علاء عبدالوهاب يكتب: الخيط المجدول

علاء عبدالوهاب
علاء عبدالوهاب

ثمة فوارق تميز بين أمة وأخرى على أساس الميراث الحضارى، لكن تظل العبرة بالمدى الذى يمثله ذلك فى كونه رافدا يدعم حاضر الأمة، إذ الركون إلى اجترار ما يدعو للفخر من صفحات التاريخ فقط، ربما يقود لأثر عكسى!

بالقدر الذى يعيه الإنسان فى كيفية استثمار تراثه التاريخى الإيجابى، فى ترشيد سلوكه، واستدعاء النماذج الجديرة بأن تكون قدوة، وإزاحة الغبار عن القيم الطيبة، يكون تمثل الخصوصية الحضارية فى مصلحة الراهن والآتى..  بينما الاكتفاء باجترار ما يدعو للفخر عبر القرون، والمباهاة بانتصارات الأجداد، وما سطروه من صفحات خالدة، يعنى الكسل عن الإنجاز، والانطواء على الذات دون أن يمد الإنسان بصره ليربط بين ماضٍ رائع، ولحظة حاضرة بإمكانه أن يصنع منها إضافته، ليرتفع مجمل الرصيد الحضارى للأمة، وليكون بإمكانها أن تساهم فى رسم المشهد المستقبلى للإنسانية.

التوازن المطلوب بين الفخر بميراث حضارى عظيم، وحتمية بناء صروح شامخة فى الحاضر والمستقبل، يتطلب إعلاء العديد من القيم فى مقدمتها العمل، العلم، التفكير، النظام، العدل، الحرية،...،...

قيم غاب بعضها، وشحبت أخرى، وتصور البعض أنه بالإمكان تجزئتها، مما كان له نتائج سلبية خطيرة، لا تخصم من رصيد الحاضر فحسب، لكنها قد تكون مدعاة للتشكيك فى مدى انتماء الأمة لتاريخ لم تحافظ على عظمته!

الاحترام الحقيقى للميراث الحضارى لأمة يعنى القدرة المتجددة على سد أى فجوة بين ما استطاعت أجيال سبقت أن تصنعه، وأجيال حاضرة فى استكمال مسيرة البناء والإنجاز الذى يبتعد عن الشكلية والمظهرية..  ثمة انفصام تتعدد مظاهره بين شعارات يجيد رفعها من يباهون بالماضى التليد، وعجزهم الفعلى عن العمل المثمر والإنتاج المتميز، لغياب قيم مهمة عن إدراكهم كاحترام الوقت، والانتماء، والتعاون، والأمانة،...،...

خيط مجدول، أو حبل متين، منسوج من القيم التى تشكل معايير السلوك الإنسانى السوى الذى دون تحدث القطيعة الحضارية، ولا يجدى معها المباهاة بميراث الأجداد، فالإنسان حين يكتفى بالعيش على أمجاد ماضيه، يعجز عن إنجاز حاضره كما يطمح، ومن ثم تتراجع خطواته، فلا يلحق بالمستقبل الذى يأمله، ويتطلع ليكون ضمن القادرين على صنعه.