عسل في الكوز

حظ نورا البمبي.. وبخت نيّرة الأسود

عبدالصبور بدر
عبدالصبور بدر

منذ 25 عاما كان هناك طالب في كلية التربية بقنا اسمه سيف، ارتبط بقصة حب من طرف واحد مع زميلته نورا، دون أن يخبرها بالنيران التي تشوي قلبه كل ليلة، وهو يرى نفسه أبعد ما يكون عنها، ويراها أقرب ما تكون إليه.

لم يحاول سيف – ولو – مرة واحدة أن يعبر لها عن عواطفه الصادقة.. كان يظن أنها ملكة متوجة، وأنه مجرد شخص من العامة محظور عليه التحدث إلى الملكات، وكانت الدفعة كلها تقريبا تعرف أنه عاشق ولهان، في الوقت الذي لا تعرف نورا شيئا عن المسألة!

كانت نورا بلغة التسعينات فتاة "روشة"، مرحة، تتقافز كالفراشة، وتختار ملابسها على الموضة، وفي المقابل كان سيف شخصا عاديا رزينا، يرتدي ملابس كلاسيكية، ويميل إلى الحزن والكآبة، ولن يستطيع مجاراتها في الحياة التي تعيشها بدون قيود.

نصحنا سيف أن يخبرها بمشاعره، ويريح أعصابه، لكنه رفض، وهو يقول لنا إن نورا قمر في السما وأنه مجرد حجر على الأرض وما أكثر الحجارة على الأرض.

كان من المستحيل أن تشاهد نورا في مكان داخل الكلية دون أن يكون "سيف" على الطرف الآخر ينظر إليها من بعيد متيما بعينين لا تطرف حتى لا يفوت "فمتو" ثانية لا يراها فيها، أما التطور في القصة فقد حدث حين قرر سيف تقليص المساحة بينهما ليصبح على بعد خطوتين فقط منها!

في يوم من الأيام وجدت سيف يقف تحت شجرة، وقد تحولت يده إلى شماعة يعلق عليها "جاكت"، وبيده الأخرى أخذ يمسح على الجاكت بحنيه وكأن قماشته مصنوعة من خد نورا، كان سعيدا جدا، وفي حالة عجيبة من الانشكاح، وحين سألته عن السبب، أشار إلى شاب يقف بالقرب منه وهو يقول لي:

- الجاكت ده بتاع أحمد.. بس هو حرّان فقلعه وناولهوني عشان ياخد راحته مع نورا

- نورا مين؟

- حبيبتي!

- وأحمد ده واقف مع نورا ليه ؟

- عشان بتحبه.

- وانت موافق كده عادي؟

- هاعمل أيه بس.. أنا على قد حالي.. وعمرها ما أخدت بالها مني.. وهو زي ما انت شايف.. يستاهلها!

- وانت بقا خدام جنابه .. ولا الدولاب بتاعه؟!

ضحك وقال لي: أحمد بيحب المنظرة.. وأنا بحب نورا.. وطول ما انا متصاحب عليه هافضل أشوفها، وأملي عيني منها.

أما اللحظات الصعبة في القصة فقد جاءت في امتحانات السنة النهائية، وسيف يواصل البكاء كل ليلة، ودموعه لا تجف على وجهه، لأن نورا سوف تغادره إلى الأبد في صحبة خطيبها أحمد، رأيته يتلوى على سريره من الألم وهو يستمع إلى أغنية الفنان إبراهيم عبد الرازق "مع السلامة ياغالى وداع يافرحة عينى.. يارب اشوفك عالى واملى منك عينى"

لم يخطر في بال سيف أبدا أن يكون سببا في شقاء نورا، كل ما كان يشغله أن تكون سعيده في حياتها مع الأشياء التي تفضلها، والشخص الذي اختاره قلبها، وفي ظني هذا هو المعنى الحقيقي للعشق.

أما محمد عادل فهو لم يحب نيّرة كما يقول.. لأن الحبيب لا يمكن أن يكون – أبدا - مصدرا من مصادر الأذى لمن يحب، والحب من المستحيل أن يكون دافعا للقتل، كل ما في الحكاية أن محمد عادل أحب نفسه فقط، عشق نفسه بجنون، حتى أنه لم يقبل فكرة أن ترفضه نيرة، وعندما ذبحها كان يريد أن يتخلص من الفكرة لأنه أناني حتى النخاع، والأنانية مصدر تعاسة البشرية.  

حظ نورا البمبي أن في حياتها رجل مثل سيف، وبخت نيّرة الأسود أن محمد عادل وقع في طريقها لينهي حياتها، ويحتفظ بأنانيته.