محمد ياسين يكتب: النداهة

محمد ياسين
محمد ياسين

النداهة من الأساطير الريفية، يزعم الفلاحون أنها جنِّية تأخذ شكل امرأة جميلة جدا وغريبة تظهر فى الليالى الظلماء بجوار الترع، لتنادى باسم شخص معين فيقوم مسحورا يتتبع النداء إلى أن يصل إليها ثم تجذبه معها إلى أعماق الترعة ليجدوه ميتا طافيا على سطح الماء فى اليوم التاليّ!

كل مساء تأتى إليّ النداهة لتسحرنى بجمالها وما تقدمه لى من أروع الأشياء، النداهة الخاصة بى هى الثلاجة التى تسحرنى فى الليل، ليبدأ الشجار مع زوجتى عن أضرار الأكل فى المساء، مع تذكيرها لى بأنه قد أصبح لدى كرش يتدلى أمامى مثل الكرة الأرضية، فقد أصبحت من الرجال ذوى الكروش.

ولكن هيهات فأنا الآن مشدوه ومتجه نحو حبيبتى متجاهلا كلام زوجتى، لأخرج من الثلاجة كل ما لذ وطاب وفاض من الغداء أو من عزومة كله ما يضرش.. أملأ كرشى فى المساء لأدخل إلى الفراش وأغط فى نوم عميق، لا يقطعه إلا نداء الجوع مرة أخرى، ولكن التعب يجعلنى أتجاهل نداء الكرش لأنام.

وأقوم فى الصباح نادمًا على ما حدث، وكيف يحدث ذلك وأنا فى صباح الأمس انتويت أن أذهب إلى «الجيم»، لأنى أريد أن أشترى قميصا أنيقا لا أجد منه مقاسا لى.. ويتكرر ذلك كل مساء، وأصاب بالسحر مرة أخرى وتنادينى النداهة، ليبدأ الشجار الليلى المحتوم، وآخذ عهدا على نفسى وأقسم أنى لن أدخل المطبخ فى المساء مجددًا.

بدأت نظرات الريبة تظهر فى عيون المدام.. أين تذهب، وأين تتسلل؟ لأقول: أنا داخل أشرب.. وأنظر بحسرة للحلل والطواجن فى الثلاجة وأخشى الاقتراب منها.
وأقول الحق أنى ضعفت أمام النداء الليلى للنداهة وعادت ريما لعادتها القديمة مع الحفاظ على العهد بعدم دخول المطبخ ليلا، وكأن هناك حظر تجوال بعد العاشرة، والآن لم أعد أقترب من المطبخ نهائيا لأنى أخرجت الثلاجة إلى الصالة بحجة توفير التهوية لها لأغنى كل المساء: «ما أحلى الرجوع إليكِ».