لمنْ يكتب الأدباء؟.. سؤال طرح نفسه بقوة بعد الثورة التكنولوجية

لمنْ يكتب الأدباء؟
لمنْ يكتب الأدباء؟

كتب: حسن حافظ

مع تغير جمهور القراء بالتزامن مع الثورة التكنولوجية التى فرضت تحديات جديدة وجدية على فنون المكتوب، بات سؤال: لمن نكتب؟ حاضرا بقوة على بال جميع الأدباء، فالزمن الذى يتحرك سريعا نحو أفق أكثر اتساعا من الخيال ذاته، وظهور شرائح عمرية أكثر شبابا وارتباطا بالعوالم الجديدة، فهل لا يزال الأدباء يملكون القدرة على مخاطبة هذه الأجيال؟ أم أن العملية الإبداعية لا تخضع لمنطق ما يطلبه القراء؟ وهل على الروائى أن يكتب لمتعته العقلية فى المقام الأول أم أن عليه أن يضع فى حسبانه جمهوره المتلقى؟، هذه الأسئلة تطرح على طاولة زمن جديد بين من يرى أن كتَّاب عصر النهضة والتنوير العربيين كانوا يكتبون من أجل تثقيف القارئ أى يكتبون للناس، بينما تطارد التهمة الكتاب فى العصر الحالى بأنهم يكتبون لأنفسهم ولأجل متعتهم، فلمن يكتب الروائيون فى يومنا هذا؟ ولماذا يكتبون؟

 

الكاتب الإنجليزى جورج أورويل كتب تحت عنوان "لماذا أكتب؟" سنة 1946، عن أربعة دوافع عظيمة للكتابة، وهى الأنانية المطلقة، التى تعبر عن الرغبة فى أن يتذكرك الناس بعد الوفاة، والحماسة الجمالية، التى تثيرها أصوات العمل الإبداعى من إيقاع القصة الجيدة والاستمتاع بالنثر الجيد، أما الدافع التاريخى فهو رغبة المبدع فى أن يرى الأشياء كما هى، بالحديث عن الوقائع الحقيقية وحفظها للأجيال القادمة، أما الغرض السياسى فهو الرأى بأن الفن يجب ألا يتعلق بالسياسة لأنه هو بذاته موقف سياسى. ومن الأربعة دوافع تلك التى حددها أورويل صاحب رواية (مزرعة الحيوان)، نرى بعض الإجابات عن لمن يكتب الأدباء، فأورويل معروف بأنه من أنصار الغرض السياسى، إذ قدم فى روايته سابقة الذكر وروايته الأخرى (1984)، نقدا لاذعا للفاشية والديكتاتورية كما عرفتها أوروبا على يد النظام النازى والشيوعية السوفيتية، فهو يكتب لمن يريد أن يوصل له فى النهاية رسالته ضد هذه الأفكار، لذا لم يكن غريبا أن تنتشر أفكاره وكتاباته فى المجتمعات الساعية للديمقراطية والنظام المدنى وتعادى الفاشية بكل صورها.

سؤال أورويل تلقفته الكاتبة ميريدث ماران عندما توجهت به إلى عشرين من كبار المبدعين العالميين فى مجال الأدب، وأودعت إجابتهم فى كتاب حمل عنوان (لماذا نكتب؟ عشرون من الكتاب الناجحين يجيبون على أسئلة الكتابة)، وهى محاولة لجمع إجابات 20 مبدعا عن سؤال لماذا نكتب ولمن نكتب؟ وعلى المستوى العربى قدم عميد الأدب العربى طه حسين، تجربة اشتباكية، إذ كان سؤال "لمن نكتب؟" حاضرا فى ذهنه دوما، وقد عبر فى كل كتاباته عن رغبة أساسية فى توجيه خطابه إلى المصريين جميعا من أجل رفع مستوى الوعى لديهم، فكان هدفه الأساسى هو التغيير والإصلاح أى أنه كان يعرف بشكل حاسم لمن يكتب ضمن مشروعه الفكرى، وهو ما يعيبه بعض النقاد على الروائيين المعاصرين كونهم يغرقون فى الذاتية وكأنهم يكتبون لأنفسهم.

 

من وجهة نظر عدد من الأجيال الأدبية فى مصر، اختلفت الإجابات حول لمن يكتبون، فالكاتب الروائى يوسف القعيد، وهو يمثل جيل الستينيات، قال لـ "آخرساعة": "إن الأمر يختلف بحسب حالة كل مبدع، فلا توجد قاعدة تطبق على الجميع، الأمر يختلف من كاتب لكاتب، هناك بعض الكتاب فى التاريخ كتبوا من أجل المتعة العقلية، فى رأيى الشخصى أن الكاتب يكتب لمن يقرأ له، أى أن هدفه فى الكتابة هو أن يتواصل مع من يقرأ له، فمهمة المبدع فى المقام الأول هى الإبداع ثم تأتى بعد ذلك مهمة التلقى"، لافتا إلى أن المبدع ربما عندما يجد القارئ يقبل على خط إبداعى بعينه أن يتجه للكتابة فيه والتركيز بكتاباته على هذه الزاوية لضمان التواصل مع القراء والوصول إلى شريحة أكبر منهم.

 

شريف صالح، الكاتب والقاص، علق على السؤال قائلا لـ"آخرساعة": "سؤال لمن يكتب الكاتب؟ سؤال مراوغ ومزدوج ولا تسهل الإجابة عليه. غالبا لكل كاتب مجموعة مفضلة كنماذج مثل الموظفين وسكان حى الجمالية عند محفوظ لكنه قطعا يكتب عنهم، ولا يكتب لهم وحدهم، بالنسبة لى ليس لدى جماعة مغمورة أكتب عنها ولها. لا أشعر أننى أنتمى إلى الفلاحين ولا الموظفين ولا حتى للواقع نفسه، ولدى نصوص كثيرة منبعها الأحلام وعوالم افتراضية، ربما يجعل هذا نصى أكثر انفتاحًا على أى قارئ فى العالم، لكننى لا أنكر انشغالى الشديد بهوية مصر بشرًا وأرضًا وتاريخًا".

 

وحول اتجاه البعض للكتابة من أجل الترجمة للغات أجنبية أو الكتابة وفقا لمعايير الجوائز الأدبية، قال صالح: "لا تهمنى الترجمة ولا جوائز قدر ما يهمنى وصول نصى إلى قارئ مصرى أولًا، هذا لا يعنى أننى أكتب وعينى على شريحة معينة من القراء كالمراهقين مثلًا، لقناعتى أن النص يولد كدافع ذاتى ومتعة ذاتية قبل أى شيء، أكتب لأستمتع بلعبة الخلق، وينتهى ذلك لحظة النشر، ولن يفرق معى عند من انتهى كتابى، لأن الكاتب عمليًا لا يعرف قراءه، وينتهى عصره وتنتهى حياته لكن القراء لا ينتهون بل يولد النص على أيديهم مجددًا".

ومن جيل شباب الروائيين، عبر كيرلس عاطف، الروائى عن رؤيته الشخصية فى الإجابة عن (لمن نكتب؟)، بقوله: "حديثى هنا عن تجربتى الشخصية بالأساس، وهى تجربة تقوم على التأثر بالأديب أحمد خالد توفيق، وكيف أن اسمه لا يزال خالدا عند جمهور القراء، وكيف ترك أثره فى أجيال من القراء، ومن هنا جاءت محبتى فى الكتابة لكى أخلد اسمى مثل أحمد خالد توفيق، بغض النظر عن الجوائز أو الفوز بها، ومن هنا جاء التوجه إلى القراء من هذا المدخل، لكى يراك القراء كأحد المساهمين فى تكوين طفولتهم وشبابهم".

 

وأكد أنه يكتب للشباب بشكل أساسى، من أجل توصيل رسالته، وأضاف: "ليس شرطا أن أوصل لك المعلومة صريحة فى كتاب، وأقول لك أفعل ذلك أو أعرف كذا، لكن أقدم لك قصة أو حدوتة فيها أحداث وتشويق وبناء درامى لكن فيها كذا معلومة ورسالة عبر صفحاتها ممكن أن تغير وجهة نظر القارئ، وتقدم له الحلول التى يمكن له الاستفادة منها فى حياته، فالهدف هنا أخلاقى وأن تسهم فى تقديم شيء جيد للمجتمع".