عاجل

يوسف القعيد يكتب: ذاكرة التاريخ لن تنسى أبداً

يوسف القعيد
يوسف القعيد

لا أريد أن أستبق الأمور. وسأنتظر مع ملايين غيرى من المصريين والفلسطينيين والأشقاء العرب نتائج هذا التحقيق

أكتب عن الواقعة الخطيرة التى لا يجب أن تمر.. ألا وهى حالة الترقب التى أعيشها ويحياها المصريون للفاجعة التى هزت وجدانى وكل أهلى.. فالكل يترقب نتائج التحقيقات فى وجود مقبرة لجنود مصريين قُتِلوا خلال حرب يونيو1967 تحت متنزه إسرائيلى.. نحن أمام جريمة حرب كاملة الأركان .

وكل ما فعله العدو أن يائير لبيد القائم بعمل رئيس الوزراء الإسرائيلى طلب من سكرتيره العسكرى التحقق من المعلومات التى نشرتها صحيفة يديعوت أحرونوت بشأن المقبرة الجماعية لجنود كوماندوز مصريين تعود لحرب الأيام الستة التى وقعت تحت ساحة موقف سيارات مينى باص بفلسطين فى منطقة اللطرون.

شكَّلت الكتابة ألماً لى. وأعتقد أن هذا الألم سينتقل لمن سيقرأ كلامى، فوجود مقبرة جماعية لـ 80 جندياً مصرياً قرب القدس، وقد علمنا عندما أعلنت رئاستنا المصرية عن اتصال تليفونى بين الرئيس عبد الفتاح السيسى والقائم بعمل رئيس وزراء إسرائيل يائير لبيد، تم خلاله التوافق بشأن إجراء تحقيق على أن يكون كاملاً وشفافاً بشأن الموضوع، والتنسيق مع السلطات المصرية حول مستجدات الأمر بغية الوصول للحقيقة.

وقد أعلنت سلطات بلادنا عن الأمر، وعن توقعها قيام إسرائيل بتحقيق كامل وشفاف بشأن ما تردد من أخبار فى الصحافة الإسرائيلية عن الوقائع التاريخية التى قالوا إنها وقعت خلال حرب 1967. الأمر يدور حول جنود مصريين مدفونين فى القدس. رئيس وزراء العدو الإسرائيلى أكد أنهم سيتعاملون مع الأمر بإيجابية.. وإن كنت أشك فى هذه الإيجابية.. وأعلنوا أنه سيتم التنسيق والتواصل مع السلطات المصرية بشأن الحكاية.

وأصل الحكاية وبدايتها أن صحيفة يديعوت أحرونوت كانت قد كشفت يوم الجمعة قبل الماضى لأول مرة عما وصفته بالتقرير الذى يكشف سراً أخفته إسرائيل 55 عاماً. وتمت الإشارة فى التقرير إلى وجود مقبرة لا يعرف عنها أي من الزائرين الذين يوقفون سياراتهم فى الموقف المجاور لمبنى إسرائيلى.. وتحظر الرقابة منذ نحو ربع قرن مضى أى 25 عاماً نشر أدلة حول حقيقة حفر مقبرة جماعية لعشرات من مقاتلى الكوماندوز المصريين الذين قتلوا فى المعارك حول كيبودز نحشون خلال حرب الأيام الستة.

ومنذ ذلك الحين خاض الكيبودز نقاشاً داخلياً حول ما إذا كان يجب الكشف عن اللغز أم لا؟.. لكن الذى حدث خلال الأسبوع الماضى أن الرقيب العسكرى الإسرائيلى وافق على نشر القصة لأول مرة تحت عنوان:
- هكذا تم قتل وإخفاء جنود ناصر النخبويين تحت المكان الذى تم تحويله ساحة لموقف سيارات لإحدى أشهر الحدائق فى إسرائيل.
الصحافة الإسرائيلية كشفت بالتفاصيل المؤلمة والمحزنة. حيث كتب الصحفى الإسرائيلى يوسى ميلمان عن مجزرة راح ضحيتها جنود مصريون فى حرب 1967، وقال فى سلسلة تغريدات على تويتر: بعد خمسة وخمسين عاماً من الرقابة الشديدة يمكننى أن أكشف أن ما لا يقل عن 80 جندياً مصرياً قد أُحرِقوا أحياء، وتم دفنهم بمعرفة الجيش الإسرائيلى فى مقبرة جماعية لم يتم وضع علامات عليها. ودون تحديد لهويتها. مخالفاً بذلك قوانين أسرى الحرب. وقد حدث كل هذا خلال حرب 1967.

هل لاحظت تناقضات العدو الإسرائيلى؟ وحجم المسافة بين ما يعلنه وما يفعله؟ وأنه قد تكون هناك مناقشة لما يتم إعلانه؟ لكن ما يفعله مرفوض شكلاً وموضوعاً. ويفرض علينا نحن المصريين مواقف محددة، وإجراءات لابد منها تجاه هذه الوحشية والعدوانية من العدو الإسرائيلى.
التفاصيل القادمة من عندهم كثيرة. ميلمان يقول إن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان قد وقَّع قبل أيامٍ من نشوب الحرب اتفاقية دفاع مشترك مع العاهل الأردنى الملك حسين بن طلال. الذى كانت تتبعه الضفة الغربية. وقد قامت مصر بعد الاتفاق بنشر كتيبتين من الكوماندوز فى الضفة الغربية بالقرب من اللطرون. كانت مهمتهم الأساسية الهجوم داخل إسرائيل والاستيلاء على اللد والمطارات العسكرية القريبة.

ثم حدث أن وقع تبادل لإطلاق النار مع جنود جيش العدو الإسرائيلى. وأعضاء الكيبودز نحشون، وهو تجمع زراعى. وتم أسر بعضهم عند نقطة معينة. وأطلق جيش العدو الإسرائيلى قذائف هاون وأضرمت النيران فى آلاف الدونمات غير المزروعة من الأحراش البرية. ومات ما لا يقل عن 80 جندياً مصرياً فى حريق الأحراش.

ونقل الصحفى الإسرائيلى عنزين بلوخ، البالغ من العمر 90 عاماً. والذى كان قائداً عسكرياً لكيبودز نفسه آنذاك قوله:
- لقد اندثر الحريق سريعاً فى الأدغال الحارة والجافة. ولم تكن لدى المصريين جميعاً أى فرصة للنجاة.

ويضيف بلوخ:
- فى اليوم التالى جاء جنود من الجيش الإسرائيلى مجهزون بجرافة إلى مكان الحادث وحفروا حفرة وقاموا بدفن جثث الجنود المصريين وغطوها بالتراب.
ونشر الموقع الإليكترونى لصحيفتى يديعوت أحرونوت، وجيروزاليم بوست الإسرائيليتين، تفاصيل متشابهة مع ما تم ذكره. وفى هذه التفاصيل المحزنة نقرأ أن سكان الكيبودز القريب شكوا من الرائحة الكريهة للقبر. وتحدثوا إلى وسائل إعلام إسرائيلية حول الحادث. لكن الجيش الإسرائيلى منع نشر الشهادة، ويضم الموقع الآن مكاناً سياحياً يعرض نسخاً طبق الأصل من المبانى التاريخية فى جميع أنحاء البلاد.

هل يحتمل الأمر أى تعليق منى؟ لا أعتقد. وثقتى مطلقة فى قيادتى الوطنية. فالرئيس عبد الفتاح السيسى لن يقبل بأقل من تحقيق إسرائيلى شفاف. رغم أنهم أبعد ما يكونون عن الشفافية حول الأمر من ألفه إلى يائه. وسيكون التصرف المصرى جزءاً من تاريخ الوطنية المصرية التى نحرص عليها جميعاً. ومهما اختلفنا فى أمور حياتنا. فهى من الثوابت والمقدسات التى لا يمكن الاقتراب منها. لكن عزيزى القارئ، هل لاحظت وحشية هؤلاء الأعداء؟ ومدى تدنى إنسانيتهم؟ وعدم تحضرهم وغياب الصدق من أفعالهم؟، فما بالك بأقوالهم.

لا أريد أن أستبق الأمور. وسأنتظر مع ملايين غيرى من المصريين والفلسطينيين والأشقاء العرب نتائج هذا التحقيق الذى من المفترض أن يقوموا به. وأن يبلغونا بما توصلوا إليه من خلال التحقيق من أمورٍ من المؤكد أنها مخجلة بالنسبة لهم. ولكنها قد تحمل بعض الراحة لنا إزاء ما جرى لشهدائنا فى حرب 1967، أى منذ أكثر من نصف قرن من الزمان.

لكن من المؤكد أن ذاكرة المصريين لا تسقط بالتقادم وأنها يقظة وحيّة. وأحفاد من شيدوا الأهرامات لا يمكن أن يتنازلوا عن حقوق شهدائهم على الإطلاق. فعندما نعود بالذاكرة لتلك الأيام سنكتشف أن إسرائيل هى المعتدى. وأن هؤلاء الشهداء الأبرار كانوا فى حالة دفاع عن بلدهم وأرضهم وتاريخهم وأنفسهم. والدفاع عن النفس حق مشروع لكل إنسان. ونحن نثق فى قيادتنا الوطنية الشريفة. نثق فى الرئيس عبد الفتاح السيسى، وما يقوم به، وما يفعله.

المنسى قنديل
سيظل من أحب عاداتى إلى نفسى البحث عن الكتب القديمة. رغم اختفاء كثير من الأماكن التى تعرضها. وهذا خطأ. فوجودها دليل حضارة وحياة. وجدت كتاباً قديماً للصديق محمد المنسى قنديل. عنوانه: عظماء فى طفولتهم. واضح أنه حلقات كان ينشرها فى إحدى المجلات العربية. فى الفترة الصحفية من حياته.

ومحمد المنسى قنديل موهبة فى الحكى، لم نتوقف أمامها ولا نهتم بها بالقدر المطلوب. وهو ينطلق فى هذا الكتاب المهم من قول العرب: الطفل أبو الرجل. وهذا يعنى أنه توجد فى داخل كل طفل منا ملامح الرجل الذى سيكونه فى المستقبل. وهو يتجول معنا بين الجاحظ، وصلاح الدين الأيوبى، وابن خلدون، وطه حسين، والعقاد، وعبد الناصر، وإديسون، وغاندى طارد الثعابين.

إن الكتاب المهم يقول إن أحداث الطفولة هى التى تحدد جزءاً كبيراً من شخصياتنا واتجاهاتنا بعد ذلك. لن أُحدِثك عن براعة قلمه. ولا صدق نظرته فى هذا الكتاب الذى يروى لنا عن طفولة 20 من عظماء التاريخ الإنسانى. من أدباء وعلماء وقادة. خاصة أنه يتوقف أمام ملامح النبوغ فى شخصياتهم عندما كانوا أطفالاً.

المنسى قنديل له نتاج روائى شيق وعذب وجميل. لو قرأت عملاً له ستبحث عن أى كتاب يحمل اسمه فى أى مكان تجده.

أدبيات الكرامة الصوفية
أهدانى الدكتور هيثم الحاج على رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب. صاحب الدور المهم فى دار النشر الأولى فى مصر وفى الوطن العربى. كتاب: أدبيات الكرامة الصوفية، دراسة الشكل والمضمون. وهو لصديقنا الدكتور محمد أبو الفضل بدران، المثقف الكبير والحاصل على جائزة الدولة هذا العام. والذى لا يغادر بلده فى جنوب الصعيد إلا للضرورة القصوى. ويعتبر أن الإقامة هناك فرض عين. يلزم نفسه بها دون إعلان عن ذلك.
يُهدى المؤلف كتابه إلى والده رحمة الله تعالى عليه، الذى شاهد كراماته وعلَّمه أشعار ابن الفارض، وحكى له عن كرامات الشيخ محمد الطيب الحسانى، وغيره من أصحاب الكرامات. قد أقول لك، وهذا حق المؤلف علىَّ أن الكاتب هو أستاذ النقد الأدبى بكلية الأداب بجامعة قنا جنوب الصعيد. وأنه كان الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للثقافة. ورئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة.

كما شغل منصب نائب رئيس جامعة جنوب الوادى، وعمادة كلية الآداب بقنا. وأنه تعرض لتجربة الغربة. فعمل مُدرساً للغة والنقد والأدب بكلية الألسن جامعة بوخوم بألمانيا. وحصل على منحة مؤسسة هيمبوليت العالمية. حيث ظل من 1994 إلى 1996 أستاذاً زائراً بكلية الأداب بجامعة بون. وأنه يقول الشعر. وله أربعة دواوين بالعربية. بل وكتب قصائد باللغة الألمانية التى من الواضح أنه يجيدها إجادة تامة.

هذا الكتاب المهم الذى لا يزيد سعره على الـ 35 جنيهاً فقط، رغم الأرقام الفلكية التى وصلت إليها أسعار الكتب مؤخراً. يُعد محاولة لدراسة أدبيات الكرامات الصوفية المدونة والشفهية. من منطلق نقدى يرى أنها نبع أدبى قد يكون أساساً من أسس تكوين القصيدة والرواية.

هذا الكتاب قرأت فيه عن أهم مصادر الكرامات التراثية والمعاصرة. وكذلك موقف المستشرقين منها. وموقف الفرق الإسلامية إزاءها. ثم يحلل شخصيات الكرامة المؤلف والرواى ومحقق الكرامة وشهودها. كما تعرَّض لوظائف الكرامة فى إثبات الولاية والتنفيس الإبداعى عن أفراد المجتمع.
إنه كتابٌ مهم، أنصحك بقراءته.