عندما توقفت حركة التاريخ أمام إرادة الشعب الألمانى

 نادر رياض
نادر رياض

تمر الذكرى الثانية والثلاثون من الوحدة الألمانية ولانستطيع أن ننسى هذا المشهد عند بوابة براندنبورج عندما نقلت وسائل الإعلام مشهد الآلاف من أبناء الشعب الألمانى شرقه وغربه يحتضنون بعضهم البعض والفرحة تضحكهم وتبكيهم في ذات الوقت ابتهاجاً بسقوط حائط برلين. يومها رأى العالم مدى القوة التى يمكن أن تنطلق من إرادة الجماهير حين تحركها الشجاعة، وكيف أن حنينه وشوقه إلى الحرية قادر على تحقيق ما يدخل فى نطاق المستحيل.


وبالتأمل فى الماضى واستقراء المستقبل دون أن نقع أسرى لجمود الواقع أو رتابة الأحداث، فمن عجب أن نرى أن وثيقة الوحدة الألمانية كانت هى ذاتها شهادة ميلاد للوحدة الأوروبية وأن أحدهما أدى بلا منازع للوصول للآخر.
 أما ما هو أعجب من ذلك فهو أن شهادة ميلاد الاتحاد الأوروبى كانت ذاتها شهادة وفاة للاتحاد السوفيتى، وهو الأمر الذى فتح الباب على مصراعيه للتوسع في الوحدة الأوروبية لتضم فى وضعها الحالى 27 دولة أوروبية تمتد من غرب أوروبا إلى شرقها، وهو أمر له بعده الملموس فى استقرار السلام العالمى وتعميقه وإزالة آثار الحرب العالمية الثانية سواء الساخن منها أو البارد،وبذلك تطوى صفحة مهمة بعد الستين سنة من انفصال المشرق الأوروبى عن مغربه وما حواه ذلك من ترقب وتربص كاد يصل فى بعض مراحله للمواجهات العسكرية، وبذا أصبح الاقتصاد والتنمية هما العنصر الحاكم للعقلية الأوروبية متربعاً على عرش الأولوية الأولى دون منازع. ولست أدرى تحت أى مسبب استدعت الذاكرة حدثاً تاريخياً لم تمحه الأيام مضى عليه أكثر من سبعين عاماً زمانه نهاية الحرب العالمية الثانية واستسلام ألمانيا النازية في 8/5/1945، مكانه مدينة أيسن بالقرب من دوسلدورف، موقعه المقر الرئيسى لمصانع كروب للصلب، حيث المكابس والمسابك وآلات التشغيل الشامخة التى تخصصت فى صناعة المدافع العملاقة وإنتاج الصلب الممتاز الخاص بهذه الصناعة وكان المشهد: دمار شامل فى الأبنية والخرائب فى كل مكان إلا أن الآلات والمعدات بقيت سليمة وشامخة تنطق بعظمة الصناعة الألمانية لا ينقصها سوى عمالها الذين تشتتوا ولم يبق منهم أحد، وفى جانب من المشهد إعلان مكتوب على ورقة داخل حافظة بلاستيك معلق على باب المصنع المغلق عبارة عن دعوة لعمال مصانع كروب للعودة إلى العمل مع الإحاطة أن المصنع غير قادر على سداد أية أجور للعمال وأن العودة للعمل سيقابلها وجبتا طعام يومياً.
وللعجب الشديد أتى جميع عمال المصنع فى اليوم التالي على بكرة أبيهم يرتدون ملابس العمل الزرقاء مصطحبين معهم ما أتيح من الأبناء والبنات فى سن العمل لينضموا للكتيبة العمالية المخلصة لمصنعها العريق الذى يمثل وطنهم الأصغر وذلك كأول تجمع لإرادة شعبية عمالية تسعى للنهوض بالوطن الأكبر ألمانيا الراكعة تحت وطأة وثيقة الاستسلام الموقعة دون قيد أو شرط. صدر فى نفس اليوم من إدارة المصنع أول أمر تشغيل لقسم المكابس والتشكيل الآلى يقضى بإنتاج أعداد من أطباق الطعام المصنوعة من الصاج تخصص لأكل العمال لزوم وجبتى الطعام والتى تمثل الأجر اليومى لكل عامل. بذا نرى أن العزيمة الألمانية تفوقت على هزيمة الحرب العالمية الثانية وسبقت المنتصرين عليها خلال خمسين عاماً، وكيف نجحت إرادة الشعب الألمانى فى الانتصار على الهزيمة العسكرية بالقوة المدنية لأداء الشعب الألمانى الرائع وأعطوا الدرس فى أن السلام يمكنه أن يهزم الحرب.
فها هى الألمانيتان تتوحدان هازمين بذلك الهزيمة العسكرية التى قسمت ألمانيا بواسطة أربعة جيوش كان لها ضحاياها بعشرات الملايين من البشر.
تحية خالصة نرسلها للشعب الألمانى الذى تمسك بقيمة العمل وأعلى من شأنه.. وتحية للقيادة السياسية فى مصر وألمانيا التى ترعى العلاقات المصرية الألمانية بكل عزيمة وإخلاص.
● رجل صناعة ورئيس مجلس الأعمال المصرى الألمانى