«أيوب» يسكن بجواري.. يحتاج إلى المساعدة

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

«لاتسمع له همسا، يعبر من أمامك كالطيف، يلقى عليك التحية ممزوجة بابتسامة البراءة ثم يتبعها بنظرة خجل إلى الأرض، وبعدها يستكمل طريقه إلى حيث يريد».. هكذا كان جارى.

القصة بدأت منذ 7 أعوام عندما أطل علينا فى العقار، رجل فى منتصف الأربعين من عمره، حضر بصحبة زوجته وطفليه، وسكن الشقة التى تجاورني، ظل معزولا عن باقى السكان، لكن من كان يتعامل معه يثنى عليه، يتغزل فى تواضعه وكرمه .

كثيرا ماحاولت التقرب منه ، بعد أن علمت أنه شاعر ومثقف وأديب ، ووطنى حتى النخاع ، عمل فى أعظم مؤسسة لخدمة بلده ، وخرج مبكرا على المعاش مجبرا بسبب المرض ، لكنه سخر ماتبقى من حياته لخدمة أسرته الصغيرة التى ظل سنوات ينتظرها .

إقرأ أيضًا | رفعت الجلسة | سر تحمله فتاة

بعد عامين.. أغلق باب منزله فجأة ، وجدته يحمل حقائب ملابسه هو وأسرته ، وينتظران سيارة لنقلهما إلى سكن آخر .
تعجبت من هذا القرار المفاجئ ، سألته ماذا حدث ؟ ، لكنه اكتفى بابتسامته المعهودة، عدت وسألته مرة أخرى إلى أين تغادر؟ ..أخبرنى برد مقتضب إلى أحد أحياء المعادى ، سكن جديد ، قريبا من دراسة ابنائى .

مرت أعوام دون أن نلتقى ، فقد انشغلت بعملى ، وسفرى المتكرر ، لكن جاءنى طائف غريب ، مر أمام عينى شريط الذكريات القليلة التى عايشتها مع هذا الجار الفاضل ، تذكرت أدبه وعلمه ،وجيرته الحسنة ، قررت الاتصال به ، رد وتذكرنى جيدا ، تحدثنا قليلا عبر الهاتف ، ثم عرضت عليه زيارته فى منزله ، لم يتردد ،وافق ،فأنا أعلم كرمه وترحيبه بضيوفه .. لم انتظر كثيرا ، تحركت بسيارتى إلى العنوان الذى أرسله لى ، شقة بسيطة فى أحد أحياء المعادى ، أثارت انتباهى المنطقة التى يسكن بها ،وأخذت التساؤلات تدور فى عقلى ، ماذا حدث لينتهى المطاف من سكن فاخر إلى شقة بسيطة بهذا الشكل؟

صعدت على قدمى ، وصلت إلى المنزل ، طرقت باب الجرس ، فتح ابنه ، رحب بى ،أجلسنى فى حجرة الضيوف ، ثم اخبرنى ان والده فى الخارج ، يشترى بعض الفاكهة ..وبعد دقائق حضر الأب ، ومازالت ابتسامته وخجله لايغادران وجهه البشوش .

تحدثنا معا لساعات ، بعدها غادرت المنزل، وانا فى طريقى الى خارج العقار ،التقيت بعم محمد «ساعى « الشركة التى أعمل بها ، رحب بى كعادته ، وأقسم على أن يستضيفنى فى منزله بذات العقار ، أخبرته اننى كنت أزور صديقا وجارا لى فى الدور الثالث ، لم استكمل حديثى ، حتى أخبرنى عم محمد» تقصد أستاذ. م. اللى فى الدور الثالث « قلت نعم » قال : الراجل داه بطل ، وربنا يصبره
اثار انتباهى حديث عم محمد ، سألته على أى شىء يصبر ..

قال « هذا الرجل مر ومازال يمر بظروف صعبة لايستطيع أحد مهما كانت قوته وجلده تحملها ، كنت أعرض عليه المساعدة يخبرنى انه ابتلاء من ربه ، والصبر هو الحل والمفتاح ،.

وأضاف « ظل ذلك الرجل 13 عاما ينتظر مولودا هو وزوجته «المريضة » ، انفقا ميراثهما على العمليات ، حتى رزقهما الله بطفلين يعيشان معه الآن ».
وتابع « خرج على المعاش المبكر ، بعد أن اصيب بالتهاب فى النخاع الشوكى وضمور بعضلات الساق اليسرى ، جعلته قعيدا لمدة ثلاثة أعوام فى المستشفى».

بعد خروجه من المستشفى وتماثله للشفاء قليلا ، أصيبت زوجته بمرض عضال مزمن تسبب فى ارتفاع ضغط الدم عرضها لجلطات متكررة، لم يستطع تحمل تكاليف علاجها ، باع شقتين كان يمتلكهما من أجل الانفاق عليها ، ولكن حالتها كانت تسوء أكثر وأكثر ، قرر ان يقترض من بنك ناصر الاجتماعى مقابل استقطاع جزء من معاشه ، وبالفعل حصل على قروض وصلت قيمتها 200 ألف جنيه ، إلا أن زوجته لم تستطع مقاومة المرض وغادرت الحياة وتركته وابنيه .

المحنة الرابعة ، هى ابنته ، التى اقترب عمرها من الثلاثين عاما ، ومازالت ترفض كل من يتقدم إلى خطبتها ، فهذه الفتاة المثقفة ، تدرك محنة والدها جيدا وعدم قدرته على تحمل تكاليف زواجها، لذلك

مرت بحالة نفسية سيئة ، وكادت أن تقود نفسها للانتحار لولا تدخل والدها .. ويضيف عم محمد: مشكلة هذا الرجل إنه «أيوب » صابر ، يحاول بكل الطرق ان يتحمل كل الابتلاءات التى تأتى إليه ، يغلق بابه على اسرته ، ولايمد يده لاحد . .هو مديون بآلاف الجنيهات ، ومطالب بتجهيز ابنته ،ورغم ذلك يحاول فى صمت.. أنهيت حديثى مع محمد، وعدت مسرعا إلى منزل ذلك الأب الصابر ، طلبت التحدث معه بانفراد ،، قصصت كل ماذكره لى عم محمد عن الظروف التى يمر بها ، وبعد إلحاح ، قص لى مأساته ، وتبع ذلك بكلمات الصبر وأن فرج الله قريب .

لعنة الفقر .. وجمال الصبر

حصلت على هاتف ذلك الأب الصابر ، تحدثت معه ، أخبرته أننى أريد مقابلته فى الجريدة ، وعليه إحضار بعض الأوراق ، معه ، استغرب من حديثى ، لكننى فوجئت بحضوره وبصحبته الأوراق المطلوبة ..تحدثنا معا ، شرحت له أن جاره وصديقه تواصل معى و قص لى مأساته بحلوها ومرها .
وجدته يبكي، تأثرا بما قلته له، ورغم ذلك لم يطلب سوى الدعاء له بالصبر وفرج الهم وسداد الدين.

أملى أن تساعدوه وتتحملوا جزءا من الظروف التى يعيشها ، لديه ابنة تحتاج إلى شراء تكاليف جهازها وعرسها ، وديون ليس أمامه سوى السداد ..ساعدوه فهو ممن اختصهم الله باستحقاق الصدقات عندما قال «والذين لايسألون الناس إلحافا».. هذا الرجل منهم.
لدى بيانات هذا الرجل لمن يريد المساعدة