200 ألف سيدة يعملن في الدعارة..

قانون جديد في أسبانيا يمنع «تجارة الجنس».. ومنظمات تصفها بعبودية القرن الـ 21

صورة موضوعية
صورة موضوعية

كتبت: مي السيد

لم يكن فوز حزب العمال الإشتراكى بأغلبية المقاعد النيابية فى اسبانيا ومن ثم تشكيل حكومة برئاسة قائده بيدرو سانشيز، خبرا مفرحا للجميع من أطياف الشعب الأسباني، فكانت هناك فئة ليست بالقليلة تعلم أن نهايتها باتت قريبة، بسبب موقف الحزب من قضيتهم، ومحاولته المستميتة على مدار السنوات الماضية للتخلص منهم.
بالفعل ما كان يخاف منه ويخشاه تجار الجنس وبيوت الدعارة الشبه مقننة فى اسبانيا قد حدث بالفعل، ففى أول خطاب لرئيس حزب العمال الإشتراكى بيدرو سانشيز بعد تشكيله للحكومة، تعهد بإلغاء الدعارة فى البلاد، والتى وصفها بأنها تستعبد النساء، وواحدة من أقسى الجوانب لتأنيث الفقر وأحد أسوأ أشكال العنف ضد المرأة.

وتشير التقديرات إلى أن تجارة الجنس فى إسبانيا تبلغ عائداتها 27 مليار دولار سنويا، والتى ازدهرت منذ إلغاء تجريمها فى 1995، حيث يشير تقرير للأمم المتحدة بأن إسبانيا تضم ثالث أكبر عاصمة للبغاء فى العالم، بعد تايلاند وبورتوريكو، ولكن على الرغم من وجود معارضين لتلك المواقف، إلا أن هناك من الشعب الأسباني من يؤيدون تلك التحركات من الحزب من ناحية أخلاقية بحتة.

ويسعى الحزب الحاكم منذ ذلك الوقت لمحاولة التخلص من الدعارة وتجارة الجنس فى البلاد، ومن أجل ذلك قررت الحكومة الإسبانية ذات الأغلبية الإشتراكية المضى قدما فى مشروع قانون يفرض عقوبات أكثر صرامة على منظمى تلك التجارة سعيا لإنهاء الدعارة بشكل فعال، ذلك على الرغم من الإنقسامات العميقة حول النص داخل الحزب وشريكه فى الإئتلاف بوديموس، وتقول الشرطة إن السلطات تمكنت من إنقاذ 491 سيدة من ضحايا الإتجار بالبشر والإستغلال الجنسى فى إسبانيا خلال عام 2021.

مظاهرات احتجاجية
فور إعلان الحزب الحاكم عن نيته إلغاء الدعارة، عبر قانون تم الموافقة عليه مبدئياً، اشتعلت شوارع إسبانيا خاصة العاصمة مدريد بمظاهرات مؤيدة وأخرى معارضة للفكرة، حيث تظاهر أصحاب بيوت الدعارة وبائعات الهوى أمام البرلمان الإسبانى، احتجاجا على مشروع القانون، الذى من شأنه معاقبة عملاء الدعارة وأصحاب نوادى الجنس أو القوادين بأحكام تصل إلى السجن 4 أعوام.

ووضع المتظاهرون أقنعة على وجوههم واستخدموا مظلات حمراء براقة لإخفاء هوياتهم، كان على رأسهم سوزانا باستور، زعيمة مناهضة الإلغاء، والتى طالبت الحزب الإشتراكى بسحب مشروع القانون، والتى وصفته بأنهم سيجعلونهم تحت رحمة رجال المافيا، بينما قالت الأمين العام لإتحاد المشتغلين بالجنس "أوتراس" إنهم لا يهتمون بحقوق العاملات بالجنس على الإطلاق، مطالبة بعقود قانونية لبائعات الهوى والتى قدرت أعدادهم بنحو مائتى ألف سيدة فى أسبانيا، ونفت فى تصريحاتها لوسائل الإعلام ما تقوله الحكومة بأن 90 % من العاملات فى المجال يمارسنه إجباراً، بينما هددت بتسمية السياسيين من زبائنها وفضحهم فى محاولة لإسقاط القواعد الجديدة.

وقالت راكيل (41 عاما) وهى عاملة فى الجنس تنتمى إلى حملة لمحاربة مشروع القانون؛ إنه إذا تم إقراره فسوف يؤدى إلى العمل فى الجنس فى الخفاء، مما يزيد من مخاطر الإصابة بفيروس نقص المناعة والعنف بسبب الظروف غير الآمنة مثل العمل فى الشوارع، وحمل البعض فى المظاهرات الأخيرة لافتات كتب عليها " العمل فى الجنس هو عمل".

اقرأ أيضًا

«الأميرة إسماعيل»| من فتاة ليل بالقاهرة إلى مناضلة بتركيا.. «وكله بتمنه»| فيديو وصور

على الجهة المقابلة شارك الآلاف من الأشخاص فى مظاهرة نظمتها 175 جماعة شارك فيها نحو 7 آلاف شخص، تدعو إلى حظر الدعارة فى إسبانيا، لحماية النساء من هذا الأمر، وسار المتظاهرون، ومعظمهم من النساء، فى شارع شهير للتسوق فى مدريد، وحمل العديد منهم لافتات، مكتوب على بعضها: "نحن النساء لسنا سلعا" و"الدعارة ليست مهنة"، وهتف الكثيرون "أوقفوا الإستغلال الجنسى".

وطالب الناشطون بإتخاذ مزيد من الخطوات أكثر من مشروع القانون، وقالت لورا ريفاس، المتحدثة بإسم الحركة النسوية فى مدريد إن إجراءات الحكومة هي مهمة تصحيحية لا تحل المشكلة الأساسية، والمطلوب هو استجابة شاملة تؤدى إلى إلغاء الدعارة، التى تعتبرها عبودية فى القرن الـ 21.

تفاصيل القانون
وطبقاً لوسائل الإعلام التى نشرت مسودة مشروع القانون، فأن مشروع القانون الذى صاغه الحزب الإشتراكي، وتم الموافقة عليه مبدئيا سيجعل العمل فى الجنس جريمة، ويشمل العمل بالجنس عبر الإنترنت، مثل مكالمات الفيديو وإنتاج الصور ومقاطع الفيديو الإباحية، ضمن نطاق التشريع المقترح، بينما يحظر قانون آخر الإعلانات عن الدعارة.

ويعامل مشروع القانون الذى لا يزال بحاجة إلى موافقة مجلس الشيوخ، العاملات بالجنس كضحايا وليس كمجرمات مثلما يحدث فى ظل حظر الدعارة، وكان من المقرر إجراء تصويت برلمانى على المقترحات فى وقت مبكر من الشهر الماضى، لكن بعض المشرعين وافقوا على إجراء محادثات مع العاملات لمحاولة إدخال رأيهم فى القانون وإمكانية إجراء تعديلات عليه.

من جانبها قالت المشرعة أندريا فرنانديز المؤلفة المشاركة لمشروع القانون والتى تعتقد أن جميع الأعمال الجنسية تنبع من الإستغلال الذى يجب أن يعاقب عليه القانون؛ إن التغييرات لن تعاقب العاملين فى مجال الجنس بأى شكل من الأشكال، لافتة أنه فى كل مكان ينتشر فيه التقنين العلنى وبيوت الدعارة المفتوحة نلاحظ وجود حركات احتجاج اجتماعية غاضبة، إما بسبب ما يرتبط فى الأذهان من علاقة بين الدعارة المنظمة والإستغلال، وإما لإرتباط هذه المناطق الفعلى بأنشطة مثل بيع المخدرات وغيرها من الجرائم، ما يجعلها شديدة الخطورة على القاطنين ويستدعى أن تكثف الشرطة وجودها فيها.

ووصفت المشرعة أن أغلبية العاملين فى هذا المجال من المهاجرين الذين يعيشون بلا أوراق والذين يكونون لقمة سائغة للمستغلين من رجال الأعمال الكبيرة والصغيرة الذين ينظرون إليهم كأيدٍ عاملة رخيصة وقابلة للعمل تحت أى شروط، كما تشمل أيضا وافدين آخرين من دول الشرق الأوروبى الفقير والذين تكفل لهم الحدود المفتوحة حرية الدخول إلى الدول الأكثر ثروة، لكن دون أن تسمح لهم بالبقاء المطول أو الإنتقال الكامل، فتجدهم مجبرين على العمل فى الظل وفى أنشطة هامشية أو موسمية قد تشمل قطف الثمار وأعمال النقل والترحيل، كما قد تشمل أيضا الدعارة وما يتجاوزها من أنشطة إجرامية.

كورونا والخسائر الفادحة
جاء فيروس كورونا كالقشة التى قسمت ظهر البعير بالنسبة لأغلبية العاملين في مجال الدعارة وتجارة الجنس فى إسبانيا، حيث ساهم كورونا فى الحد منه بصفة كبيرة، وهو ما استغلته الحكومة لتنفيذ أجندتها فى ذلك الموضوع، ففور انتشار الفيروس دعت وزيرة المساواة الإسبانية "إيرين مونتيرو" الحكومات الإقليمية فى البلاد إلى إصدار أمر بإغلاق جميع بيوت الدعارة فى محاولة لتجنب الإصابة بفيروس كورونا المستجد.

وعللت الوزيرة ذلك بأن بيوت الدعارة يمكن أن تتسبب فى ارتفاع محتمل للحالات الإيجابية التى يصعب تتبعها، وقدمت "مونتيرو" طلبها عبر رسالة أرسلت إلى رؤساء المقاطعات فى إسبانيا، ودعتهم إلى اتخاذ تدابير محددة لتجارة الجنس، وقالت إنه على الرغم من كفاحنا المستمر ضد الإستغلال الجنس، أعتقد أنه من المهم اتخاذ إجراءات محددة فى تلك الأماكن التى تمارس فيها الدعارة.

كما دعت وزارة الصحة كافة المناطق إلى إنفاذ الإجراءات التى تم وضعها بالفعل وإبطاء انتقال الفيروس فى بيوت الدعارة، وتمثل بيوت الدعارة مشكلة كبيرة فيما يتعلق بتتبع المخالطين فى حالة اكتشاف العدوى.