آدم وحواء.. تاريخ يكسف !

د.محمود عطية
د.محمود عطية

«.. وهكذا يحاول الضحك عليها بكلمتين حنينين ليستمر فى سجنها ووضعها تحت طوعه..»

السبت:
آدم وحواء
تاريخ آدم مع حواء تاريخ يكسف.. ففى العصور الوسطى تخيل آدم الأوروبى أنه فى حال سفره يمكن أن تلعب حواء بديلها لأنها بطبعها-كما توهم-تميل للخيانة مع أنه ليس لها ديل.. فلجأ إلى اختراع ما سمَّاه «حزام العفة»، وهو-لمن لا يعرف-ملابس داخلية خاصة بالجزء السفلى بالمرأة مصنوعة من معدن تسمح بوجود قفل عليها.. أكيد شك أنه مش مالى عينها.. ضعف واضح جدًّا فى شخصيته وعدم فهم لنفسية وطبيعة حواء.. أما عمنا آدم فى الشرق فقد صنع لها سجنًا من حرير تحت مسمى «الحرملك» لا ترى فيه الدنيا ولا النور إلا من وراء حجاب، وصوَّر لها أنها تعيش فى ركنٍ أمينٍ لأنه ينبغى الحفاظ عليها فى علبة قطيفة كقطعة جوهرة ثمينة-شوف يا أخى النخع باسم المحافظة عليها يسجنها داخل أسوار من حديد-كأنها ليست بنى آدم من لحم ودم ومشاعر ورغبات وأحاسيس... الرجل الشرقى فاهم أنها هبلة وحتقتنع بكلامه!

وهكذا يحاول الضحك عليها بكلمتين حنينين ليستمر فى سجنها ووضعها تحت طوعه.. وحرمها من التعليم وحكم عليها بالجهل واخترع لذلك تفسيرات دينية ما أنزل الله بها من سلطان.. ومع ذلك يطلب منها تربية أبنائه وهى لم تتلق أى نوع من التعليم.. يعنى جاهلة.. ولما اتعلمت بقوة الحاجة الاقتصادية الملحة.. يحاول حرمانها من العمل.. وتحت الضغط الاقتصادى خضع وتركها تعمل وحاول يلهف فلوسها.. هى ايه فوق رأسك يا عم آدم.. ارحم عشان ربنا يرحمك!

الإثنين:
أكوام الجهل
تتملكنى الحيرة أحيانا حول معرفة من المثقف ومن المتعلم.. وهل نحن فى حاجة لمتعلمين أم مثقفين؟! عامة أرى أن المثقف هو الشخص القادر على تغيير قناعاته كلما جدَّت معلوماتٌ أو حقائق وبان واتضح له قدم وزيف ما يؤمن به.. أما المُتعلم فقد درس بعض الحقائق وآمن بها وحفظها ولم يعد يرى غيرها.. وظن-كل الظن-أن اليقين فى أن العالم يسير على ما درسه وتعلمه من حقائق ولا سبيل لتغييرها.. ولو أجهد نفسه قليلًا لرأى كيف تتغير الدنيا وتتبدل أفكارها وتتحقق الظنون وتتحول الأمانى إلى حقائق شاخصة أمامنا وبين أيدينا.. ولو تدبر مليا فسوف يجد أن الجديد يبلى والصغير يكبر والكبير إلى زوال، فلا شيء ثابتاً ولا شيء نهائياً.. قانون الحياة أنها فى تبدل وتغير مستمرين.

من لا يؤمن بحكمة الحياة فى التغير والتبدل تطحنه الحقائق وتتركه متخلفًا ملومًا محسورًا يبكى على ما عنده ولا يغنى عن ذلك شيء.. كن دائمًا مستعدًّا لتقبل كل جديدٍ ومعايشة الحياة كما هى، لا كما تتصورها ولا كما يرسمها لك تخيلك.. فقد وهبت لنا الحياة ولم يكن لنا اختيارٌ سوى العيش على قوانينها التى لن نستطيع معها تبديلًا!

نحن الذين صنعنا أكوام الجهل وعشوائيات التفكير التى يرفل فيها معظم شبابنا والعديد من متعلمينا.. علمناهم تقديس القديم لقدمه والاستهانة بالحديث والجديد لجدته.. علمناهم الحفظ والتلقين وكلما أجاد أحدهم فى الحفظ تقدم الصفوف.. وأقمنا الاحتفالات للحفظ لا للابتكار والتجديد.. ونلوم جماعات على ما هى عليه ونتعجب من معاداتها لكل طوائف المجتمع لفرض ما تعلمته وحفظته دون عقل وتدبر وبحث وفحص وتمحيص.. نحن الذين صنعنا الساتر الترابى فوق عقولهم وبتنا نحرسه.. وإن هبت رياحهم تناثر التراب وتسرب داخل عيوننا ولم نر شيئًا سوى الدمار والخراب بما صنعت أيدينا.

الأربعاء:
أذواق لكل العصور
الأسواق دائما تعج بسلع تناسب أذواق معاصريها.. والإنسان أسير ما يحب ويشتهى.. فلا يمكن مثلا طرح سلع فى الأسواق لا تناسب ناسها أو عصرها وإلا بارت السلع وانصرف عنها المشترون وأفلس التجار.. وهناك من يزيد على ذلك قائلًا بأن من لا تعجبه السلع لا أحد يجبره أن يشتريها وعليه البحث عما يناسب ذوقه وطبيعته.

وتطبق القاعدة السابقة أيضا على سوق الغناء فقد امتلأ ببضاعة تسمى موسيقى وغنا المهرجانات وليس غريبا أن تجد لها زبونا أقصد مستمعا وهم كثر.. وكما غزت «المهرجانات» المناطق الشعبية انتقلت بسرعة البرق لأرقى المناطق السياحية والفنادق والأندية والأفراح.. وتجد موسيقى وغناء المهرجانات من يرددها عن ظهر قلب.. وموسيقى وغنا المهرجانات وجدت مستمعا تم إعداده على مهل بداية من تراخى وجهل العديد من الأسر بتربية أبنائها وتركه لآليات السوق مع تنوع المؤسسات التعليمية «دينية ومحلية ودولية» وكل له برنامج خاص وتفرز لنا خريجين مختلفى الأهواء والانتماءات فمن السهل أن يصبحوا زبائن مستعدين لسماع أى شىء وكل شىء دون فرز فى ظل غياب الذوق الناقد لديهم ودور غير مؤثر لقصور الثقافة.. ورفع لافتة وزارة ثقافة ولا نشعر بوقع أقدامها على أرض الثقافة.. اللهم بعض المهرجانات.

الجمعة:
نفاق نفسى
ينزعجون من شفافية فستان الفنانة إياها وصدر الفنانة الناهد البضّ خلف الثوب الأحمر.. وتتعالى أصواتُ السلفيين والسوشيال ميديا وأدعياء الفضيلة والشرف وفى نفس الوقت.. ولا يزعجهم ما يقومون به من مخالفات البناء وتبوير الأرض الخضراء، ولهف ميراث الأنثى، وتقاتل العائلات الغبى، والرشوة، وعدم احترام المرور، وإلقاء القمامة وسط الطريق، ويلعنون أوروبا وأمريكا ويقفون بالساعات فى انتظار تأشيرةٍ لدخول هذه الدول، ويُفضلون العيش بعيدًا عن الدول الإسلامية.. ويأخذ ضميرُهم إجازةً مفتوحةً أمام مستشفى الأطفال الذى يصرخ طالبًا التبرع لنقص أدوات العلاج وأسرَّته..

وتصفَّح معى عناوين جرائم تُنشر بأجهزة الإعلامِ لترى كيف أن أفكارنا مُسخَّرة حول الشرف والكرامة: أب يقتل ابنته لشكه فى سلوكها وحفاظًا على شرفه.. عريس يقتل عروسه حين سمعها تتحدث فون مع آخر.. وزوج يذبح زوجته حين عادت من زيارة أبيها المريض ولم تستأذنه.. ونتصوَّر أن الشرف ينحصر فى محافظة المرأة على أعضائها التناسلية، وشرف الرجل وكرامته بين تلك الأعضاء التناسلية.. وليس مهمًّا قوة المرأة ولا حتى تعليمها حتى لو كانت ميركل رئيس وزراء ألمانيا السابقة، وماى رئيس وزراء انجلترا السابقة أيضا، ولا حتى النساء اللائى يحكمن كثيرًا من دول العالم، ومازلنا نتصور أنهن ناقصاتُ عقل ودين، وأن الله خلقهن لمتعة الرجل! قلْ لى بالله عليك: كيف نتقدم بما وقرَ واستقرَّ وتمدَّد فى عقولنا من هذه الأفكار المتحجرة؟

الأحد:
متفرقات
أصحاب بعض المخابز بلا أى ضمير تآمروا على رغيف الغلابة و»سخطوه» وأصبح مثل كسرة خبز. وتعمدوا خلال عيد الأضحى.. حيث الرقابة فى إجازة.. وجعلوه قطعة عجين لا ترى بالعين المجردة.. وبمنتهى الصلف سمعت أحد المواطنين يسأل صاحب المخبز: «مال الرغيف كده معجن ومسخوط يا عم الحاج».. رد بعنجهية : «اللى مش عاجبه ما يخدوش هو احنا ح نعمل رغيف على مزاجكم»..

هل يمكن لوزارة التموين مراجعة تلك المخابز ومشاهدة هذا الرغيف الذى بات «فرجة» لصغره وعلى الأقل الطفل محتاج لخمسة أرغفة من هذا النوع حتى يكمل وجبة واحدة. فكم رغيفا فى اليوم الواحد تحتاجه الأسرة المكونة فقط من ثلاثة أفراد؟!!

فى جريمة ذبح الطالبة نيرة أشرف طالبت حثيثات الحكم المشرع بتعديل القانون، ليصبح تنفيذ حكم الإعدام على الهواء مباشرة.. وقالت الحيثيات التى صدرت من المحكمة «الأمر الذى معه تهيب المحكمة بالمشرع، أن يتناول بالتعديل نص المادة الخامسة والستين من قانون تنظيم مراكز الإصلاح والتأهيل المجتمعى المنظمة لتنفيذ عقوبة الإعدام، لتجيز إذاعة تنفيذ أحكام الإعدام مصورة على الهواء».

بالتأكيد اتفهم ذلك الطلب لبشاعة الجرم وما صحبه من تألم المجتمع مما فعله المتهم.. لكنى أظن أن إذاعة الإعدام على الهواء مباشرة ربما يتأذى البعض من إذاعته على الهواء ويولد نفس الإحساس من الألم الذى تولد لدينا من مشهد قتل المغدور بها الطالبة. ويكفى التأكيد على تنفيذ الحكم ونشره بالجرائد ووسائل الميديا الحديثة.

أسعار تذاكر المطربين والمطربات من أمثال عمرو دياب وروبى وهيفاء وهبى والتى تجاوزت أرقاماً تشرئب لها الأعناق ذهولًا وتبرق لها العيون من ضخامتها.. فى الوقت الذى تعانى فيه البلاد اقتصاديا من موجات كورونا والحرب الأوكرانية الروسية.. وبقية دول العالم تعانى بنسب متفاوتة أيضا.. هل يمكن فرض رسوم إضافية متصاعدة على مثل هذه التذاكر وندعو لهم بسهرة طيبة مع فنانيهم وما يقدمون لهم؟.

أن يفتح أحد البرامج الملاكى البث على مصراعيه لمطربة لتكيل الاتهامات لزوجها السابق وتحكى تفاصيل تعرضها للضرب والسحل وحلاقة شعر رأسها وأن تطالب من يرى زوجها السابق «أن يشخ عليه» هكذا كان اللفظ على الهواء.. أتعجب ما المطلوب من كل ذلك.. وما الرسالة الإعلامية المطلوب تصديرها للمشاهد وما المطلوب منه بعد سماع تلك القصة التى نسمعها من طرف واحد..؟!

قالوا:
«الإصلاح الدينى فى كل العالم سبق الإصلاح السياسى.. ودعوة المثقفين العرب للإصلاح السياسى دون مواجهة الحركات الأصولية الارتكاسية على أرضيتها بالذات وتحقيق التنوير الدينى لن يؤدى إلى أى نتيجة تذكر» كتاب «التنوير الأوربى» هاشم صالح.
«التقدم مستحيل بدون تغيير، وأولئك الذين لا يستطيعون تغيير عقولهم لا يستطيعون تغيير أى شيء» برنارد شو
«الهدف من الحوار والجدل من الآخرين ليس تحقيق النصر عليهم بل دفعنا إلى التقدم».
«ليس شرطا أن تعجب جميع الناس، فأنت لا يعجبك كل الناس».