كتب على حوائط القرية قائمة بضحاياه وبدأها بـ «الشربيني»

تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة «المقتول ساجدًا» بالدقهلية

الضحية مع أطفاله
الضحية مع أطفاله

كتب: محمود صالح

استيقظ حوالي الساعة السابعة صباحًا، كان هادئًا، وديعًا صامًتا، صمتٌ كان غريبًا عليه، سألته زوجته إن كان يريد أن يتناول إفطاره، فأومأ إليها بالموافقة دون أي نقاش، وجلس في غرفة الصالون وعينيه تنظر لسقف الغرفة، ظل على هيئته تلك حتى انتهت الزوجة من تحضير الإفطار. كان عادته أن يشارك، أن يبدي رأيه، أن يتكلم، لكن يومها بدا وكأنه في عالم آخر. وعندما حان موعد الصلاة؛ خرج من البيت وذهب إلى المسجد الكبير لصلاة الجمعة، وزوجته من خلفه وأولاده يندهشون من رد فعله الغريب، لكن بعد أن جاءهم مناديًا يقول بأن «شربيني» ذُبح في المسجد أثناء الصلاة أدركوا أنه كان يودعهم، وداعه الأخير. تفاصيل تلك الجريمة البشعة التي تجرأ فيها شيطان خبيث على ذبح رجل داخل المسجد في قرية ميت السودان التابعة لمركز دكرنس بمحافظة الدقهلية ترويها السطور التالية.

الجاني

استيقظ أهالي قرية ميت السوادن على طلاسم وكتابات مجهولة مكتوبة على الحوائط، كانت الكتابات غريبة، وغير مفهومة، رسوم وإشارات وعلامات، وما كان واضحًا فيها أن كاتبها خط بيده أنه ينتوي قتل عدد كبير من أهالي القرية، ومدون أسمائهم، وأعمارهم، والإشارات إلى بيتهم، وقتها كان الجميع في حيرة من أمرهم، لكن ما لبثت تلك الحيرة أن تلاشت وقت أن عرفوا أن الذي كتبها هو «صابر»، ذلك الشاب البالغ من العمر ٣٣ عامًا، وهو معروف بين أهالي قريته أنه «جعجاع» على حد تعبيرهم الدارج، لا ناقة له ولا جمل في شيء، وأخذوا ما كتب على محمل الهزل، ولم يلقوا له بالا.

بعد أسبوع من هذه الكتابات قال «صابر» جملة وألقاها على مسامع الكثير من أهالي القرية، كانت فحوى هذه الجملة هو «يوم الجمعة اللي جاية الشرطة هتملي البلد»، وعندما يسأله من يلقاه عن معنى ما يقوله يجيب وهو يهم بالانصراف: «هتشوفوا».

صمت
«صابر» ليس له عمل ثابت، يعمل في أي شيء وفي كل شيء، مرات في المعمار ومرات في الزراعة، عاقل راشد بالغ، لكنه بتصرفاته يثير دائمًا الكثير من التساؤلات حوله، خصوصا حالة العدوانية التي كان عليها، فوجهه غاضب طوال الوقت، ولم يسلم أحد من لسانه، حتى أنه كان دائم الشجار مع إخوته، وفي إحدى المرات التي تشاجر فيها مع أخ له خرجت أمه من البيت تستنجد بالجيران، وقتها خرج «شربيني» من بيته على صوت الأم، ودخل بيتها واستطاع فض الشجار بين الشقيقين، وعاقب «صابر» بعدما عرف أنه المخطئ، وكان هذا الدور الأبوي معتاد من «الشربيني» تجاه أي شخص من جيرانه، وخصوصا «صابر» وإخوته، لأنه بعد وفاة والدهم أصبح يعولهم ويسأل عنهم ويتابع تربيتهم بحكم الجيرة، وبحكم أن «الشربيني» محبوبًا بين أهالي قريته ولاسيما جيرانه.

وقتها وجه «صابر» مشاعر الغضب ناحية «الشربيني» وكتب على جدار ملاصق لبيته أن «الشربيني» هو الضحية القادمة، وأنه على رأس القائمة التي ينتوي قتلها، وأخذ يسير بين الناس ويقول: «الجمعة اللي جاية الشرطة هتملى البلد».

اقرأ أيضًا

ضبط المتهم في واقعة ذبح فتاة الشرقية

عن تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة «الشربيني»، تروي زوجته لـ «أخبار الحوادث» قائلة: «في صباح يوم الجمعة، استيقظ زوجي مبكرًا، وقتها سألته إن كان يريد أن يتناول إفطاره، فقال لي لا، وظل في حالة شرود قرابة الساعة، وقتها اعدت عليه السؤال مرة أخرى إن كان يريد أن يتناول إفطاره، حينها أومأ إلي بالموافقة دون أن يحرك ساكنًا، وعندما أحضرت الإفطار سألني عن ابنته، فقلت له أنها نائمة، وبعد ساعة أيقظتها على ميعاد الدرس، وبعد أن استيقظت ذهب إلى غرفتها وألقى نظرة عليها وخرج دون أن يتكلم، وقتها ابنه الصغير صاحب العامين تعلق به، فجلس على حجره دقائق ثم أعطاه لي وقام ودخل الحمام ليغتسل قبل الصلاة، ثم خرج وارتدى ملابسه وهم بالخروج دون أن يتحدث بكلمة».

وأضافت: «كنت مندهشة من تصرفاته، خصوصا أنها لم تكن هذه هي شخصية زوجي، فهو مرح دائما ويشاركني في اعمال البيت ويتكلم معي كثيرًا، لكن يومها تشعر وكأنه لم يتكلم في حياته مطلقًا، عندما هم بالخروج لحقه ابني الصغير وقال له: «باي يا بابا» فالتفت إليه وقال له: «باي يا حبيبي» وخرج».

ذبح
واستكملت: «وأنا في البيت أسمع صوت الخطيب، وأعرف الوقت الذي توشك فيه الصلاة على ختامها حين يقيم المؤذن للصلاة، لأني اعتدت بعدها أن انتظر زوجي وهو في طريقه للعودة من المسجد ونتاول طعامنا سويًا، وعندما أقيمت الصلاة دخلت المطبخ أعد الطعام، لكن فجأة سمعت طفلا من أهالي القرية يصرخ وينادي علينا، خرجت إليه من الشرفة فقال لي: «عم الشربيني مات».. وقتها كانت الصدمة لم تنفذ إلى قلبي بعد، فسألته مستنكرة: «مات إزاي يعني.. دا لسه خارج أنت بتقول ايه يا بني»، فتابع الولد كلامه وقال لي وهو يبكي: «دا ادبح في المسجد».

اختتمت قائلة: «خرجت كالمجنونة من البيت، وذهبت إلى المسجد وهناك تيقنت من حقيقة ما جرى، صابر قتل زوجي في المسجد، واثناء سجوده، زوجي مات في بيت من بيوت الله على يدي من لا يعرف الله، نحن نعرفه، صابر في كامل قواه العقلية، سليم وليس مريض عقليا، لأن اهله يحاولون إثبات بكل الطرق أنه مصاب بمرض عقلي حتى يعفى من العقوبة ويتم إيداعه مستشفى الأمراض النفسية، لكني أقول لك، صابر كتب على الجدران أن زوجي ضحيته الأولى، وكتب أسماء ضحايا آخرين، وقال للناس إن الشرطة ستنتشر في البلد بعد صلاة الجمعة، وأنه خرج من بيته ويحمل في يده السلاح الذي قتل به زوجي طعنا في رقبته وهو ساجد، وهذا معناه أنه عاقد العزم مبيت النية، عاقل ومدرك لما يفعله، قتل والد أولادى ويتمهم. وأنا لا اطالب سوى القصاص منه».

وكانت الأجهزة الأمنية ألقت القبض على المتهم بعد أن أمسك به الأهالي داخل المسجد عقب ارتكاب جريمته، وتم نقل الجثمان إلى مستشفى دكرنس العام، وحرر محضر بالواقعة، وإحالته إلى النيابة العامة، والتي من جانبها، قررت عرض المتهم على الطب الشرعي والنفسي لبيان سلامة قواه العقلية فضلًا عن تحليل عينة منه لبيان مدى تعاطيه مواد مخدرة من عدمه.