المصالحة مستحيلة بين الدولة والجماعة الإرهابية

حمادة إمام يكتب: حتى لا تتكرر قصة مأساة السلحفاة والعقرب!

الكاتب الصحفي حمادة إمام
الكاتب الصحفي حمادة إمام

المصالحة مستحيلة بين الجماعة والدولة فقد حاولت الدولة منذ أيام عبد الناصر المصالحة مع الإخوان.. ثم السادات.. ومبارك وأيام المجلس العسكرى.. وحاولت فتح حوار معهم.. ولكن الجماعة دائما تعود إلى سيرتها الأولى فى ممارسة الإرهاب.. والعنف.. لهذا أقول المصالحة مستحيلة!!

 

اتذكر قصة السلحفاة والعقرب كلما جاء ذكر المصالحة مع جماعة الإخوان.. فقد وافقت السلحفاة على حمل العقرب فوق ظهرها والعبور به للشاطئ الآخر من النهر..

وفى الطريق لدغها ولما سألته لماذا فعلت ذلك؟

ألا تعرف أنك بفعلك هذا ستغرقنا نحن الإثنين؟

فقال العقرب: إنه طبيعى.. والطبع غلب التطبع؟

هكذا التصالح مع الإخوان..

لقد مدت الدولة يدها 4 مرات.. وحاولت فتح حوارات معهم مئات المرات منذ أيام عبد الناصر.. والسادات.. ومبارك وأمام المجلس العسكرى.. وفى كل مرة تخون الجماعة عهدها... وتعود لسيرتها الأولى للعنف والإرهاب نهاية عام69فوجئ اللواء ابراهيم حليم مفتش مباحث أمن الدولة‏ فى ذلك الوقت اثناء زياته لاحد أصدقائه بمحافظة الغربية بسيارة رئيس الجمهورية‏ أمام أحد المنازل فاندهش وزاد اندهاشه لما عرف انها تقف أمام منزل مملوك للقيادى الإخوانى الدكتور محمود جامع!!

وعلى الفور كلف مفتش مباحث أمن الدولة وقتها الرائد حامد محمد أحمد بمراقبة المنزل،‏ ومعرفة ما يدور بداخله‏،‏ بعد أن عرف أن السادات يجتمع عنده‏،‏ كل ليلة‏،‏ بعدد من الرموز والقوى السياسية‏.

ذهب إبراهيم حليم‏ وأخبر اللواء شعراوى جمعة‏‏ وزير الداخلية فى ذلك الوقت الذى غضب كثيرا‏‏ وقال ما معناه كيف أنه وزير داخلية ولا يعرف تحركات ولا خط سير رئيس الجمهورية بالإنابة‏ .

وكانت تعليمات شعراوى جمعة هى

رصد عن بعد وتحديد أسماء كل العناصر التى تحضر الاجتماعات ، وشدد عدم اختراق هذه الاجتماعات إلا بتعليمات مباشرة منه!!

كان السؤال وقتها هل نائب رئيس الجمهورية على اتصال بعناصر إخوانية دون علم رئيس الجمهورية ؟

اللواء فؤاد علام‏،‏ فى كتابه الإخوان وأنا‏: يؤكد علام أن هذه الاتصالات السرية مازالت لغزا غامضا حتى الآن رغم أن من صنعوها وشاركوا فيها مازال بعضهم على قيد الحياة ولكنهم يرفضون الحديث عنها أو كشف أسرارها‏،‏ ويؤثرون السلامة‏.

وكانت المفاجأة أن الاجتماعات توقفت بعد إخطار شعراوى‏،‏ ولم نرصد أى اتصالات أخرى بين أفراد هذه المجموعة أو بينهم وبين السادات‏.. وضاع منا الخيط الثمين الذى كنا بدأنا نجذبه‏. ويؤكد علام أنه التقى بالدكتور محمود جامع بعد ذلك بسنوات وسأله عن هذه اللقاءات‏.. وعلم منه أنه تقرر إيقافها فورا بعد أن وصلته رسالة من شعراوى جمعة بإيقاف هذه الاتصالات‏،‏ وإلا فسيعرض الأمر على الرئيس عبدالناصر‏...

صفقة ومحاولة للإحتواء

الواقعة رغم تباين أطرافها فى كل شىء إلا أنهم اجمعوا رغم تباين موضع كل منهما على أرضية الواقع إلا أنهم اتفقوا على حدوثها ووثقها كل منهما. ومنذ وقوعها والكشف عنها مازالت تثير تساؤلات حتى الآن ولم تجد إجابات محددة خاصة وانها تكررت بعد ذلك مع كل رئيس تولى حكم مصر وجاءت مقدماتها واحدة ونهاياتها ايضا واحدة ففى البدء كانت صفقة ومحاولة للاحتواء ولم الصف وفتح صفحة جديدة ونهايتها تبادل للاتهامات وسجن واغتيالات ورائحة بارود تفوح فى سماء مصر وسماع دوى رصاص فى كل مكان !!

عاد المشهد ليتكرر للمرة الثانية بعد رحيل عبد الناصر ففى صيف 1971 نجح الملك فيصل فى أن يرتب اجتماعًا بين السادات ومجموعة من قيادات الإخوان المسلمين المقيمين بالخارج.

هذا الاجتماع عقد فى استراحة السادات فى (جانا كليس) بالبحيرة فى إطار من السرية التامة ولم يعلم به إلا الدكتور محمود جامع وعثمان أحمد عثمان والملك فيصل، والذى تعهد للقيادات الإخوانية بتأمين دخولهم وخروجهم من مصر.

وبدأ الاجتماع بكلام السادات والذى أكد فيه للقيادات الإخوانية أنه يواجه نفس المشاكل التى يواجهها الإخوان من الناصريين والشيوعيين وأنه يشاركهم أهدافهم فى مقاومة الإلحاد والشيوعية.

وعرض السادات فى نهاية الاجتماع على قيادات الإخوان تسهيل عودتهم إلى النشاط العلنى وعقد تحالفًا معهم فى السياق ذاته كانت طلبات قيادات الإخوان من السادات إظهار حسن النوايا وجدية العرض.

وقوع المحظور

وأن ذلك مرهون بالإفراج عن كافة الإخوان المسجونين وإسقاط الأحكام على الهاربين وقد وافق السادات على الطلبات الإخوانية ووافق الإخوان على عقد تحالف إخوانى ساداتي وانطلق الطرفان فى تنفيذ شروط الاتفاق حتى وقع المحظور واستشعر كل طرف من طرفى الصفقة ان وجوده مرتبط بالقضاء على الطرف الآخر فكانت اعتقالات سبتمبر1981ووصلت الدراما ذروتها باغتيال السادات فى 6 أكتوبر1981 بساحة العرض العسكرى.

وللمرة الثالثة تعود الصورة مرة اخرى للتكرار فى ديسمبر 1981 جرت أغرب مفاوضات واتصالات مصرية فى تاريخ مصر بين نظام حاكم وتنظيم محظور مضمونها ضمان عدم قيام التنظيم المحظور بالقيام بمظاهرات عدائية أثناء قيام الرئيس بزيارة خارجية لإحدى العواصم الأوروبية.

ضمانات من المرشد الخفى

حيث أرسلت وزارة الداخلية وكيل مباحث أمن الدولة فى ذلك الوقت اللواء «فؤاد علام» لإجراء مفاوضات مع المرشد الخفى لجماعة الإخوان المسلمين المستشار على جريشة والذى كان يقيم بألمانيا ويرأس المركز الإسلامى هناك وكان أمام المفاوض المصرى مهمة واحدة وأساسية لا تخرج عن الحصول على ضمانات من المرشد الخفى بعدم القيام بمظاهرات ضد الرئيس «مبارك» أثناء زيارته إلى ألمانيا فى ألمانيا فى أول زيارة خارجية يقوم بها بعد توليه لمنصب الرئاسة خلفًا للسادات.

المفاوضات بين وفد مباحث أمن الدولة والمرشد نجحت لكن المقابل الذى حصلت عليه جماعة الإخوان المسلمين سواء المعلن أو الخفى يظل حتى الآن سرّا وإن كانت مذكرات الإخوان وبعض المسئولين السابقين الذين عاشوا عن قرب تكشف أن الإخوان قد حصلوا على مقابل ويؤكده منهج السلطة فى التعامل معهم طوال 30عاما هى مدة حكم مبارك حتى اتخد مبارك قراره قبل إجباره على التنحى على اعتقال كل مكتب إرشاد الإخوان وقياداتهم بما فيهم الدكتور محمد مرسى الذى أصبح فيما بعد رئيس الجمهورية.

ولم يكرر مبارك صفقات أخرى مع الإخوان فمجرد تنحيه تكرر الأمر للمرة الرابعة ولكن هذه المرة مع رئيس المجلس العسكرى فى ذلك الوقت المشير حسين طنطاوى وفى 8فبراير2012كشف خيرت الشاطر نائب مرشد جماعة الإخوان فى ذلك الوقت عبر قناة الجزيزة عن لقاء بين قيادة جماعة الإخوان والمجلس العسكرى يوم 7فبراير 2012.

حكومة ائتلافية

وفى اللقاء عرض الإخوان فكرة ضرورة تشكيل حكومة ائتلافية يكون لهم النصيب الأكبر وتابعيهم السلفيين، ويكون للأحزاب الممثلة فى البرلمان حصة من الوزارات حسب حجم التمثيل البرلماني، لكن المشير حسين طنطاوى شن هجوما عنيفا ورفض عرض الإخوان

وقال له: يبدو أنكم تأثرتم بلقائك مع «جون ماكين» نائب الرئيس الأمريكى والآن تبحثون عن رضا أمريكا ففض الاجتماع وكانت المحصلة صفر.

وصل الإخوان إلى الحكم لأول مرة فى 2012 وكان أول قرارهم التخلص من المشير طنطاوى وبدء مرحلة أخونة الدولة المصرية إلا أنهم لم يستمروا على كرسى الحكم إلا 374يوما وجاءت نهاية مشروعهم فى 30يونيو 2013بتحرك شعبى كلل بالنجاح فى 3يوليو 2013.

الشيخ محمد حسان أحد الدعاة الذين اقتربوا بعد 30يونيو من الرئاسة وشارك فى العديد من المناقشات وفى تقريب وجهات النظر بين الدولة والإسلاميين بشكل عام والإخوان بشكل خاص ادلى بشهادته عبر حوار لـ«جريدة الوطن»

يقول حسان فى شهادته:

- قبل عملية فض رابعة بأيام ذهبت إلى قيادات الإخوان برفقة كل من الدكتور عبدالله شاكر الرئيس العام لجمعية أنصار السنة والدكتور محمد مختار المهدى - رحمة الله عليه - والدكتور محمد عبدالسلام والدكتور جمال المراكبى والدكتور محمد أبوالحسن وشقيقى محمود حسان لأننى إذا ذهبت بمفردى قد يكذّبنى أحدهم أو يخوّننى

ثلاثة طلبات

وخلال لقائنا حمّلونى رسالة طلبوا فيها عودة «مرسى» وجميع مؤسسات الدولة كما كانت فقلت لهم: «خليكم عاقلين واطلبوا طلبات تتلاءم مع الظرف الراهن» فذهبوا واتصلوا للمشاورة ثم عادوا مرة أخرى وقالوا: يجب تحقيق ثلاثة طلبات أولاً: عدم فض الاعتصام بالقوة - فى إشارة إلى رابعة والنهضة - وثانياً: وقف الحرب الإعلامية التى تشنها الفضائيات علينا وثالثاً: الإفراج عن جميع المحبوسين وهنا تدخل الدكتور عبدالرحمن البر عضو مكتب الإرشاد وقال: وإسقاط كل القضايا. وكنت أدوّن كل كلمة يقولونها فى اللقاء وبعدها أجريت اتصالاً باللواء العصار وطلبت مقابلة الفريق أول عبدالفتاح السيسى وقتها قبل أن يصبح رئيساً وكان حينها فى مكتب «السيسى» وقال لى حدد أنت الميعاد فقلت له: غداً فرد قائلاً: «عندى لقاء مع كاترين أشتون الممثلة العليا للشئون السياسية والأمنية للاتحاد الأوروبى هأجله ونلتقى غداً».

- استقبلنى الفريق أول عبدالفتاح السيسى - حينها - وجلست بجواره وقال لى: «اللى ما اديتهوش للأوروبيين والأمريكان هعطيه ليك» فطلبت منه: «عدم فض الاعتصام بالقوة والدماء لأن الدماء ستخلّف فى مصر جيلاً يستحل حمل السلاح على الجيش لأول مرة فى التاريخ فرد قائلاً: أنا مش هفض الاعتصام بالقوة بس يرضيك إن هما يشلّوا حركة المرور فى «رابعة أو النهضة» يا ريت يخلونا نُسيّر حركة المرور حول المنطقتين فقلت له: «ثانياً: قلت له الإعلام لأنه أول من سيحرق سيكون أنت والجيش» فقال: هل يرضيك خطاب المنصة فى رابعة؟ فرددت: «لا والله ما يرضينى ولو كان يرضينى لكنت أول من يقف عليها ولو قُطعت رقبتى» فطلب منى تغيير خطاب المنصة مقابل محاولة العمل على تغيير خطاب الإعلام. وأخيراً طلبت منه الإفراج عن المحبوسين والمعتقلين؟ فقال لى: «مش عندى» ليست ضمن صلاحياتى فقلت له: «عندك» فقال لى ليست عندى ولكنى عاودت وكررتها مرتين وفى الثالثة قلت: «والله عندك» فابتسم وقال لى حاضر بس إدينى فرصة أرى رد فعلهم من وساطتك إيه؟.

- كانت الطامة الكبرى أنهم رفضوا جميع النتائج التى توصلنا إليها مع «السيسى» وقالوا لى: «لن نتسامح ولن نتصالح» يومها كاد أن يُغمى علىّ وعرفت العلّة بعد ذلك وهى وجود كاترين أشتون الممثلة العليا للشئون السياسية والأمنية للاتحاد الأوروبى فى مصر التى وعدتهم بعودتهم إلى الحكم.

إقصاء الآخرين

عبود الزمر أحد أهم قادة الجماعة الإسلامية ادلى بشهادته فى 5يوليو2016عن المصالحة بين الدولة والإخوان عبر موقع الـ «مونيتور» الأمريكي.

وهاجم الزمر بشدة القيادة الحالية لجماعة الإخون قائلاً: أرهقت حلفائها ولم تلتفت إلى نصائحنا وضربت بها عرض الحائط واتسم منهجها بالاستعلاء على الرفاق وإقصاء الآخرين ولا تصلح لتمثيل التيار الإسلامى فى أى مفاوضات سياسية محتملة.