..تمر العاصمة البريطانية لندن فى هذه الأيام بحالة شديدة من الاضطراب السياسى بسبب الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، فبعد شهر فقط من توليه منصبه تمت إقالة كواسى كوارتنج وزير المالية عقب استدعائه من واشنطن أثناء حضوره اجتماعات بالولايات المتحدة وتم تعيين جيرمى هانت خلفا له،لايتوقف هذا الاضطراب على إقالة وزير المالية بل أن رئيسة الوزراء نفسها ليز تراس هى الأخرى تواجه شبح اتحاد أعضاء حزبها المحافظين ضدها من أجل مطالبتها بالاستقالة وهى لم تمكث فى الحكم إلا فترة وجيزة.
كان يمكن أن تنشغل لندن بهذا الاضطراب الداخلى المسيطر على الحالة السياسية والاقتصادية وتعمل على حل مشكلاتها وصراعها السياسى وتبتعد ولو قليلا عن دورها المعتاد فى إشعال الموقف الدولى وتأجيج الصراعات العالمية والإقليمية خاصة فى الشرق الأوسط المنكوب بالمؤامرات البريطانية هذا غير تدبير الدسائس فى الخفاء عن طريق رعايتها التاريخية والدائمة للتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها جماعة الإخوان الفاشية ..ولكنها الحالة البريطانية التى لا تتعلم ولن تتعلم من درس التاريخ الذى يقول بوضوح إن التآمر على مقدرات الشعوب نهايته دائما الفشل.
عندما تتابع الحالة البريطانية على المستوى الدولى تجد أنها فى كثير من الأحيان تتفوق على زعيمتها الولايات المتحدة فى اتخاذ المواقف المتشددة والتى تصل لحد العبث فى تعاملها مع الأزمة الروسية الأوكرانية بل أن نسبة الهجوم الذى تتلقاه الخارجية البريطانية من نظيرتها الروسية يتفوق على ماتوجهه موسكو لواشنطن من هجوم.
وسط الأزمة الاقتصادية فى لندن والفشل الذى أدى لخروج المظاهرات إلى شوارع المدن البريطانية للمطالبة بحلول، نجد رئيسة الوزراء ليز تراس تترك كل هذا وتعلن فى أحد مؤتمرات حزبها أنها صهيونية أكثر من الصهاينة وأنها ستنقل سفارة بلادها إلى القدس وجاء هذا الإعلان دون أى سابق إنذار، فبدلا من أن تهتم رئيسة الوزراء بحل مشكلات مواطنيها المتراكمة تذهب إلى الشرق الأوسط بتصريحاتها الغريبة لتزيد الموقف المشتعل اشتعالا لكنها الحالة البريطانية التى لا تتوقف عن التآمر.
نفس رئيسة الوزراء ليز تراس والمتأثرة بالحالة البريطانية الدائمة ووسط فشلها المستمر سياسياً واقتصادياً توجه النصح للملك تشارلز بعدم حضور مؤتمر المناخ وفى الأعراف البريطانية النصح هنا بمثابة أمر للملك، والغريب أنها لاتعطى أى مبررات لهذه النصائح "الثمينة " فى عدم حضور الملك لمؤتمر دولى تحت رعاية الأمم المتحدة وفى شأن يعتبر الملك تشارلز أكثر المهتمين به على المستوى الدولى .
الأغرب أن الملك وقت أن كان وليا للعهد قام بزيارة مطولة إلى مصر مع قرينته وهى الدولة التى سيقام على أرضها فعاليات المؤتمر وأشاد ولى العهد وقتها بالزيارة وحسن الاستقبال، وهذه الزيارة كانت قبل وقت قليل من نصيحة تراس " الثمينة " فماذا تغير؟ لم يتغير شىء غير أن الحالة البريطانية تزداد حدتها وجنونها عندما ترى اسم مصر أمامها.
إذ كانت الحالة البريطانية ترتفع وتنحفض حدتها ومعدلات جنونها حسب المواقف الدولية والشرق أوسطية التى تتعامل معها إلا أنها ثابتة فى هذه الحدة تجاه كل مايتعلق بمصر وبالتأكيد الأسباب واضحة فذاكرة لندن لاتريد أن تتعافى من الضربات المصرية التى حولت بريطانيا العظمى إلى دولة دون عظمة عقب العدوان الثلاثى فى العام 56 وطردتها من الشرق الأوسط بالكامل، بل أن سقوط الامبراطورية التى لا تغرب عنها الشمس بدأ فى بداية القرن العشرين مع ثورة 1919.
تتجلى الحالة البريطانية وتزداد نسبة الفصام مع إدارة ملف الجماعة الإخوانية الفاشية، وعندما نريد معرفة مدى تفاقم الحالة البريطانية فى تعاملها الحميمى مع الفاشية الإخوانية يجب أن نبتعد عن ضباب التفاصيل الوهمية والمصطنعة عن وجود الانشقاقات والانقسامات داخل الجماعة الفاشية فالجماعة على قلب بريطانى واحد منذ أن أسستها ال Mi6فى عام 1928 ، فلم تتخل بريطانيا يوما ما عن صنيعة يدها أما هذه الانقسامات الوهمية أو وجود الفاشيست فى دول أخرى تحت أسماء تنظيمات دعائية فهى مجرد أدوار يوزعها المخرج البريطانى المصاب بالفصام والحقد الشديد تجاه الأمة المصرية التى أذلته.
يعطى التاريخ دروسا كاشفة لطبيعة الحالة البريطانية فى تعامل لندن مع الجماعة الفاشية منذ أن تولت تأسيسها فالامبراطورية البريطانية أمام عنفوان الحركة الوطنية المصرية التى أطلقتها ثورة 1919 لم تجد أمامها سوى أن تلعب بورقة الدين لضرب هذه الحركة وشق الصف وهى السياسة الاستعمارية المعتادة من بريطانيا فأتوا بهذا الشخص غامض الأصول حسن البنا وتم تمويله من شركة قناة السويس التى يديرونها ليصنع هذه الجماعة الخنجر فى ظهر الحركة الوطنية والأهم العمل الدؤوب على تفتيت الهوية المصرية وتغريبها فمنذ العام 1928 عام تأسيس الجماعة الفاشية سنجد فعل الفاشيست دائما ماهو إلا خنجر فى ظهر أى قرار وطنى مصرى هذا بالنسبة للداخل المصرى أما بالنسبة للخارج فقد كان صعود روسيا بثورتها الشيوعية خطراً يهدد المصالح البريطانية فى الشرق الأوسط فكانت الخطة البريطانية تحزيم المنطقة بجماعات تتحدث باسم الدين والدين منهم براء لمواجهة الخطر الشيوعى المتربص بالمصالح البريطانية ولا مانع أن تستعير الولايات المتحدة نفس الخطة البريطانية ونفس الجماعة الفاشية فى صراعها مع الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان فى العام 1979.
هذه الاستعارة الأمريكية للجماعة الفاشية والخطط من الحليف البريطانى الذى تنازل عن عظمته الامبراطورية لواشنطن عقب الحرب العالمية الثانية لها أصل تاريخى ثابت فبريطانيا تشاركت مع الولايات المتحدة فى رعاية الفاشيست منذ العام 1946.
فى هذا العام 1946قبل 74 سنة تشكلت اللجنة الأنجلو /أمريكية لبحث مسألة يهود أوروبا والأوضاع فى فلسطين، كان التواجد البريطاني فى اللجنة مثل المدير الذى يسلم عهدته للمدير الجديد ويطلعه على كافة محتويات المخازن والخزائن للشركة التى كان يديرها وأيضا آخر منتجات الشركة.
من أجل حفظ ماء الوجه وضع أرنست بيفن وزير خارجية بريطانيا وقتها إطار عمل اللجنة في ثلاثة توجهات، معرفة الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية في فلسطين وتأثيرها على الهجرة والاستيطان اليهوديين، بحث حالة اليهود في الدول الأوروبية لأنهم ضحية للاضطهاد النازي والتدابير التي اتخذت أو التى سيتم اتخاذها لإنقاذهم، وتقدير عدد الذين يرغبون فى الهجرة إلى فلسطين، سماع آراء الشهود من ممثلي العرب واليهود بشأن مشكلات فلسطين وعلاقاتها بأحوال اليهود وتقديم التوصيات لحكومتي بريطانيا والولايات المتحدة لمعالجة هذه المشكلات.
بدأت اللجنة عملها من نيويورك وواشنطن لتستمع إلى الجالية اليهودية ثم عبرت الأطلنطى إلى لندن وعدد من الدول الأوروبية لتتفقد أحوال اليهود فى القارة العجوز ثم وصلت الشرق الأوسط فى فبراير46 لتكون محطتها الأولى والرئيسية هى القاهرة قبل القدس.
التقت اللجنة عبد الرحمن عزام أمين الجامعة العربية وعدد من المسئولين والدبلوماسيين العرب ليشرحوا الوضع فى فلسطين ودعوها أيضا لزيارة بلدانهم وبتوصية بريطانية عقدت اللجنة لقاء خارجا عن سياق لقاءاتها المعتادة فعقدت اجتماعا مع مرشد جماعة الإخوان حسن البنا.
كان هذا الاجتماع هو التقديم البريطانى لرجلهم حسن البنا وجماعته التى تخدم مصالح الامبراطورية البريطانية للسادة الأمريكان الجدد فمن ضمن ملفات التسليم والتسلم بين الامبراطوريات ملفات العملاء أيضا ومن تلك اللحظة أصبحت الولايات المتحدة شريكا لبريطانيا فى إدارة الملف الفاشى الإخوانى. لكن يبقى القرار المرجعى فى لندن والملجأ للجماعة فى كل وقت وعند أى خطر القلب البريطانى على استعداد دائما لاحتضان صنيعة يده.
بعيدا عن التاريح فالدعاية الإخوانية السوداء الموجهة ضد الوطن العربى مقرها الرئيسى لندن حيث تلقى العناية والرعاية من الحالة البريطانية التى مازالت تشعر بالحقد تجاه الأمة المصرية.
فى كل يوم تؤكد بريطانيا أنها لن تبحث عن علاج لحالتها الفصامية المتفاقمة أو ستتخلى عن حقدها تجاه الأمة المصرية لكن دروس التاريخ والحاضر تقول بوضوح أن كل مؤامرات الحالة البريطانية فشلت وسقطت أمام قوة وصلابة الأمة المصرية.