50 عاماً على العلاقات العُمانية المصرية تواكباً مع أجواء العيد الوطني الـ 52 للنهضة

السلطان هيثم بن طارق والرئيس السيسي
السلطان هيثم بن طارق والرئيس السيسي

عُمان ومصر... علاقات تتميز بالمتانة والاستقرار والانسجام والتناغم في الرؤى والسياسات

تحتفل سلطنة عُمان ومصر خلال نوفمبر الجاري، بمرور 50  عاماً من علاقات التعاون والإخاء بين البلدين الشقيقين، والبناء على علاقات الود والأخوة التي تربط السلطان هيثم بن طارق بالرئيس عبد الفتاح السيسي، في الوقت الذي تحتفل فيه سلطنة عُمان في الثامن عشر من نوفمبر الحالي بالعيد الوطني الـ 52 للنهضة، وبداية عاماً جديداً من الخطط والاستراتيجيات الممكنة لتنفيذ رؤية عُمان 2040، وعاماً جديداً يضاف للمسيرة المتميزة والراسخة للعلاقات العُمانية المصرية.


ويسجل مؤشر العلاقات بين السلطنة ومصر، تقدما مطردا نتيجة العديد من المستجدات الإيجابية في ظل استمرار الاتصالات المستمرة بين مسقط والقاهرة، بفضل الانسجام والتناغم في الرؤى والسياسات المشتركة للبلدين، حيث يسعى البلدان دائما إلي حل كل الخلافات بالحوار والتفاوض‮، والدعوة إلي إحلال السلام والاستقرار إقليميا ودولياً، إذ تمثل العلاقات العمانية المصرية محور ارتكاز أساسي في المنطقة العربية يستمد قوته من البعد التاريخي وعمق العلاقات الثنائية بين البلدين وتشعبها على مختلف الأصعدة. 

علاقات تاريخية راسخة ومواقف مشرفة

مرت العلاقات بين السلطنة ومصر بعدة مراحل تاريخية، إذ ترجع العلاقات إلى ما قبل 3500 سنة، حين كانت الملكة حتشبسوت ملكة مصر، ترسل أساطيلها التجارية إلى ظفار العمانية لتحمل بلبانها الفاخر الذي استخدم في تعطير المعابد الفرعونية، وحينما فتح عمرو بن العاص مصر، جاء عدد من القبائل العُمانية في ذلك الوقت، وأكدت المؤشرات التاريخية على بقاء أفراد من عُمان وشكلوا فيما بعد بعض القبائل.
واعلن السيد سلطان بن أحمد (1792-1804) استياءه من الحملة الفرنسية على مصر عام 1798، وأوقف المفاوضات الفرنسية العمانية التي تمهد لعقد معاهدة بين الدولتين، واعلن احتجاجه الرسمي على اعتداء فرنسا على دولة عربية مسلمة .

وفي 13 يناير1944 قام السلطان سعيد بن تيمور بزيارة مصر للمرة الأولى، والتقى بالملك فاروق، وعدد من الشخصيات المصرية في حكومة دولة مصطفى النحّاس رئيس الوزراء. وبحث امكانية دراسة ابنه قابوس في مصر، ومن أجل توطيد علاقات أكثر قوة ومتانة. وفي 17 أبريل وصل السلطان سعيد بن تيمور إلى القدس عن طريق القطار قادمًا من القاهرة.

أعلنت عُمان تأييدها لمصر خلال العدوان الثلاثى عام 1956، وانفجرت مشاعر الغضب فى كل أنحاء عمان، وعبر المئات من العُمانيين عن استعدادهم للمشاركة فى نضال مصر الوطنى ضد المعتدين.

ومن المواقف المشرفة للسلطان قابوس ـ طيب الله ثره ـ حينما أطلق مبادرة تاريخية وأصدر مرسومًا أثناء حرب أكتوبر 1973 بالتبرع بربع رواتب الموظفين العُمانيين لدعم مصر مع إرسال بعثتين طبيتين عُمانيتين لمصر.
 
وفي عام 1977 رفضت سلطنة عُمان قطع علاقتها مع مصر بسبب توقعيها اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، وقال السطان قابوس رحمه الله حينها: "أن مصر لا تقاطع ولا تعزل ولا تموت بسبب موقفها".  

زيارتان لتوثيق الصلات والوشائج الأخوية 

ساهمت الزيارة الأولى للرئيس عبدالفتاح السيسي إلى سلطنة عُمان في فبراير 2018م، في تعزيز العلاقات الوطيدة التي تربط البلدين الشقيقين والتعاون المُثمر بينهما، وأثمرت الجهود المبذولة من قِبل اللجنة العُمانية المصرية المشتركة خلال الفترة الماضية، التوقيع على عددٍ من مذكرات التفاهم وبرامج التعاون الثُنائية في كافة المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية التي من شأنها فتح آفاق نوعية جديدة للتعاون بين البلدين الشقيقين.

وتستمر مسيرة العلاقات العُمانية المصرية في توهجها في ظل النهضة المتجددة، وذلك بفضل الرعاية السامية من لدن السلطان هيثم بن طارق والرئيس عبد الفتاح السيسي، وجاءت الزيارة الثانية للرئيس السيسي إلى سلطنة عُمان يومي 27 و28 يونيو 2022، انطلاقًا من حرص قيادتي البلدين على كلّ ما من شأنه تعزيز العلاقات وتطويرها نحو آفاق أرحب.



حرص القيادتين على رفع وتيرة التعاون

وجاء تأكيد السلطان هيثم بن طارق والرئيس عبدالفتاح السيسي عزمهما رفع وتيرة التعاون الاقتصادي مترجماً حرص البلدين وسعيهما الحثيث لتثمير علاقاتهما التاريخية الراسخة لما فيه صالح أجيالهما الحاضرة والمستقبلية.

كما أن التوجيه بدراسة إنشاء صندوق استثماري مشترك وبحث فرص الاستثمار بين البلدين في مختلف المجالات، من شأنه توثيق الصلات والوشائج الأخوية بين الشعبين، والإسهام في بناء الشراكات الاستراتيجية وتعزيز مشروعات التكامل الاقتصادي، وفتح آفاق رحبة لتطوير مختلف القطاعات الإنتاجية الواعدة في البلدين وتوفير المزيد من فرص العمل.

ولعل الدور الذي يقوم به مجلس الأعمال العُماني المصري، واللجنة العُمانية المصرية المشتركة، يعملان على تعزيز العلاقات الاقتصادية ورفع معدلات التبادل التجاري والاستثماري بين البلدين الشقيقين.  كما لا يخفى الدور العظيم الذي تقوم به الغرف التجارية والصناعية في البلدين، والتي تعمل جاهدة للاستفادة من الفرص المُتاحة في البلدين من خلال تسيير الوفود التجارية لرجال الأعمال للتعرُّف عن قُرب على الفرص المُتاحة والتسهيلات المُقدَّمة. 
حيث تجاوز حجم التبادل التجاري بين سلطنة عُمان ومصر أكثر من 293 مليون دولار أمريكي بنهاية يونيو 2021م، مقارنة بـ252 مليون دولار أمريكي في عام 2020م، وبلغ مجموع الشركات المصرية المستثمرة في السلطنة في عام 2020م نحو 744 شركة بإجمالي رأس مال مستثمر يبلغ أكثر من مليار و856 مليون دولار أمريكي.

كانت التوصيات الأخيرة لمجلس الأعمال العُماني المصري، أكدت على ضرورة تأسيس شركة أو صندوق أو بنك بين الجانبين بما قيمته 100 مليون دولار أمريكي لتنمية التبادل الاستثماري واستكمال الجوانب القانونية للاتفاقيات الموقعة بين البلدين لتسهيل التبادل التجاري وضمان حقوق الاستثمار وتفعيل اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي.

التحضير للاحتفال بمرور 50 عاماً على العلاقات العُمانية المصرية 
ولعل لقاء السفير عبد الله بن ناصر الرحبي، سفير السلطنة لدى القاهرة ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية، مع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء في الثالث من نوفمبر، للتحضير للاحتفال بمرور 50 عاما على العلاقات العُمانية المصرية، وبما ستتضمنه من فعاليات اقتصادية وتجارية وثقافية، يؤكد أن الفترة القادمة ستشهد العمل على التوظيف الأمثل للفرص والإمكانيات المتاحة بين البلدين، بما لديهما من إمكانيات اقتصادية وبشرية كبيرة يمثلان رافعة قوية لفتح الآفاق الواسعة بين البلدين.

وثمة وفود عُمانية متعددة زارت مصر خلال العامين الماضيين للإطلاع على التجربة المصرية في مجال إقامة المدن الحديثة وفي المجال السياحي، فهناك زيارة لوزير الإسكان وأخرى لوزير السياحة، فيما يتعلق بالجانب الصناعي واللوجستي والصناعات الغذائية.



الرحبي يدعو رجال الأعمال والمستثمرين 
وقد شهدت الفترة الماضية حراكاً مهماً تمثل في زيارات بين البلدين من جانب رجال أعمال عُمانيين ورجال أعمال مصريين، وبالفعل بدأت بعض الأنشطة تمارس أعمالها في كلا البلدين، إلا أن العلاقات المتميزة بين البلدين على المستوى السياسي والصعيد الدبلوماسي، لم تترجم على أرض الواقع في المجالات الاقتصادية، ولم تكن بالمستوى الذي تستحقه هذه العلاقة، ولذلك دعا السفير عبد الله الرحبي جميع المستمرين ورجال الأعمال العمانيين والمصريين لتعظيم الاستثمارات بين البلدين الشقيقين.

وقال الرحبي:"نحن نشجع رجال الأعمال والمستثمرين في البلدين لإقامة الاستثمارات والاطلاع على التجارب الحديثة فيهما، لما لعُمان ومصر من مميزات وفرص يمكن اغتنامها، ووفقاً للتوجيه الذي كٌلف به السفراء رؤساء البعثات الدبلوماسية في الخارج ووفق الدبلوماسية الاقتصادية"،  الامر الذي تمخض عنه توقيع اتفاقات ومذكرات تعاون وتنسيق بين رجال الأعمال في البلدين.