خبير آثار: قافلة الحجيج عبر سيناء مجتمع متحرك إلى أقدس مكان

صورة موضوعية
صورة موضوعية

أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار، أن طريق الحج عبر سيناء كان منظومة حضارية متكاملة داخل مجتمع متنقل حيث يقود القافلة أمير الحاج وهو القائد العام للقافلة كلها، وكانت مهمته اختيار زمن التحرك وسلوك أوضح الطرق وترتيب الركب فى المسير والنزول والحراسة وقتال من يتعرض للقافلة ومن أشهرهم الأمير سلار نائب السلطنة ، وكان أميرًا للحاج عام 703هـ وكان له فضائل عديدة حتى عم الخير فدعوا له "يا سلار كفاك الله شر النار".

وأشار الدكتور ريحان إلى أنه كانت هناك حكومة مصغرة ترافق موكب الحجيج، تضم ممثلا للسلطة العسكرية وهو أمير الحاج والسلطة القضائية وهو قاضى المحمل، ووزارة التموين ممثلة فى شاد المخازن والكيلار (القبانى)، للتقسيم العادل للمؤن طوال الرحلة ومشرفون على ملء المياه وتوزيعها ونظافة الأوعية الجلدية التى تحمل فيها المياه وهم شاد السقائين ومهتار الشراب خانه ومهتار الطشت خانة ومشرفون على طهى الطعام مثل شاد المطبخ والطباخون.

وتابع بأن وزارة صحة متنقلة كانت ترافق الحجيج، وتضم طبيب صحة وجراح (الجرائحى) وطبيب عيون وبعض الأدوية علاوة على الطب البيطرى، حيث كان هناك شخص مهمته مراقبة الدواب وحالتهم الصحية يطلق عليه أميراخور ومعه طبيب بيطرى، علاوة على الخدمات المرتبطة بالموكب.

ونوه الدكتور ريحان، إلى وجود مقدم الضوئية وهو قائد حاملى المشاعل التى توقد بالزيت وبعضها بالخشب، ومقدم الهجانة الذى يشرف على أكسية الجمال التى تتصف بشيء من الأبهة للحرص على جمال القافلة أثناء السير، وهناك الشعراء وهناك الميقاتى لتحديد مواعيد الصلاة والمؤذن والوظائف الصغيرة كالخباز والنجار ومغسلى الموتى.

كما كان هناك رجل إعلام يرافق موكب الحجيج يمثل أول وكالة أنباء فى التاريخ، وهو شخص مكلف بالكتابة عن كل أخبار الرحلة وما صادفهم من صعوبات ومشاكل وعدد الوفيات، وهو أول من يسرع إلى الحاكم بعد عودة الحجيج سالمين ليقدم تقريرًا كاملًا عن الرحلة.

ولم تخل الرحلة من المشاعر الروحية الفيّاضة، فكان يرافق الموكب الشعراء الذين كانوا يترنمون بالأشعار الدينية فى جو البادية الممتدة، والتى تمنحهم الخيال الخصب برؤية الكعبة المشرفة أمامهم طوال الرحلة تنادى على عمارها فيلبون النداء لبيك اللهم لبيك.

وكان هناك طريقًا للحج عبر وسط سيناء استخدم منذ بداية العصر الإسلامى وتميز بوجود ثلاث مراحل زمنية، المرحلة المبكرة امتدت من الفتح الإسلامى حتى أواخر حكم الفاطميين وكانت منطقة جب عميرة (بركة الحاج) بداية هذا الطريق فى كل مراحله، وكانت الرحلة من العاصمة إلى عقبة أيلة تستغرق تسعة أيام، وكانت هذه المدة مقسمة إلى ثلاث مراحل متساوية ، طول كل مرحلة ثلاثة أيام.

ومنذ عام 675هـ فى عهد الظاهر بيبرس كان يدور المحمل بالقاهرة دورتين، الأولى فى رجب لإعلان أن الطريق آمن لمن أراد الحج، والثانية فى شوال ويبدأ الموكب من باب النصر وكان الناس يخرجون للفرجة على المحمل الشريف.

 ويوضح الدكتور ريحان، أن رحلة الحجاج فى هذه المرحلة كانت تبدأ من بركة الحاج وهناك موقع بالقاهرة بهذا الاسم حتى الآن وكانت القافلة تتزود بما يلزمها من طعام ومياه تكفيهما فى هذه المرحلة على الأقل حتى الوصول إلى عجرود للتزود بالمياه وتتميز عجرود بقربها من القلزم (السويس) مما يجعل منها سوقًا لقوافل الحج كما أنها تتصل بمدينة بلبيس عبر وادى الجفرة مما مكنها من احتلال موقع هام على الطريق الواصل بين بلبيس وشرق الدلتا من ناحية وبين موانئ مصر على رأس خليج السويس من ناحية أخرى، وتمر عليها القوافل العربية التى احترفت نقل الغلال من شرق الدلتا إلى موانئ التصدير ويفد على عجرود مجموعة من التجار للاستفادة من مرور قافلة الحج بها كل عام.

ثم تتجه القوافل من عجرود إلى السويس ومنها نحو الجنوب مع ساحل خليج السويس وصولًا إلى عيون موسى بهدف التزود من مياهها العذبة الغزيرة نسبيًا ومنها إلى وادى صدر (سدر) ثم الصعود فى بطن الوادى إلى أعاليه حيث عين صدر للتزود بالمياه ومنها إلى سطح هضبة التيه ثم يجتاز الروافد العرضية المتصلة بوادى العريش ومنها إلى نخل ويتميز هذا الطريق بقلة الكثبان الرملية وضيق نطاقها مما يسهل السير فيها.


ثم تستكمل قافلة الحجيج طريقها إلى نخل وعقبة أيلة وهى المرحلة الأخيرة من الدرب داخل الحدود المصرية حيث تجتاز القوافل باقى سطح هضبة التيه فى قسمها الشرقى (شرقى نخل) مستفيدة من الأودية الفرعية لوادى العريش كمسارات عرضية ومواضع توجد بها بعض أشكال أو صور المياه تحت السطحية حتى وإن قلت فلها أهميتها وقد أعطت هذه الموارد المائية محطات الطريق أسماءها مثل بئر الثمد وبئر القريص إلى رأس النقب أو سطح العقبة ومنها إلى دبة البغلة ومنها إلى سطح العقبة ثم الأراضى الحجازية إلى مكة المكرمة.

 ونوه الدكتور ريحان إلى دور صلاح الدين الأيوبى فى حماية طريق الحج حيث كان درب الحاج المصرى عبر سيناء خلال الفترة الأيوبية خاصة فى عهد صلاح الدين طريقًا حربيًا فى المقام الأول  لذلك كانت محطاته تتوافق مع هذه الوظيفة من قيام قلاع وحصون فى أهم المحطات الإستراتيجية خاصة فى بداية الدرب عند عقبة أيلة وفى جزيرة فرعون المقابلة لها ثم فى وادى صدر حيث قلعة صدر (قلعة الجندى) .

وفى أحداث عام (570هـ / 1174م) ورد ذكر درب الحاج المصرى كمسار سار عليه صلاح الدين قاصدًا الشام لتملك دمشق فخرج إلى بركة الحاج ثم سار على صدر وأيلة فى 700 فارس وفى أوائل المحرم (570هـ /1174م) خرج صلاح الدين متوجهًا إلى الشام فجعل طريقه على أيلة ومعه خلق من التجار وعبر محطات طريق الحاج الحاج المصرى عبر سيناء بداية من بركة الحاج كبداية ثم قضاء ليلة فى البويب ثم اجتاز جسر القلزم (السويس) إلى عيون موسى إلى وادى الأحثا جنوب عيون موسى إلى وادى صدر وعين صدر وبعد خمس ليال من موعد خروجه من القاهرة وصل إلى عقبة أيلة.

وقد قام السلطان صلاح الدين بحماية قوافل الحجيج إلى بيت الله الحرام تمثلت فى دحر حملة أرناط الأمير الصليبى أمير حصن الكرك الذى هدد طريق الحجاج فى عام( 578هـ / 1182م) وكان يهدف إلى توجيه ضربة حربية قوية لصلاح الدين تستهدف إعادة السيطرة على قلعة أيلة فى جزيرة فرعون ثم الإبحار فى بحر الحجاز للوصول إلى موانئ الحجاز وميناء عيذاب على البحر الأحمر بهدف قطع طريق الحج المصرى وكانت الحملة فى زمن الحج وكذلك الاستيلاء على مراكب التجار القادمة من اليمن وتخريب الموانئ والنزول إلى البر المصرى لاختطاف ما فى القوافل العابرة لصحراء مصر الجنوبية الشرقية بين عيذاب وقوص بل والوصول إلى الأراضى المقدسة فى موسم الحج مما يضاعف من خطورة الحملة وآثارها المدمرة لو نجحت فى تحقيق أهدافها .

ويتابع الدكتور ريحان بأن أرناط انتهز فرصة غياب صلاح الدين عن مصر ونجح فى تصنيع السفن ونقلها إلى أيلة حيث ركبت وشحنت بالرجال وآلات الحرب وبدأ بمحاصرة القلعة فى جزيرة فرعون بمركبين بهدف تضييق الخناق على المدافعين بها بقطع المياه والمعونة حتى الاستسلام وأما الفريق الآخر من سفن أرناط فقد اتجهت لمياه البحر الأحمر لتنفيذ مهامها التخريبية فى الموانئ المصرية والحجازية وعلى الطرق البرية القريبة وحين وصلت أخبار هذه الحملة إلى القاهرة حيث نائب السلطان (الملك العادل أبو بكر أيوب) أمر الحاجب حسام الدين لؤلؤ بعمارة مراكب فى بحر القلزم وشحنها بالرجال وسار بها إلى أيله ففك الحصار البحرى حول القلعة وأحرق سفن الصليبيين وأسر من فيها من الجند وواصل الأسطول الأيوبى ملاحقة مراكب الصليبيين فى البحر الأحمر وحال دون تقدمهم فى بلاد الحجاز وأسر من تبقى منهم على قيد الحياة مع إخلاء سبيل من أسر من التجار المسلمين ورد لهم ما أخذ منهم .