خبير آثار: تأمين موكب الحجيج عبر سيناء رسالة سلام سجلها الخلفاء المسلمون 

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار أن عدد حجاج بيت الله الحرام عبر وسط سيناء إلى مكة المكرمة قديمًا تراوح ما بين 50 إلى 300 ألف حاج سنويًا وكانوا يواجهون مشكلات فى الطريق أهمها نقص المياه لأن الآبار الموجودة بالطريق محدودة جدًا ويكاد ينعدم فى المنطقة الصحراوية بين حافة التيه وخليج السويس وفي اتساع هضبة التيه والآبار الموجودة في سيناء تقع حول نخل وبعض آبار متفرقة حول الثمد وهذا الماء لا يشربه المسافر إلا مضطرًا لقلة عذوبته وكثرة أملاحه.

ويوضح الدكتور ريحان أن السلاطين والأمراء المسلمين حرصوا على معالجة هذه المشكلة طوال العصور الإسلامية ففى عام(79هـ / 698م) أرسل الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان أموالًا مع أمير الحج من أجل إنفاقها على كل من تضرر من الحجاج ولقد تضرر هذا العام حجاج الركب المصرى بسبب هطول أمطار غزيرة فى طريق الركب، وفى سنة (91هـ / 709م) أمر الخليفة الوليد بن عبد الملك بتمهيد طريق ركب الحجاج المصرى وحفر الآبار فى محطات الطريق وفى سنة (104هـ / 722م) أمر الخليفة يزيد بن عبد الملك بحفر الآبار فى طريق ركب الحاج المصري.

ويتابع بأنه في عام (135هـ/ 752م) أمر الخليفة أبو العباس عبد الله بن أحمد الملقب خطأ بالسفاح  بإصلاح طريق الركب المصرى وحفر الآبار فى منطقة الوجه وفى عام (137هـ/ 754م)  أمر الخليفة أبو جعفر عبد الله المنصور عامله على مصر بأن يقوم بتوزيع أعطيات للأعراب القاطنين بطريق الحاج المصرى كما أنه أمر ببناء المساجد فى هذا الطريق.

وفي عام (165هـ / 781م) أمر الخليفة أبو عبد الله محمد المهدى صاحب البريد فى مصر بإقامة محطات للبريد فى طريق الحاج المصرى ووزع فيها البغال والحمير الخاصة بهذا الغرض، وفي عام (175هـ / 791م) أمر أبو جعفر هارون الرشيد عامله فى مصر بإصلاح طريق الحاج وتوزيع أموال على الأعراب القاطنين فى الطريق، وفى سنة (260هـ / 873م) أصلح أحمد بن طولون طريق الحاج ووزع أعطيات على الأعراب.

ويشير الدكتور ريحان إلى أنه فى عام (325هـ / 936م) اهتم محمد بن الإخشيدى بطريق الحاج وفى سنة (410هـ / 1019م) أعاد الحاكم بأمر الله إصلاح طريق الحاج، وفي سنة (555هـ / 1160م) حج أسد الدين شيركوه مع حجاج الركب المصرى ووزع أعطيات كثيرة على الأعراب .

وفي عام (572هـ/1176م) أرسل صلاح الدين الأعطيات والصداقات لتوزيعها على سكان أهل القرى المجاورة لمكة ولسكان مكة وألغى المكوس التى كانت تؤخذ من الحجاج من قبل والى مكة والأعراب الموالين له، ولقد دفع لوالى مكة ألفي دينار وألفي أردب من القمح وغدت تدفع وتحمل إلى والى مكة كل عام، وفي عام (648هـ /1250م) أرادت شجر الدر الحج وفضلت الذهاب عن طريق البر فأمرت بإصلاح الطريق وحفر الآبار وبناء البرك على طول طريق الحاج المصرى ووزعت الأعطيات على الأعراب وقد جاء فى وصف المحمل الذى احتفل به لأول مرة احتفالًا رسميًا فى عهد شجر الدر أن أعظم ما أشتمل عليه هي كسوة الكعبة بما تشمل عليه من كسوة مقام الخليل إبراهيم عليه السلام وبيارق الكعبة والمنبر وكانت الكسوة تعرض فترة عشرة أيام فى الحرم الحسينى ثم تخرج فى احتفال رسمى حتى تصل بركة الحاج.

وينوه الدكتور ريحان إلى قمة ازدهار طريق الحج عبر سيناء زمن  سلاطين المماليك ففى عام (667هـ / 1269م) أرسل السلطان بيبرس 200 ألف درهم إعانة من مصر إلى الحجاز، وفى عام 1319م خصص المنصور سيف الدين قلاوون (678-689هـ/1279-1290م) إيراد بعض القرى المصرية والسورية لصالح شريف مكة، ووقعت معاهدة تعهد فيها شريف مكة بأن يعلّق على الكعبة الكسوة الشرعية الواردة من مصر فقط دون غيرها وألا يذكر فى الخطبة إلا اسم السلطان المصرى .

وأن عدد الحجاج الكبير عبر سيناء يشير إلى مقدار النشاط الذى كان يجرى فى سيناء ومدى اهتمام السلاطين المماليك بشئونها وكان العلم المصرى يرفرف فوق المحمل فى عهد المماليك وكان لونه أصفر، وقدرت قيمة الكسوة المرسلة سنويًا من مصر بثلاثمائة دينار وفى أيام الناصر محمد بن قلاوون فى الفترة الثانية (698-708هـ/1299-1309م) قام الأمير ملك الجوكندار بإقامة صهاريج وآبار بطول الطريق حيث أقام خان للمسافرين وبئرًا وساقية بعجرود وفجّر ينبوعًا فى نخل.

 وفى عهد قانصوه الغورى (906- 922هـ/1501-1516م) أصلح منشئات الناصر محمد فجدد الخان والبئر والساقية بعجرود وبنى أحواضًا تسقى الحجاج ودوابهم ومهّد طريق الحج كما ورد فى النص الخاص به فى منطقة دبة البغلة وأنشأ قلعة نخل وقلعة العقبة لراحة الحجاج.

وانتظم الحج فى العهد العثمانى وتكونت له إدارة سهلت على الحجاج قيامهم بفروضهم الدينية، وقام السلاطين بتنظيم المنح لأعيان مكة وأهاليها، وسافرت أول قافلة بعد الفتح العثماني لمصر (922هـ/1517م) ووضع المحمل العثمانى والمحمل المصرى على جانبى مدرسة قايتباى فى مكة المكرمة ، وتقررت لحراسة المحمل قوة عسكرية من 60 إلى 100 جندى نظامى .

ويشير الدكتور ريحان إلى موكب قافلة الحجيج حيث كانت القافلة تغادر مصر على النظام الآتي: الرسميون ثم الأعيان ثم الحجاج، أما صندوق المال والمؤن والنساء والبضائع الثمينة فقد كانت توضع فى وسط القافلة ويتبعها ركب الحجاج العاديين من غير الرسميين والأعيان، وقد تقرر مرتب خاص لرئيس المحمل قدره 18 ألف دينار و ألف أردب من القمح وأربعة آلاف أردب من الفول ويرافق أمير الحاج عدد من الموظفين والخدم والحاشية.

وكان يرافق المحمل أمين السرة (صندوق المال) الموكلة إليه حمل الإعانة إلى الحجاز ويتسلم شريف مكة السرة ومعها فرمان السلطان أمام أمير الحاج وقاضى مكة والأعيان ثم يقرأ الفرمان بصوت عال والذى يوصى كل خير بالحجاج ويطلب حمايتهم ويعيد إلى الذاكرة روابط التبعية بين الشريف والباب العالى ثم يتم توزيع الأموال .

ويتابع بأن مصاريف حج عام (940هـ/ 1534م)150 قد بلغت ألف دينار أشرفى يضاف إليها 550 كسوة لمشايخ البدو وذلك بخلاف مقطوعيات القمح والسكر التى كانت توزع على أهل الحجاز، كما كانت توزع الكساوى على الأعيان بمقدار 127 قطعة جوخ، 105 معاطف 11 قطعة قماش.

وكانت سوق التجارة فى مكة أعظم سوق فى العالم فى الأيام العشرة التى يقضيها الحجاج فى المدينة المقدسة، وكان تبادل تجارة الهند ومنتجات الشرق يقدر بملايين من الدينارات وترسل تلك البضائع مع المحمل أو إلى جدة رأسًا لنقلها من هناك إلى السويس، أما جدة فهى الميناء التى تتجمع فيها غلال مصر وخضرواتها وتجارة الهند والقهوة اليمنية.