كنوز| «إيفون ماضي» تكشف أسرار طفولتها للشاعر صالح جودت !

إيفون ماضى
إيفون ماضى

روت لي هذه الشابة الحلوة في يوم من الأيام قصة حياتها، ولعل أعجب ما في هذه القصة أنها كانت في طفولتها «ملكة للدمامة» ثم شبت عن الطوق فإذا هي في شبابها الأول ملكة للجمال!

قالت لي إيفون: «كنت في طفولتي دميمة الوجه حولاء العينين وحدث ذات مرة أن كنا في رأس البر وأقيمت هناك مباراة للجمال بين الأطفال ولما كان «القرد في عين أمه غزال» فقد حشرتني أمي في زمرة المتباريات من الأطفال، فلم يجئ ترتيبي الأخيرة، بل بعد الأخيرة، وكان الرقم المعلق على صدري في هذه المباراة هو «5» وقد يدهشك أن تعرف أن هذا الرقم هو نفسه الذى حملته أيضاً يوم أن اختاروني ملكة للجمال»!

واستطردت إيفون تقول: «وحينما انتقلنا من بنى سويف إلى القاهرة والتحقت بمدرسة «الساكركير» وأنا طفلة في الثامنة لاحظت أن زميلاتي في المدرسة كن يتجنبنني ولا يصادقنني لشدة دمامتي والحول الذى في عيني، ولم يكن يعوضني عما أقاسيه من هذا الوضع إلا حنان أمي، وهكذا نشأت بغير صديقات إلا أمي، ومرت الأيام وعناية الله تتولى عملية «رتوش» لوجهي وتحسين حالة عيني، عاماً بعد عام، حتى جاء اليوم الذى قيل لي فيه إنني جميلة.. بل ملكة للجمال»!

هذا جانب من قصة حياة هذه الشابة الحلوة يزيح الستار عن حقائق هذه النفسية الطيبة المظلومة، لقد نشأت بغير صديقات في حضن أم ذكية عاطفية حنون واسعة التجارب، فلما بلغت مبلغ الشباب، لم تجد حولها إلا أصدقاء أمها من رجال ونساء، فسمعت تجارب النساء، وروتها لأمها النجمة «زوزو ماضي» التي زادتها على ما سمعت وأحاطتها بما لا تعرف وقالت لها: «يا ابنتي ها أنت قد عرفت كل شيء، وأمامك الطريقان ولكل طريق نهايته المحتومة فتخيري لنفسك ما تشائين».

فكرت إيفون وتخيرت طريق العقل والعاطفة، شبت وعقلها أكبر من عمرها وفكرها أعمق من عواطفها، وتلفتت حولها إلى الرجال، فوجدت شباباً وشيباً أما الشباب فلم يجتذبها شبابهم بقدر ما صدمتها أفكارهم، وأما الشيب فقد أخذت منهم الحكمة والروية والواقعية، وهكذا كبرت لا تستسلم لعاطفة وكم شهدتها بين المعجبين تكاد تلتهمها العيون والقلوب، والشابة الحلوة جامدة فى مكانها حتى خيل لى أنها تمثال للقسوة والحقيقة أن القدر وضع لها عقلاً ثانياً مكان القلب فعاشت بعقلين وبغير قلب! ثم أرادت أن تشق طريقها في الحياة، كما شقته أمها من قبل، فطرقت باب السينما ولكن المخرج الذى وقعت فى يده للمرة الأولى لم يفطن إلى الحقائق الجسيمة التي في حياتها، هذه الحقائق التي شرحتها في هذه المرآة فرسم لها دورها العاطفي في فيلم «بيومي أفندي» ولم يكن الدور دورها، بل كان جناية عليها كممثلة وان لم يكن جناية عليها كإنسانة في الحياة.

خرجت إيفون من هذا الفيلم كارهة للسينما زاهدة فيها، وراحت تلتمس طريقاً آخر في الحياة.. فاختارت صناعة الأزياء وبرعت في ميدانها الجديد، وأخرجت من القطن المصري أبدع أثواب الصباح والمساء والسهرة وعرضت منتجاتها في كوبنهاجن، ولكن الحنين إلى الفن ظل يراودها بين الحين والحين غير أنها من النوع الذى لا يقع في الخطأ مرتين وقد رأيتها ترفض أدواراً أولى في أكثر من فيلم لسبب واحد، هو أنها وجدت أن هذه الأدوار لا تصلح لها، وكانت تقول للمنتجين في كل مرة «إني أفضل دوراً ثانياً يصلح لي في أي فيلم على دور أول لا يصلح لي»، وهذا كلام يندر أن يقوله أحد ممن يعيشون في جو السينما في مصر، وإذا سألت إيفون وما هو الدور الذى يصلح لك؟ تقول: «الدور العلمي في الأفلام النفسانية».

هذا بغير شك وليد العقد الراسية في نفسها عقدة الحرمان من عطف الوالد، والحرمان من الصديقات والحرمان من الحب، وحياتها في العشرين بعقلية الأربعين، ولا شك أن إيفون تستطيع أن تنجح فى الدور الذى تتحدث عنه في الفيلم الذى يعالج هذه العقد أو بعضها.. ولكن.. أين مؤلف هذا الفيلم، وأين مخرجه في مصر؟

قلت إن إيفون نشأت في حضن أمها زوزو ماضي، واستمعت إليها واختارت ما اختار عقلها من الطريقين ولهذا تجدها نقيضة لأمها الممثلة القديرة زوز ماضي، أمها تحدثك في الأدب والشعر، وإيفون تحدثك في أسعار القطن والضرائب الجمركية. 
وأنا رغم دراستي الاقتصادية أوثر الفن.

صالح جودت « الكواكب » 3 مارس 1953

اقرأ أيضاً | «إيفون ماضي».. الأسطى حسن فتح لها الطريق للعالمية