رفعت الجلسة| ..ولماذا لا أضحى؟

ولماذا لا أضحى
ولماذا لا أضحى

هى ابنتى وقرة عينى، صغيرتى التى طالما وقفت بجوارى، وخففت من آلامى وأحزانى، صديقتى فى محنتى، وقائدة سرب العائلة، صامتة، مهذبة منذ ولادتها، لا تسمع لها صوتا، مسالمة، لا تجادلك فى أمر اتخذته، تغلق عينيها أمام ملذات الدنيا ومفاتنها، راضية بما فى يديها، وساحرة بعفويتها فى زرع القناعة بعقول شقيقاتها.

اليوم، كبرت، وأصبحت يافعة، سرق جمالها عين شاب جار لنا، تقدم لخطبتها، وافقت بعد مشورتى، وتحدد نهاية الأسبوع موعدا لزفافها.

عام كامل، وهى تهرب بعينيها بعيدا عنى، تحاول أن تحمل همها بمفردها، تعمل ليل نهار، لتشترى قطعة من جهازها، الآن هى تجاورنى فى جلستي، تعطى لى ظهرها، حتى لا أعرف ماذا تفعل؟!.

ورغم ذلك أشاهدها تدون فى «ورقة بيضاء»، مستلزمات الزواج التى نقصها، تضيف وتحذف حسب المتاح لها، أنا أعلم السبب، فكلما نظرت إليها كانت تهرب بعينيها بعيدا عنى، بعدها ترمقنى بابتسامتها الجميلة، ثم تربت على كتفى، وتخبرنى كذبا أنها ليست فى حاجة إليها، وأنها اتفقت مع خطيبها على شرائها عندما تسمح لهما الظروف بذلك.

ما أحلى هذه اللحظة وما أصعبها على الأب، ابنتى تدرك عجزى عن تحقيق أحلامها، فهى تعلم أننى أعمل «غفير ليلى» لشركة تجاور مسكننا، راتبى لا يكفى سوى لتوفير المأكل والمشرب لها وشقيقاتها الأربع، كثيرا ما تخلت عن طموحاتها من أجلى، تركت التعليم، وعملت معى فى رعاية الاغنام،وخدمة والدتها المريضة.

ألا تستحق هذه الصغير المدللة، أن أضحى من أجلها وأكافئها على صبرها، حتى ولو كان ذلك على حساب شقيقاتها؟.. الإجابة: نعم تستحق.

لذلك، كان لا بد أن أتحرك، جلست معها، وطمأنتها، وأخبرتها ألا تقلق فكل شيء تحتاجه سيكون جاهزا وأفضل مما تمنت.

لم أفكر كثيرا كيف سيتحقق ذلك، وجدت نفسى أهرع إلى أحد معارض الأجهزة الكهربائية فى منطقة مجاورة، اتفقت معهم على شراء الأجهزة التى تحتاجها صغيرتى، مقابل التوقيع على إيصالات أمانة تسدد شهريا، وافقوا، وقتها لم أنتظر للصباح، أحضرت سيارة، ونقلت كل الأجهزة التى تحتاجها فتاتى، حقيقة، ما كان يعنيني، هو أن أشاهد ابتسامتها وأتلمس صبرها يتحقق أمام عينى.

دعونى أخبركم، أنه منذ ساعات تزوجت ابنتى، ودعتنى بابتسامتها المعهودة، أوصتنى على شقيقاتها الأخريات، ورغم ذلك لاحظت القلق فى عينيها، وكأنها تسألني، ماذا ستفعل لتسدد دينك؟، طمأنتها بالنظر إلى السماء، فما كان يعنينى هو سعادتها وسترها أمام الناس.

هى ابنتكم

أعتذر لذلك الأب العظيم، كانت رسالته لى من شهر مضي، قص لى مأساته، أخبرنى أنه ليس أمامه لستر ابنته سوى الدين، وأنه يتردد كثيرا فى اتخاذ الخطوة، خشية من عدم قدرته على الوفاء به وسداده، لكن حالت الظروف عن نشر رسالته، بسبب عدم صدور «رفعت الجلسة « لثلاثة أسابيع ماضية.
أعلم أن عرس ابنته كان بالأمس، وأنه لم يجد أمامه حلا سوى الاستدانة وشراء مستلزمات الجهاز كاملة.

رسالتى إلى أهل الخير «قفوا بجواره، ساعدوه على سداد دينه، فهومن الغارمين الذين قال الله فيهم «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ».

نهاية .. هذا الأب لا دخل له سوى راتبه الذى لا يتعدى بضع جنيهات، والأيام القادمة قد يزج به فى السجن لعجزه عن سداد أقساط جهاز ابنته.. رجاء ساعدوه.. لدى بياناته، وكافة المستندات التى تحتاجونها للوقوف بجواره.

اقرأ أيضاً|رفعت الجلسة | المال لا يجلب السعادة