الأخوة الأعداء في كفر الشيخ.. تفاصيل قاتلة ومؤسفة

المتهم
المتهم

كتبت: حبيبة جمال

مهما بلغت الخلافات بين الأشقاء لا يمكن بحال من الأحوال أن تصل لحد القتل، لكن في قرية من قرى كفر الشيخ حدث ما لا يمكن توقعه من جيران الأشقاء الثلاثة، بعدما هان الدم بينهم فصار القتل سهلا، وقبلها تسلل الشك لعقل واحد منهم، فماتت المحبة، هذا باختصار ما حدث في تلك القضية التي بين ايدينا، ثلاثة أشقاء عاشوا سويًا لأكثر من ٤٠عاما، حتى كبر كل منهم وتزوج وأصبحت له أسرة صغيرة هو عائلها، ولكن الأخ الأصغر تملكت منه الأوهام والوساوس، وأصبح أكثر حقدًا على شقيقيه، فبدأت بينهم الخلافات حتى وصلت لطريق مسدود، وانتهت الأخوة ورابطة الدم بجريمة قتل بشعة راح ضحيتها اثنين على يد الشقيق الأصغر الذي خطط ورسم خطة للتخلص منهما.

 

الحكاية بدأت في قرية إبطو، التابعة لمحافظة كفر الشيخ، في منزل عائلي كبير نشأ ثلاثة أشقاء «محمد، أيمن، شريف»، يعيشون جميعا في هذا المنزل مع والدهم، الذى حرص منذ صغرهم على تربيتهم على العادات والتقاليد الريفية، كان الحب يملأ البيت، أيمن كان أبا ثانيًا لشقيقيه وخصوصا شريف لأنه أصغرهم، تزوج محمد وتزوج أيمن وأصبحا لهما أسرة صغيرة مسئولة منهما، وظلا يرعيان شقيقهما شريف حتى كبر وتزوج هو الآخر، سافر أيمن للعمل في السعودية، وبقي شريف ومحمد في المنزل مع والدهم وزوجاتهم، ومن هنا بدأت الغيرة بين الزوجات.

 

 وعرفت المشاكل طريقها لهذا البيت، كل يوم يتجمع الأهالي على صوت الشجار بينهم حتى صار طقسا يوميا، وتم عمل أكثر من جلسة صلح لإنهاء تلك الخلافات ولكن جميعها باءت بالفشل، حتى اقترح الأب أن يترك محمد البيت ويذهب ليعيش في مكان آخر حتى تهدأ الأمور، ويضع حلا لتلك الخلافات، فالقرية أصبحت لا حديث لها سوى عنهم وعن مشاكلهم، ففي غمضة عين تحول الهدوء لصخب، وتحول الحب لقسوة، فوافق محمد على ترك البيت وعاش في بيت بالرحمانية التابعة لمحافظة البحيرة.

 

 ظن الجميع أن الخلافات انتهت عند هذا الحد، ولكن استمرت الخلافات بين شريف وشقيقه الثاني أيمن الذي ترك السعودية وجاء للعيش والعمل في قريته مرة أخرى، وعندما عرف محمد بتلك الخلافات قرر الرجوع للعيش في شقته من جديد، هنا تملكت الأوهام من شريف، جعلته يعتقد أن شقيقيه سيتفقان عليه ويتخلصان منه، وخصوصا بعدما هدده أيمن بالقتل، فقرر أن يبدأ هو ويتخلص منهما، فأحضر زجاجة بنزين، وظل منتظرا اليوم الذي سيعود فيه محمد للعيش في المنزل، اختمرت فكرة الانتقام في ذهنه، لم يتحرك قلبه ولم يتراجع عقله في هذا القرار، وتناسى أنهم من دم واحد، تجرد من كل معاني الإنسانية والرحمة، نزع قلبه ووضع مكانه قطعة من الحجارة، حتى جاء يوم التنفيذ. 

مساء يوم ١٩ يناير من عام ٢٠٢١م، ظل شريف متخفيًا خلف باب المنزل، منتظرًا عودة شقيقه محمد، الذى بمجرد دخوله البيت سكب عليه البنزين ثم أشعل فيه النيران، كان واقفًا يشاهد شقيقه يحترق أمام عينيه، دون أن تتحرك مشاعره، دون أن تردعه توسلات شقيقه الذي يحترق جسده، وعندما خرج أيمن، أشعل فيه هو الآخر النيران، ومن شدتها وصلت حتى شقة شريف المتهم والتهمت محتويات الشقة وأصابت زوجته بعدة حروق. 

 

بدأت النيران تتصاعد، فأسرع الأهالي نحوها، ليروا أصعب مشهد لا يمكن أن ينسوه، النيران التهمت الشقيقين، فتسارعت دقات قلوبهم، عقدت الدهشة ألسنتهم، حاولوا إخمادها لإنقاذهما، ولكن فات الوقت، ومن جبروت المتهم وقسوته أبلغ مركز الشرطة بوجود حريق داخل شقته وأن الفاعل هو شقيقيه اللذان كان يرغبان في التخلص منه، ولكن النيران أحرقتهما. 

بلاغ

تلقى مأمور مركز شرطة دسوق، بلاغا من شخص يدعى شريف، يفيد بنشوب حريق في شقته بمنزل أسرته الكائن بقرية إبطو، متهما شقيقيه «محمد، أيمن» بإشعالهما النيران فيها انتقاما منه، انتقل على الفور رئيس المباحث ومعاونوه لمحل البلاغ، وتبين من خلال الفحص وجود آثار حريق بشقة صاحب البلاغ، وإصابة ثلاثة بحروق من ضمنهم زوجة المبلغ، تم نقلهم للمستشفى، وتبين ايضا إصابة محمد بحروق من الدرجة الثالثة، ويستدعى علاجه تحويله لمستشفى الإسكندرية الجامعي، وأثناء تجهيزه لفظ أنفاسه الأخيرة، بينما أيمن كانت حالته أكثر سوءًا، فنسبة الحروق كانت ١٠٠٪ وتوفى هو الآخر، بينما الزوجة كانت إصابتها خفيفة وخرجت من المستشفى بعد عمل اللازم لها. 

 

شريف اعتقد بذلك أنه سيفلت من العقاب، وأنه أذكى من رجال المباحث ولا يمكن أن يكتشفوا مخططه، وفاق من أحلامه الوهمية على كابوس مفزع عندما أكدت تحريات  المباحث كذبه، وأنه هو الفاعل وهو من أشعل النيران في شقيقيه، فتم القبض عليه ولم يصمد طويلا وانهار معترفا بارتكابه الواقعة بعدما ظن أنهما يعدان خطة للتخلص منه، بسبب تهديدهما له بقتله، وبناء على ذلك الشك أحضر بنزين وأعد خطة للتخلص منهما، وتم حبسه وتحولت القضية لمحكمة الجنايات. 

 

وودع الأهالي الشقيقين لمثواهما الأخير في مشهد جنائزي ابكى الجميع، حضره الكبير والصغير، لا أحد يصدق ما حدث، الكل ينعي الشقيقين بأفضل الكلمات ويتذكرون كل مواقفهما النبيلة معهم، لم يتوقع أي منهم أن نهاية الخلافات والمشاكل جريمة قتل، فأصبحوا لا يدعون سوى بالرحمة لهما وأن يتولى أولادهما برحمته بعدما حرموا من حنان الأب وصاروا ايتامًا يواجهون الحياة بأنفسهم، حتى عمهم بدلا من أن يكون هو والدهم ويعوضهم عن فقدان الأب والسند، كان هو القاتل وتم وضعه خلف القضبان ينتظر مصيره. 

القصاص

ظلت القضية متداولة داخل ساحات المحكمة، حتى أسدلت محكمة جنايات فوه الستار عنها، فقضت برئاسة المستشار خالد بدر الدين، وعضوية المستشارين هشام شريف، وحسن محمد دويدار، بالإعدام شنقا للمتهم، ليصبح الحكم عنوان الحقيقة ونهاية الخيال المريض والحقد، ضرب المستشار خالد بدر الدين، رئيس المحكمة، خلال مخاطبته المتهم  قاتل شقيقيه، المثل بإخوة النبي يوسف عليه السلام عندما رفضوا قتله، وكانوا حريصين على عدم قتله بعدما ألقوه في غيابات الجب، وبقائه حتى يلتقطه بعض السيارة ولم يقولوا ليموت، وذكر له بعض الآيات لصلة الأخوة وأهميتها وقيمتها. 

 

فقال: «مهما كانت الخلافات بينك وإخوتك لا تصل إلى حد القتل.. إخوة سيدنا يوسف عليه السلام لما قال لهم أحد الإخوة لا تقتلوا يوسف فألقوه في غيابات الجُب يلتقطه بعض السيارة.. الأخ بيدعي في القرآن لنفسه ولأخيه فقال في كتابه العزيز: «قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.