو حرقوا المساجد سنصلى سوياً فى الشوارع».

3650 يوماً، أى 10 سنوات كاملة مرت منذ جلوس البابا تواضروس على الكرسى البابوى، وفقاً لمعايير الزمن قد تبدو المدة قصيرة، لكن قياساً بما حدث، فإنها تبدو وكأنها عشرات السنين، فلم يكن هدفه فقط هو خدمة الأقباط بل امتد تركيزه إلى خدمة الوطن كله وبث السلام، ولهذا رفع شعار«وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن»، منذ توليه المهمة وهو يُدرك حجم المسئولية، ويعرف جيداً قيمة الوحدة الوطنية التى كانت مبتغاه فى كل حدث، وفى كل مناسبة، كلماته دومًا تدعو للسلام والمحبة، واحترام الأوطان.. يعد اليوم الميلاد العاشر للبابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.. وتفتح «الأخبار» صفحات من التحديات والنجاحات ورسائل السلام والمودة التى زرعها البابا فى الوطن منذ ليلته الأولى فى مهمة قد تكون هى الأصعب وسط سنوات عصيبة عاشتها البلاد وتعامل معها بحكمة بالغة.

المحطة الأولى
4 نوفمبر.. هو تاريخ يعنى الكثير للبابا تواضروس الثانى على المستويين الشخصى والعام، فقد شهد هذا اليوم قبل سنوات طويلة خطبة والديه ثم جاء مولده فى نفس اليوم بعد أعوام ليمنح التاريخ مذاقًا آخر، والغريب أنه حدث فى نفس اليوم اختياره ليصبح بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، لكن التاريخ الأخير تحديداً حدث فى فترة بالغة الحساسية من عمر الوطن كان يُدرك ذلك تمامًا وهو ما اتضح بعدها بأيام عقب الاحتفال بتجليسه، حيث وجد نفسه فى مواجهة أمام المعزول محمد مرسى، مصطحبًا وفدًا من الكنيسة، فى زيارة رسمية بقصر الاتحادية، متذكرًا بعض المواقف التى مر بها خلال هذا اللقاء، فيقول فى كتابه «البابا تواضروس الثانى.. سنوات من المحبة لله والوطن»، للاعلامية شيرين عبدالخالق قلت للمعزول: «أشكرك على توقيع قرارى»، فرد قائلاً: «لا شكر على واجب، أنت اختيار ربانى»، فضحكت فى سرى، وكدت أقول له: «وأنت اختيار إخوانى»، وبعد أيام من تلك الزيارة ذهبت إلى لقائه مرة أخرى لتقديم واجب العزاء فى وفاة شقيقته، ولم أخرج من هذه الجلسة بانطباعات محددة أكثر من إحساس أنه مجرد صورة، ومنها إلى زيارة رسمية من السفير محمد رفاعة الطهطاوى، رئيس ديوان رئيس الجمهورية آنذاك، وقد طلب منى طلباً غريباً جداً، وهو أن أذهب إلى المعزول لالتقاط بعض الصور تنشر بالجرائد بهدف تصدير صورة بأن الأمور تسير بشكل جيد مع الكنيسة، فأجبت: «هل يصح أن يكون بابا الكنيسة ديكوراً؟ طبعًا لست موافقًا».

فى حين طلب مسئولون بالسفارة الأمريكية زيارة الكنسية للتدخل فى الشأن الداخلى لمصر، إلا أن البابا رفض أى زيارة من هذا النوع فى هذا التوقيت، فالأوضاع كانت متوترة للغاية، لشعوره بالرغبة الواضحة لاستغلال الأقباط فى الأحداث، وهنا جاء رد البابا كالصاعقة عليهم قائلاً: «الكنيسة المصرية كنيسة وطنية لا تنغمس أبداً فى السياسة».

واجه «الجماعة الإرهابية» وشارك فى بيان 3 يوليو

المحطة الثانية
كانت فى ٣ يوليو ٢٠١٣، وعلى الرغم من قسوة هذا العام بأحداثه المؤسفة إلا أن البابا تواضروس كتب اسمه فى التاريخ بأحرف من نور، بعد أن فوجئ بمكالمة فى الثانية ظهرًا من القيادة العامة للقوات المسلحة، تطلب منه الحضور إلى اجتماع بعد ساعة بالقاهرة، فاعتذر عن الموعد وأخبرهـم بأنه فى كينج مريوط، وبعد دقائق قليلة أعادوا الاتصـال وأخبروه بتجهيز طائرة هليكوبتر فى مطار برج العرب، وبالفعل استقل البابا الطائرة وهبطت فى مطار ألماظة، ثم جاء الفريق أول عبد الفتاح السيسى، وزير الدفاع، والفريق صدقى صبحى، وبعض القادة العسكريين، وبدأ يتحدث عـن معطيات ما يدور فى البلاد، والوضع الراهن، وسأل كلًا منا عن وجهة نظره، وكان هـذا الاجتماع بداية الأمل والتأكيد على موقف القوات المسلحة والداخلية، وانحيازهما الكامل للشعب، وبعد تصوير البيان، وألقاه وزير الدفاع بالزى العسكرى، الجميع كان فرحًا فى الشوارع وعمت البهجة أرجاء الوطن، وكانت لحظـات فارقة لا تنسى.

المحطة الثالثة
دقت الأجراس فى جميع الكنائس لإظهار وحدة وتماسك المصريين، والإعلان بتفويض الجيش لمواجهة العنف فى الشوارع والميادين، إلى أن جاء ١٤ أغسطس، بقرار فض اعتصامى «النهضة ورابعة العدوية»، وكان هذا التوقيت شاهدًا على تلك الاعتداءات العنيفة مع وجود البابا تواضروس فى دير مارمينا، ليخرج للرأى العام بقوة وثبات معلنًا «أنهم لو حرقوا الكنائس سنصلى فى المساجد، ولو حرقوا المساجد سنصلى سوياً فى الشوارع»، وبعد هذه الأحداث بأيام زار البابا وفد أمريكى، وتحدث معهم بابتسامة وقال البابا : «وزعنا عليهم الحلوى، رغم الألم الذى يعتصر قلوبنا، والنار تلتهم كنائسنا فى كل محافظات مصر، مستشهداً بموقف تعرض له قبل أعوام قائلاً: «لدى ثقة ويقين وإيمان بأن هؤلاء ليسوا المسلمين إخوتنا.

وفى هذا الوقت دفع المصريون الثمن غاليًا بدمائهم، فلم تمض سـوى أيام قليلة إلا ووقعت اشتباكات مسجد الفتح، وسقوط جرحى وقتلى، ثم هجوم رفح فى التاسع عشر من أغسطس، والذى استهدف 25 جندياً أثناء عودتهم إلى القاهرة، ليعودوا إلى أسرهم فى نعوش، وهذا اليوم كان مأسوياً وبه كل معانى الخسة والنذالة، فأى اعتداء على الجنـود هو اعتداء على كرامة الجيش المصرى، واعتداء على جموع الشعب المصرى، ولكن لم تنته أوجاع الوطن ومخاوف الكنيسة، فخرجت قيادات إخوانية بتصريحات عن أن كل ما يحدث فى سيناء سيتوقف فور عودة مرسى.

المحطة الرابعة
 كان هناك دائماً تفاؤل فنحن أصحاب الوطن، جذورنا تمتد للتاريخ، والمستقبل المشرق يتجدد أمامنا، وبالفعل كانت هناك بارقة أمل انطلقت من بشائر الخير التى دقت أبواب المصريين فى منتصف شهر يناير، حيث توجه المصريون إلى صناديق الاقتراع للاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، بعد أن انتهت لجنة الخمسين من إعداد المسودة النهائية له، ليكتب البابا مقالاً فى الصحف تحت عنوان: «قول نعم يزيد النعم»، فى وقت بالغ الصعوبة، كانت مصر حينها تتعرض إلى جميع أشكال التطرف والعنف تحت ستار الدين، وخلال هذه الفترة واجه البابا المعارضة بسبب قول «نعم للدستور» وليس من أبناء الأقباط فقط بل من هجوم اللجان الإخوانية، ولكن رأى البابا أن نجاح هذه الخطوة هو الانطلاقة لبناء مصر الحديثة لقول نعم للدستور الجديد.

المحطة الخامسة
عقب تفجير البطرسية، وتحديدًا فى مارس من عام ٢٠١٧، استقبل البابا تواضروس، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بمقر الكاتدرائية، وأكد لها أن أوضاع المسيحيين المصريين تحسنت مع ثورة 30 يونيو 2013، والتى قام بها الشعب المصرى، مسلمين ومسيحيين، وحماها الجيش المصرى، وهناك خطوات جدة لتحقيق ذلك منها إقرار أول قانون لبناء الكنائس فى مصر وزيارات الرئيس للكاتدرائية فى الأعياد، ولم يكتف بذلك، فالبابا كان دائمًا ما يوجّه رسائل طمأنينة حول أحوال المسيحيين فى مصر خلال لقاءاته الخارجية، حيث أكد قداسته، خلال لقائه بوفد من الكونجرس الأمريكى عقب ثورة 30 يونيو، أن أوضاع المسيحيين المصريين تحسنت، وأن للحرية ثمنًا غاليًا وأن حرق الكنائس جزء من هذا الثمن نقدمه لبلادنا بصبر وحب، وإننا جميعًا كمصريين مسلمين ومسيحيين نعمل على بناء مصر الحديثة، وتكرر الأمر فى زيارته لروسيا، حينما استقبله نائب وزير الخارجية الروسى، وسأله عن مصر، فقال له: «إن مصر هى عمود الخيمة».

اقرأ أيضًَا

البابا تواضروس يترأس صلاة جنازة رؤوف غبور بالكاتدرائية | فيديو

المحطة السادسة
على الرغم من الأزمات العديدة التى مر بها وطننا الغالى إلا أن البابا تواضروس الثانى، دائمًا ما يردد عباراته الشهيرة أيضًا بأن الوحدة الوطنية من أغلى الأمور التى يجب أن نحافظ عليها، مررداً: «الوحدة الوطنية أغلى شىء لدى المصريين»، وهو ما أكده أيضًا البابا تواضروس بعد أن كشف عن معدنه الأصيل من خلال حبه واعتزازه بوطنه، حتى فى تصريحاته الإعلامية دائمًا ما يشير إلى أنه يجب على المصريين المحافظة على الوحدة الوطنية وهى لا تتطلب أكثر من احترام الآخر والمواطنة، ومع ارتفاع أعمال التخريب بالكنائس، أعلن البابا تواضروس، وقوفه بجانب الدولة ومؤسساتها فى محاربة الإرهاب، وإيمانه بالدور الكبير الذى تقدمه الدولة للعبور من تلك الأزمات.

المحطة السابعة
 كان للبابا تواضروس، أيضًا دور بارز فى الحفاظ على مشاعر الملايين من الشعوب العربية تجاه قرار إعلان القدس عاصمة إسرائيل، والذى أتخذه الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، وقد أمر بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، فى ديسمبر 2017، لتصدر الكنيسة بيانًا لرفضها هذا القرار، معربة عن تضامنها الكامل مع الأشقاء العرب ووقتها خرج البابا، ليعبر عن قلقه البالغ بشأن هذا القرار للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، الأمر الذى يتعارض مع جميع المواثيق الدولية بشأن القدس، وطالب البابا حينها «ترامب» بضرورة الحفاظ على الوضع القانونى للقدس فى إطار المرجعيات الدولية والقرارات الأممية فى هذا الشأن.