السينما المصرية و« الأوسكار ».. حب من طرف واحد

السينما المصرية و« الأوسكار »
السينما المصرية و« الأوسكار »

ريزان العرباوي

أزمة متكررة, تضع السينمائيين والفيلم المصري في مأزق, فمع فتح باب الترشح لاختيار الأفلام المصرية إستعدادا لحفل جوائز الأوسكار، نجد أنفسنا أمام رحلة للبحث عن فيلم قادر على خوض المنافسة على تلك الجائزة العالمية لأفضل فيلم أجنبي، والوصول للقوائم النهائية, لتأتي المشاركة دائما لمجرد التواجد فقط.. فلماذا لم ينجح فيلم مصري واحد في تخطي التصفيات الأولى منذ أعوام طويلة؟، وما المطلوب من صناع الفن لتخطي تلك الأزمة؟.. وهل من الممكن أن نجد حلول لصناعة فيلم يحمل رؤية فلسفية ونقدا للمجتمع بكافة جوانبه ليكون مطابقا للمعايير والمواصفات المطلوبة, والخروج من النفق المظلم ومنح السينما المصرية قبلة الحياة؟, أم ستظل الرؤية ضبابية وستظل الأفلام المصرية في معزل عن العالم غير قادرة على الوصول إلى القائمة الطويلة كأقل تقدير؟.

يرى المخرج عمر عبد العزيز - عضو لجنة ترشيح الفيلم المصري لـ”الأوسكار” - أن الأزمة تتمثل فى عملية التسفيه بعقل المتلقي وتضييق الرؤى الإبداعية والواقعية للحياة مما ينعكس على عقلية المبدع, ويقول: “معروف أن الأفلام المصرية لم تدخل قائمة الترشيحات النهائية على جائزة (الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي) منذ سنوات طويلة, وتتعدد الأسباب والنتيجة واحدة, والحديث عن (الأوسكار) - مع الإعتذار للجميع - ترف زائد عن اللزوم, بعد أن أصبح اختيار فيلم قادر على المشاركة ضمن فعاليات المهرجانات المحلية داخل مصر معضلة في حد ذاتها، فما بالك بالعالمية, قد تكون الأسباب لقلة عدد الأفلام ونوعيتها, فيجب على المنتجين تغير الأهداف المادية البحتة لإنتاج أفلام تجارية بمعايير أفلام العيد للتنافس على شباك التذاكر وتحقيق أعلى الإيرادات, لابد أيضا من تدخل الدولة لدعم الفيلم الجيد, ودعم كبار الفنانين وصناع الفن دون الاقتصار والتركيز فقط على أسماء بعينها, فأين علي بدرخان ومحمد عبد العزيز وإنعام محمد علي وبشير الديك، ذلك العبقري الذي غير الموازين وقلب الدنيا بفيلم (سواق الأتوبيس)”.

ويضيف عبد العزيز: “كانت مؤسسة السينما تنتج أفلام كوميدية مثل (أرض النفاق) وأفلام أخرى من نوعية (الزوجة الثانية) وغيرها, فكان هناك تنوع وثراء فكري وفني”.

ويتابع: “نقطة تفرع أخرى يجب الإشارة إليها, وهي العملية التنظيمية وتشكيل اللجنة الخاصة بإختيار الأفلام, فأنا عضو في اللجنة وأرفض أن تكون بهذا العدد المهول الذي يؤثر سلبا على عملية الترشح مما يحدث تشتيت فتكون النتيجة اختيارات خاطئة, وبالرغم أن مسألة اختيار الفيلم المصري لم تحسم بعد إلا أنني لست متفائلا بالقائمة هذا العام، ويبقى الأمل للعام المقبل ويظل التواجد لمجرد التواجد فقط”. 

وجوه كثيرة

“الأزمة لها وجوه متعددة”, هكذا بدأ الكاتب الصحفي خالد محمود - عضو لجنة اختيار الفيلم المصري المرشح لـ”الأوسكار” - حديثه قائلا: “للآسف لا يوجد في الإنتاج السينمائي المصري المعاصر فيلم قادر على خوض المنافسة, بالرغم أن جوائز (الأوسكار) تعتبر من أهم الجوائز العالمية التي يتنافس عليها صناع السينما فى مختلف أنحاء العالم من كوريا واليابان والصين وألمانيا, إلى آخره, مما يجعل المنافسة على أشدها لتتسم بالصعوبة الشديدة”.

ويضيف: “أرى أن الإنتاج السينمائي المصري لا يرتقي للمنافسة على (أوسكار أفضل فيلم أجنبي) خلال العشر سنوات الأخيرة، وذلك لعدة أسباب, منها قلة الإنتاج، وتقيد الرؤية الابداعية والأهم رؤية المنتجين والموزعين وتركيز الاهتمام بصناعة فيلم تجاري لخوض منافسة شباك التذاكر وعدم وضع الجوائز العالمية في الحسبان وضمن الأهداف لنصبح أمام منتج ضعيف سطحي بلاعمق فني”.

ويتابع: “حتى المخرجين الشباب المهتمين بالسينما المستقلة والقادرين على إنتاج أفكار بمستوى المنافسة هم أنفسهم في مواجهة مع مشاكل إنتاجية ومشاكل أخرى تخص ضرورة العرض في السينمات الأمريكية لمدة أسبوع أو أثنين، والتي تتكبد أعباء مالية كبيرة يصعب تدبرها لتنفيذ آلية الوصول والإشتراك في المنافسة، وبالتالي تقل الفرص لهم”.

ويستكمل خالد كلامه بالقول: “إذا رقم واحد, لابد من إعادة النظر في طريقة التفكير لصنع أفلام قادرة على المنافسة الدولية, فـ(الأوسكار) بمثابة مضمار للسباق يتنافس فيه العالم بأجمعه, الأمر الثاني يخص العملية التنظيمية, فينبغي أن يكون هناك لجنة حقيقية تتابع المنتج السينمائي المصري على مدار العام، وليس فقط خلال جلسات متأخرة تعد على الأصابع, فدائما ننتبة لذك في وقت متأخر وبالتالي تتسم الاختيارات بالتسرع, فتكون النتيجة مشاركة من أجل التواجد فقط، وحتى لا يقال أن مصر لا تشارك في المنافسات والمسابقات الكبرى، وهو مبدأ مرفوض, والمشكلة أننا لا نمتلك الجرأة الكافية للإعتذار واتخاذ قرار بعدم المشاركة والإعلان عن ذلك، إذ لم نجد فيلما مطابقا للمعاير المطلوبة, وقد طالبت بتطبيق هذا البند مرارا وتكرارا بصفتي عضو من أعضاء اللجنة، لكن دون جدوى, وطبعا المستفيد من ترشيح الفيلم هم الشركات المنتجة والموزعة فيتاح لهم إمكانية الترويج لأعمالهم باعتبارها تمثل مصر لـ(الأوسكار)”.

وعن طرق حل هذا الأزمة: “المسألة ليست ترشيح شرفي، لكنه ترشيح حقيقي، ونحن أمام أزمة كبيرة, فمصر لسنوات طولية لم توضع على القائمة القصيرة, وبالحديث عن حلول لابد من إتاحة الفرص لإنتاج كم متنوع وثري للسينما المصرية حتى نتمكن من اختيار فيلم مختلف بمعايير إبداعية وأفكار قادرة على المنافسة, إنما فكرة عقد جلسة أو إثنتين واختار أي فيلم من الأفلام التي أنتجت خلال العام لمجرد التواجد الشرفي في الارسال، وليس المنافسة، هو خطأ جسيم”.

وعن فيلم “سعاد” المرشح لتمثيل مصر في “الأوسكار” يقول خالد محمود: “(سعاد) لا ينطبق عليه المواصفات هذا العام, فهو ضمن قوائم العام الماضي، ولم يتم عرضه بسبب أزمات إنتاجية, وحتى هذا الفيلم بالرغم من حصوله على أغلبية في الأصوات، إلا أنه لا يرتقي للمنافسة مع الأفلام الأجنبية الأخرى, وبالمناسبة الدورة الجديدة ستشهد منافسة قوية جدا، لذلك أشعر بالغيرة من امتلاك كل دولة لعمل أو أثنين قادر على المنافسة واقتحام المهرجانات الكبرى.. والرهان الحقيقي والأمل في الأفلام القصيرة طالما أن الأفلام الروائية الطويلة ضعيفة, فهناك أفلام يمكنها أن تدخل السباق حتى وإن لم تصل للمنافسة النهائية، لكنها ستكون مشرفة لمصر, فهي أفلام جيدة الصنع وملائمة للاشتراك في المنافسات الكبرى, وهناك فيلم (صديقتي الحميمة) الذي شارك في مسابقة (فينسيا) للمخرجة كوثر يونس، من الممكن أن تمنح له الفرصة، فهو من الأفلام المهمة”.

وعن عمل اللجنة يقول خالد: “إلى الآن لم تحسم اللجنة قرار الاختيار بالرغم أن هناك دول استطاعت حسم الموقف مبكرا بهذا الشأن, وأعتقد أننا سنواجه نفس الحيرة والمشكلة المتكررة هذا العام أيضا, لأن الأفلام التي حققت أعلى إيرادات ستظل حبيسة الرواج المحلي ليس أكثر،  وبالنظر للمنتج طوال العام لا نجد فيلم قادر على منافسة أفلام اليابان أو كوريا أو ألمانيا وغيرهم, فلهم أفلام مهمة جدا وهذه الأفلام موجودة ضمن قائمة مهرجان (فينسيا) الذي يعتبر مؤشر كبير جدا للفوز بـ(الأوسكار)،  ولابد وأن يكون هناك إرادة قوية لدى صناع السينما في مصر القادرين على صنع أفلام بمعايير فنية وجودة عالية ومساندة مخرجين السينما المستقلة”.

انتفاضة فنية

ويؤكد الأب بطرس دانيال - رئيس المركز الكاثوليكي للسينما - على أن الجوائز تعد إعترافا دوليا بالإمتياز في الإنجاز السينمائي, ولكي نخرج من عنق الزجاجة لابد من تغيير الفكر وأهداف المنتجين التي تنصب بؤرة واحدة, ويقول: “نحن بحاجة إلى منتج  جريء واعي يحمل فكر إبداعي مختلف، يضع (الأوسكار) والجوائز العالمية ضمن أهدافه ويمتلك بعد نظر, فحتى لو أخفق في سباق شباك التذاكر والإيرادات يطمئن لوجود فرصة المشاركة مهرجانات ومسابقات عالمية مثل (الأوسكار), وللآسف استثمار الأفكار والفلسفة لا يتواجد في السينما المصرية منذ سنوات طويلة كما يتواجد في السينما الأمريكية، ومع ذلك أتمنى أن يحالف الحظ الأفلام المصرية ونكون أمام عمل قادر على منافسة أفلام من مختلف دول العالم، والتي صنعت بتقنيات وطرق فنية إبداعية عالية الجودة من الممكن أن لا تكون ذات تكلفة إنتاجية عالية، لكنها ذات حبكة جيدة”.

ويضيف الأب بطرس: “لكي يتوافر عمل مصري بعناصر ومعايير مطلوبة، لابد من تكاتف الصناع ورفع الوعي للمنتجين بأهمية تمثيل مصر في المهرجانات العالمية, فمنهم من لا يهتم سوى بالربح المادي، ومعظم الأفلام التي تشارك في المهرجان ليس بالضرورة أن تحقق نجاح جماهيري، لأنها صنعت بحبكة مختلفة يفهمها النقاد والصناع والسينمائيين والقائمين على المهرجانات.. الحل أيضا في عودة كبار المؤلفين والمخرجين، وعودة البطولات الجماعية التي تفرز كفاءات فنية عالية في السيناريو والتمثيل والصورة والديكور والموسيقى, فإن لم يكن هناك انتفاضة فنية سنظل في الدائرة المغلقة دون حلول جذرية، لذلك اناشد صناع السينما لإيجاد طرق إنتاج جديدة واتاحت الفرص للجيل الجديد من المبدعين الذين يمتلكون رؤية إبداعية, لأنه شرف كبير يسطر في التاريخ عندما يقال أن مصر خاضت المنافسة في مهرجان عالمي بفيلم جيد الصنع”.

الاعتذار

يقول الناقد طارق الشناوي عن أزمة الفيلم المصري في “الأوسكار”: “بدأت (الأوسكار) عام 1929، وأضيفت مسابقة أفضل فيلم أجنبي مع نهاية الخمسينيات, وشاركت مصر بعدد من الأفلام المهمة منها (باب الحديد, الأرض, الحرام, أم العروسة, رسائل بحر زوجتي والكلب)، ومع ذلك لم نصل قط إلى القائمة القصيرة, وبالمناسبة كلمة (أجنبي) تعني الفيلم الناطق بغير اللغة الإنجليزية, وتعتبر مصر أكثر دولة اشتركت في مسابقة (الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي)، وأكثر دولة لم يحالفها الحظ للوصول للقائمة القصيرة، فخسارة أفلام مهمة تجعلنا نعيد صياغة بعض البنود بالنسبة للجهة المنظمة والمعنية باختيار الفيلم بإتاحة صلاحية عدم التقدم للترشح, فعندما لا نجد فيلم جدير بتمثيل السينما المصرية نعتذر عن المشاركة, وهو أفضل بكثير من المشاركة لمجرد التواجد فقط, وطالبت بوجود هذا البند إذا لم نجد فيلم جدير بتمثيل السينما المصرية نعتذر عن المشاركة, ومع الآسف لم يأخذ بهذا الإقتراح حتى الآن, وليس معناه أنني أصادر على الحق في الترشح أو أتهم الأفلام بالضعف, إطلاقا، لكنه عذر لحفظ ماء الوجه والأفضل أدبيا الاعتذار في حالة عدم وجود العمل المناسب, وعموما علينا أن لا نستبق الأحداث فما زال أمامنا الوقت للتدقيق في الاختيارات، ويجب التنويه لنقطة مهمة، فعدم التوفيق لأي فيلم وخروجه من المسابقة لا يعني بالضرورة أنه ضعيف, واستدل على ذلك بفيلم (باب الحديد) وغيره من الأفلام القوية التي لم يحالفها الحظ للوصول للقائمة النهائية”.

 

أقرأ أيضأ l ويل سميث يعود للتمثيل بعد 6 أشهر من «صفعة» الأوسكار