محمد الشماع يكتب: أغنية علي عبدالخالق المحببة.. «تعيشي يا ضحكة مصر»

المخرج علي عبدالخالق
المخرج علي عبدالخالق

 

كان «علي عبدالخالق» في أثناء حرب الاستنزاف يحلم مثله مثل كل المصريين بالنصر. نصر يأتي بعد هزيمة ما أحلاه، ما أجمل مذاقه إذا كان مختلطا بنصر آخر على المستوى الشخصي.

كان الشاب «علي» محملاً بأفكار جيله الذي آمن بأننا سنرمي إسرائيل في البحر، وفي العقبة قطع رقبة، لكنه استيقظ على حقيقة مفزعة، حقيقة أننا نتراجع إلى خطوط الدفاع الثانية بدون خطة أو تكتيك. 


أراد مثله مثل بني جيله من المثقفين وأصحاب الأحلام السينمائية المؤجلة أن يدافعوا عن أحلامهم مثلما كان الشاويش محمد (محمود مرسي) يدافع عن الممر في فيلم «علي عبدالخالق» الأول «أغنية على الممر» باعتباره الأرض والعرض والشرف.

                                                              

أرادوا أن يدافعوا عن أحلامهم التي اصطدمت بواقع صعب، تماماً مثلما كان جنودنا يدافعون عن الممر من دون آلية أو تخطيط، وبصدور عارية، وبأسلحة أنهكتها المعركة، يقاتلون وسط الأعداء الذين حتى استحوذوا على الميكروفونات ليتحدثوا باللغة العربية، مهددين إياهم مرة بترك الممر أو الموت، وواعدين إياهم مرة أخرى بالمعاملة الحسنة إذا استسلموا.


أظن أن «علي» كان يغني، مثلما كان أبطاله يغنون في الفيلم «تعيشي يا ضحكة مصر»، والتي كانت في الواقع صرخة لا أغنية، صرخة مدوية بأن مصر ستعيش، وأن ضحكتها التي كان يضحكها جنود الممر عندما يتذكرون حياتهم بعيداً عن المعركة سوف تستمر، وأن النصر وضحكاته يوماً ما سيأتي.


حلم «علي عبدالخالق» وزميله كاتب السيناريو «مصطفى محرم» اصطدم بحائط من العقبات والتساؤلات. 

                                                            
كيف لهذا الشاب الذي لم يره أحد أن يقدم فيلماً بهذا القدر من الأهمية؟


كيف لهذا الشاب الذي كانت خبراته في السينما لا تتعد بعض الأفلام السينمائية والتسجيلية القصيرة أن يكون الآمر الناهي في «لوكيشن» يملؤه ممثلون مثل محمود مرسي ومحمود ياسين وصلاح السعدني وصلاح قابيل وأحمد مرعي وهم من هم في عالم السينما والتمثيل حينها؟

كيف لـ«علي عبدالخالق» الذي انتصفت به العشرينيات من العمر أن يقف خلف الكاميرا ليخرج حلمه إلى النور؟


وهل كان الوقت مناسباً أصلاً لتقديم فيلم عن هزيمة يونية؟!

أصر «علي» على الدفاع عن حلمه، أصر أن يخرج الفيلم إلى العالم كما رآه وكما استوعبه واستوعب جيله. تحقق حلم «علي» لأنه آمن به، وبضرورة أن يشاهده الناس قبل معركة الانتصار الحتمية، حتى لو لم يكن يعرف أن موعدها قد اقترب. في 1972، خرج فيلم «أغنية على الممر» إلى النور، خرج وقد أحدث حالة من الغضب الممزوج بالحماس، غضب من الذين تركوا المعركة على كافة مستوياتها، وحماس بأن اليوم الحاسم آتٍ لا ريب. 


مع صوت طلقات الرصاص التي كانت تصطاد جنودنا على الممر، أتوقع أن «علي عبدالخالق» كان يتألم، لكنه كان يصبر على ما أصابه. مع فقدان بطل من أبطال الممر أتوقع أنه كان يبكي، لكنه كان يؤكد أن النصر قريب. 


خرج الفيلم قبل النصر. كان نصر «علي» مقدماً على نصر المعركة. كان نصر «علي» في أن يصبح فيلمه حديث الناس في مهرجانات الدنيا، وقد كان. 


كان المتوقع أن يتبع النصر انتصارات، وقد حدث العكس. توقف الأستاذ «علي» عن الحلم والغناء والإخراج لمدة أربعة أعوام، ثم بدأت ماكينة الأحلام تدور، ومع كل حلم يتحقق كان بالضرورة يغني «تعيشي يا ضحكة مصر».


رحل الأستاذ «علي»، ولكن لم ترحل أغنيته على الممر: «تعيشي يا ضحكة مصر»