يجيب عليها: د. شوقى علام

أنت تسأل والعلماء يجيبون

د. شوقى علام
د. شوقى علام

إعداد - عبدالعزيز عبدالحليم

هل قول «صدق الله العظيم» بعد التلاوة بدعة؟

أحد الشباب فى القرية يعترض على قول (صدق الله العظيم) بعد الانتهاء من تلاوة القرآن الكريم، مدعياً أنها بدعة، وإنه احداث أمر في الدين ليس منه، فهل هذا الكلام صحيح؟

- قول: (صدق الله العظيم) مطلق ذكر لله تعالى، وقد أمرنا الله تعالى به فى قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا» (الأحزاب: 41)، وبالأمر الخاص فى خطاب الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «قُلْ صَدَقَ اللهُ» (آل عمران: 95).

والربط بين قراءة القرآن الكريم وبين هذا الذكر فى نهايته لا مانع منه شرعاً إذ هو عبادة أضيفت إلى أخرى.

ولا يقال إن هذا إحداث فى الدين ما ليس منه، بل هو إحداث فيه ما هو منه، وهذا يُفهم من فعل الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين؛ ففى صحيح البخارى عن رفاعة بن رافع رضى الله عنه قال: كنا يومًا نصلى وراء النبى صلى الله عليه وآله وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ»، قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: «مَنِ المُتَكَلِّمُ» قَالَ: أَنَا، قَالَ: «رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ». فهذا صحابى يدعو بما لم يَسبق بخصوصه بيان نبوي، فيُقِرُّه النبى صلى الله عليه وآله وسلم ولم يُنكر عليه، بل بشَّره بأنه رأى الملائكة يتنافسون على كتابتها، ولا يقال إن هذا كان وقت تشريع والنبى صلى الله عليه وآله وسلم معهم يرشدهم، أما الآن فلا؛ وذلك لأنه لم ترد فى سياق الحديث أيُّ قرينة تشير إلى ذلك: حالية أو مقالية، فالحالية؛ كغضب من النبى صلى الله عليه وآله وسلم يصفه راوى هذا الحديث من تجرؤ هذا الصحابى الإتيان بذكر لم يُعلِّمه إياه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمقالية؛ كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: أحسنت ولا تعد».

قال الحافظ ابن حجر فى «فتح البارى»: (واستدل به على جواز إحداث ذكر فى الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور) ولا يُعترض على ذلك بأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعل هذا الأمر، وهو قول: (صدق الله العظيم)؛ لأن مجرد الترك لا يقتضى حرمة بمفرده، ولابد معه من دليل آخر، والمقرر أن ترك النبى صلى الله عليه وآله وسلم لأمر من الأمور لا يدلُّ بالضرورة على تحريمه؛ فقد يتركه صلى الله عليه وآله وسلم لأنه حرام، وقد يتركه لأنه مكروه، وقد يتركه لأنه خلاف الأولى، وقد يتركه لمجرد أنه لا يميل إليه كتركه أكل الضب مع أنه مباح، ومن ثَمَّ فليس مجرد الترك بحجة فى المنع».

ومما يستأنس به أيضاً من كلام العلماء فى هذه المسألة: ما ذكره الإمام القرطبى فى مقدمة تفسيره أن الحكيم الترمذى تحدث عن آداب تلاوة القرآن الكريم وجعل منها: أن يقول عند الانتهاء من تلاوته: (صدق الله العظيم)، أو ما يؤدى هذا المعنى.

ونص عبارته فى «الجامع لأحكام القرآن»: ومن حرمته - أى القرآن- إذا انتهت قراءتُهُ أن يُصَدِّقَ ربَّهُ، ويشهد بالبلاغ لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ويشهد على ذلك أنه حق، فيقول: صَدَقْتَ ربنا وبلَّغَتْ رُسُلُك، ونحن على ذلك من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط، ثم يدعو بدعوات.

وبناءً على ما سبق فإن قول (صدق الله العظيم) بعد قراءة القرآن جائزٌ شرعاً ولا شىء فيه،

التحذير من إطالة الجلوس في وقت الزيارة

يقول السائل: نرجو منكم توضيحاً ونصيحة شرعية لمن يقوم بإطالة الجلوس عند زيارته غيره بما يؤدى إلى الحرج والأذى بأصحاب البيت؟ 

- قرَّرت الشريعة الإسلامية أنَّه ينبغى على الزائر عدمُ الإطالة فى وقت الزيارة مراعاةً لظروف أهل البيت؛ لأنهم قد يكونون منشغلين بأمور أخرى مهمة؛ يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِى مِنْكُمْ وَاللهُ لَا يَسْتَحْيِى مِنَ الْحَقِّ» (الأحزاب: 53).

فقد نزلت هذه الآية بسبب قومٍ يأكلون عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فى وليمة أمّ المؤمنين السيدة زينب بنت جحش رضى الله عنها، ثم جلسوا يتحدثون فى منزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منشغلٌ بحاجة أهله، لكن منعه الحياءُ من أن يأمرهم بالخروج من منزله. ونستفيد ممَّا سبق أنَّه ينبغى على الزائر ألَّا يطيلَ من وقت الزيارة، ولا يكرّرها كثيرًا؛ حتى لا يملَّ أهلُ البيت منه.

الحث على مكافأة من صنع لنا معروفاً

يقول السائل: نسمع كثيرا أنه يستحب أن نقابل المعروف أو الهدية بمثل ذلك، فما الدليل والمستند الشرعي على ذلك؟ 

- الإسلام دينٌ كلُّه رحمةٌ وبرٌّ وصلة؛ ولذلك أمر الله تعالى بالعدل والإحسان، وجعل ذلك قيمة عُليا من قيم الإسلام؛ فقال تعالى: «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ» (النحل: 90). وقد ورد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقبل الهدية، ويثيب عليها؛ فعن عائشة رضى الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل الهدية، ويثيب عليها» أخرجه البخارى فى «الصحيح». وعن أبى حميد الساعدى رضى الله عنه قال: «جاء رسولُ ابنِ العَلْمَاءِ، صاحبِ أَيْلَةَ، إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكتابٍ، وأهدى له بغلة بيضاء، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأهدى له بُردًا».

وعن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما قال: مرَّ عمر بن الخطاب مع النبى صلى الله عليه وآله وسلم على يهودي، وعلى النبى صلى الله عليه وآله وسلم قميصان، فقال اليهودي: يا أبا القاسم اكسُني، فخلع النبى صلى الله عليه وآله وسلم أفضلَ القميصين فكساه، فقلت: يا رسول الله، لو كسوته الذى هو دون!، فقال: «لَيْسَ تَدْرِى يَا عُمَرُ أَنَّ دِينَنَا الْحَنَفِيَّةُ السَّمْحَةُ لَا شُحَّ فِيهَا! وَكَسَوْتُهُ أَفْضَلَ الْقَمِيصَيْنِ لِيَكُونَ أَرْغَبَ لَهُ فِى الْإِسْلَامِ». ويدل على ذلك قوله تعالى: «هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ» (الرحمن: 60). وبناءً على ذلك: فقد ثبت بالنصوص الشرعية ترغيبُ الإسلام فى التعامل بالبرّ والصلة، ورد التحية بالتحية، ومقابلة الهدية بالهدية، ومجازاة الإحسان بالإحسان، وجاء الأمر بمكافأة صاحب الهدية وإثابته عليه؛ لما فى ذلك من إرساء روابط التَّآخى والتَّآلف بين المتحابين.