مكاسب وخسائر معركة الاستنزاف الغربية.. حسابات 100 يوم حرب فى أوكرانيا

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

كتب: خالد حمزة

فى تصريح لافت، أشار الأمين العام لحلف شمال الأطلنطى، ينس ستولتنبرج، إلى أن الدول الغربية عليها أن تستعد لحرب استنزاف طويلة المدى فى أوكرانيا، لأن ما يراه العالم بوضوح الآن، هو أن هذه الحرب تحولت لحرب استنزاف، وما قاله ينس يدركه الغرب وأمريكا جيدا فى سعيهما منذ بداية الحرب، إلى تقليم أظافر الدب الروسى، وإضعافه سياسيا وعسكريا واقتصاديا، كما يدركه بوتين الذى يقال إنه ذهب للحرب الأوكرانية، بدون سترته الواقية من الرصاص، فى أشارة إلى حساباته التى يعتقد البعض أنها كانت خاطئة.

على الجانب الآخر، مازال الرئيس الروسى فلاديمير بوتين والمؤيدون له، يرون أن الحرب تسير وفق الجدول الزمنى الذى وضعوه، كما يدركه الشعب الروسى الذى يرى أن العقوبات الغربية الأمريكية، لم تؤثر عليه تأثيرا ملحوظا، وبعد 100 يوم من حرب بوتين على أوكرانيا، التى فقدت 20 بالمائة من أراضيها لصالح الروس، حسب الرئيس الأوكرانى زيلنسكى.

تصريحات ستولتنبرج، التى قالها خلال لقائه مع الرئيس الأمريكى جو بايدن، تزامنت مع عزم ألمانيا إرسال أنظمة صاروخية متقدمة لأوكرانيا، تمكنها من الدفاع عن المدن الكبرى والعاصمة كييف بصورة أكثر فاعلية، وقد تطيل أمد الحرب وهو الهدف غير المعلن للناتو، لإضعاف القدرات العسكرية الروسية، وجرها لحرب استنزاف طويلة الأمد، كما تزامنت كما تقول شبكة «سى إن إن الأمريكية»، مع تردد الإدارة الأمريكية فى إرسال أنظمة صواريخ لأوكرانيا بعيدة المدى، يمكنها الوصول إلى روسيا، وهى إشارة  لراجمات الصواريخ إم 270 التى يبلغ مداها نحو مائة ميل، وتتفوق على المدفعية الثقيلة التقليدية، كما أنه يمكن تصويبها عبر برامج كومبيوتر، بعكس الراجمات الروسية التى يملكها الجيش الأوكرانى، ومن الناحية العسكرية تعد هذه الراجمات مركبة هجومية، علماً بأن حلف الناتو، منذ بداية الحرب تعهد بإرسال منظومات دفاعية فقط لأوكرانيا.

إقرأ أيضاً | زيلينكسي: ندافع عن بلادنا منذ 100 يوم خلال الحرب مع روسيا

وفى وقت سابق، ناشد الرئيس فلادومير زيلينسكى أمريكا وحلفاءها، بإرسال نظام إطلاق الصواريخ المتعددة، والتى يمكن أن تغير قواعد اللعبة ضد روسيا حسب زيلينسكى، التى تسيطر على ٢٠% من أوكرانيا، وتمنع تصدير الحبوب للعالم بمحاصرة الموانئ، وبما سيسمح للأوكرانيين بضرب أهداف داخل روسيا بسهولة أكبر، ونقل الحرب للأراضى الروسية، ورد الروس بأن أى تهديد لأراضيهم، سيشكل تصعيدا خطيرا وإعلانا للحرب ضدها، وأن الدول الغربية ستجعل من نفسها بذلك، هدفا مشروعا فى الحرب.

بعد مائة يوم من اندلاع الحرب، التى مازالت تثير الكثير من التساؤلات، ومنها ما يخص الرئيس الروسى بوتين، وعن قراره ببدء الحرب، وهنا تساءلت صحيفة الإندبندنت البريطانية: «هل دخل بوتين حرب أوكرانيا بدون سترته الواقية من الرصاص؟»، فقد كان أحد الأسباب الرئيسة التى دفعته للحرب، منع توسع الناتو باتجاه الشرق، فهل تحقق له ذلك، خاصة أن الحرب دخلت شهرها الرابع، ولم تحسم لصالح أحد؟ كما أظهرت الحرب أن القوات المسلحة الروسية، ليست مدربة بصورة كافية على غزو الدول الأخرى، إضافة لتكلفة العقوبات الغربية والحرب الباهظة.

وبعيدًا عن دوافع بوتين، كما تقول صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، فمن الواضح أنه أخطأ فى الحسابات، فقد استخف بالقومية الأوكرانية، وبالغ فى تقدير القدرات العسكرية الروسية، وغاب عنه أن فكرة شن الحرب تنذر الدول الأخرى، وعادة ما قد توحدها لمواجهة الخطر، وهى الدروس التى استخلصتها دول الجوار الروسى من حرب أوكرانيا، بأن موسكو مستعدة لشن حروب على جيرانها، التى لا تمتلك مظلة عسكرية دفاعية.

وفى الحرب الروسية الأوكرانية، ربما كان بوتين يعتقد أن أوروبا كانت منقسمة بشدة على نفسها، وتعتمد على بترول وغاز بلاده أكثر من أن تعارض تحركه المباغت، لذلك راهن على أنه يستطيع تحقيق أهدافه بسرعة، إلا أن ما حدث كان العكس، كما ظهر سرعة رد الفعل الأوروبى وتوحده وسعيه لإمداد أوكرانيا بالأسلحة المتطورة، وإلى تشجيع فنلندا والسويد على السعى فى خطوة عضويتهما بالحلف، فى سابقة لم يعرفها أو يتوقعها الغرب، كما جاءت جولة الرئيس الأمريكى جو بايدن، إلى أقصى الشرق الآسيوى، فى خطوة سعت من خلالها الإدارة الأمريكية، لمزيد من استمالة الجناح الآسيوى، من أجل تحالف جديد معارض لبوتين وقريبا منه، كما حدثت بعض التغيرات الجوهرية التى شهدتها آسيا، فقد أعادت اليابان تسليح نفسها، ونهضت دول أخرى محايدة سابقاً، وفرضت عقوبات ضد روسيا، وقد كانت محايدة أثناء الحرب الباردة بين القطبين السابقين، أمريكا والاتحاد السوفيتى، وأضف لذلك، تزايد التهديدات العسكرية على الحدود الروسية، خاصة مع الجيران فى الاتحاد السوفيتى السابق، وأمام هذه التطورات تتعقد الخيارات أمام موسكو، التى لم تحسم المعركة بعد، وتواجه أعنف عقوبات اقتصادية، يفرضها الغرب على دولة منذ الحرب العالمية الثانية.

الخوف هنا، أنه فى مقابل تلك العراقيل، أن يلجأ بوتين لخيارات قاسية كما تقول صحيفة التليجراف البريطانية، مثل توجيه ضربة غير تقليدية، تستهدف أوكرانيا أو دولة من دول الناتو، خاصة أن هناك صقورا داخل الكرملين، يرغبون فى تصعيد لغة الحرب، لإثارة المخاوف لدى الغرب، مقابل آخرين يدفعون باتجاه إنهاء الحرب، بشروط تقبلها روسيا، ومع تحول الحرب لحرب استنزاف، فذلك يعنى زيادة التكلفة على روسيا، التى تواجه عقوبات دولية غير مسبوقة.
وحتى الآن حسب «التليجراف»، لا يشعر المواطنون الروس بالعقوبات بصورة جذرية، قد تدفعهم للتذمر أو التمرد على حرب بوتين، كما أن سوق الغاز الروسى انتعش بصورة أكبر عبر الأسواق العالمية، عكس ما توقعه الغرب وأمريكا، مع ارتفاع قيمة الروبل إلى مستويات ما قبل الحرب، واستعداد الروس لسد الفراغ الذى تركته الصادرات الأوكرانية من الحبوب كالقمح والذرة، لوجود مخزونات هائلة روسية، قادرة على سد العجز بسبب الحرب، وتوقف الموانئ الأوكرانية عن التصدير.

وعلى الصعيد الدولى، فإنه رغم عزلة روسيا عن الغرب، إلا أن بوتين استطاع تعزيز شراكاته مع دول أخرى صديقة فى آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط  وأمريكا اللاتينية والخليج الذى زاره وزير خارجيته لافروف مؤخرا، مؤكدا على متانة العلاقات بين الجانبين سياسيا واقتصاديا، حتى أنها مازالت تحافظ على علاقاتها مع تركيا، العضو فى حلف الناتو لمصالح سياسية واقتصادية تحكم العلاقة بينهما، وحتى على المستوى الأوروبى، هناك اتصالات من دول أوروبية معها، بل إن هناك دولا أوروبية تحرص على الحفاظ على شعرة معاوية فى علاقاتها السياسية والاقتصادية مع الدب الروسى، وأبرزها إيطاليا وألمانيا وفرنسا والنمسا.

ولكن إلى أى مدى يستطيع بوتين المناورة ببلاده فى ظل عقوبات هى الأكثر شراسة فى التاريخ الحديث؟ وهل أصبح القيصر أكثر قوة، أم أنه أصبح فى وضع الأضعف الآن؟ مجريات الحرب تقول إن روسيا تخوض حربا طويلة المدى مع الغرب وأمريكا، ومن الصعب توقع النتيجة النهائية. كما لا يمكن للعقوبات إيقاف آلة الحرب الروسية على الفور، ولكن من منظور بعيد المدى تخسر روسيا، لذلك بالنسبة لبوتين فمن المهم له تحقيق أهدافه العسكرية فى أقرب وقت ممكن، وإجبار كييف على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بشروط روسية، تظهره على الأقل أمام شعبه بالمنتصر، الذى يفرض شروطه على الخصوم.

وبالمقابل، فإن تصعيد الصراع قد يؤدى إلى تحول الحرب لصالح بوتين، كما أن استطلاعات الرأى الأخيرة كما تقول صحيفة الجارديان البريطانية، تظهر أن بوتين استطاع أن يحافظ على الدعم الشعبى له، أو على الأقل ضمان قوة تماسك جبهته الداخلية فى مواجهة الغرب الرأسمالى، الذى يريد محو روسيا من الوجود، والتواجد فى ساحة حديقته الخلفية، فى إشارة لدول الاتحاد السوفيتى السابق، الذى يريد بوتين إحياء مجده القديم بحلة جديدة، وإنهاء مفهوم القطب الأمريكى الأوحد المسيطر على العالم.

وفى مثل هذه المعركة، يتفق المراقبون مع بوتين على أنه لا يمكن تجاهل نقاط قوة روسيا المتنوعة، من حيث اتساع المساحة الجغرافية والقدرات العسكرية والنووية والموارد الطبيعية من بترول وغاز ومعادن وغيرها، مما يجعل من الصعب عليها ألا تكون قوة عظمى حقيقية، قادرة على الصمود، كما أن بوتين، سيجد طرقا جديدة داخلية وخارجية للرد على الغرب، كما تتوقع موسكو أن يتناقص تأثير العقوبات بمرور الزمن.