أول طلاق في حياة أسمهان.. أيام صعبة من سوريا لمصر

أسمهان
أسمهان

تزوجت أسمهان من ابن عمها الأمير حسن الأطرش؛ استجابة لأمر أخيها فؤاد وللتقاليد التي تمنع زواج الدرزية من غير الدرزي وعاشت في الجبل مع زوجها مضجرة بالحياة التي حرمتها من الفن ومن حياة الأضواء التي أحببتها.

 

كانت أسمهان تشعر بأن جنينا في بطنها وأن هذا الجنين قد يربطها بالجبل إلى الأبد فصممت على التخلص من حملها، وطلبت أن تعود إلى القاهرة لتلد وأجيب طلبها، وفي القاهرة لم تتمكن من إجهاض نفسها وولدت ابنتها كاميليا وعادت إلى الجبل بعد أن تركت الطفلة عند جدتها لتكون ذريعة للعودة للقاهرة وللفن.

 

وعادت أسمهان وفؤاد يضيق عليها الخناق كلما رأى أنها على وشك الجموح، وفجأة جاء الأمير حسن الأطرش وخشي فؤاد تمرد أخته ولكنه فوجئ بها ترد على زوجها حين سألها عن سبب غيبتها: هيا بنا لنعود إلى الجبل.

 

ظلت بنات الأسرة في حيرة بعد نبأ عودة الأميرة أسمهان إلى الجبل وبدا الحديث محتدما بعد أن غنت أسمهان للجماهير وكشفت للرجال شعرها.. كيف تفعل هذا ولكن  الهمس كان يذوب قبل أن يبلغ عتبة الأميرة فلا تجد من المحيطات بها غير مشاعر الشوق والترحاب.

 

ولم يكن يرى التغير في روح أسمهان إلا شقيقها فؤاد الذي عاد معها وأذهلته موافقتها السريعة على العودة مع الأمير حسن وأحس فؤاد بما يشبه الوخز في ضميره أنها عادت لأنه ضيق عليها الخناق فأثرت الفرار منه إلى من هو أرحم، وهكذا كانت ترى أميرها العاشق الذي لا يرفض لها طلبا.. ترى ماذا يحدث لو أقدمت أسمهان على ما لا يحمد عقباه؟

 

كانت أسمهان امرأة فيها دهاء وعمق وصلابة وليس من السهل سبر غورها، وتفصد جبيناها بالعرق حين خرجت ذات مرة في ثلة من بنات العم على ظهور الجياد وهو معهن وكان جوادا لم تعتد ركوبه فسألت واحدة من لدائها: هذا الشقي ماذا أفعل له لأوقفه؟.. فصاحت المسئولة ليبلغ صوتها أسمهان والحصان ينطلق بها بعيدا: خدي على رأسه!

 

فتركت أسمهان مقود الجواد وانحنت إلى الأمام لتربت رقبة الجواد أما الجواد فقد انطلق يسابق الربح حين أرخت مقوده وترك الطريق واندفع إلى الحقول التي تنتهي بهاوية وتعثر بين كتل الصخر الأسود التي تغطيها ولم تصرخ ولا استغاثت ولكن فؤاد خف إليها فقطع الطريق على جوادها الجامع وأمسك مقوده وكسر عناده وهبطت من فوق الجواد وكأن شيئا لم يقع.

 

كأنها لم تكن على شفا الموت كان الوادي السحيق الذي كان ينتظرها إذا اندفعت بها الجواد بضعة أمتار أخرى بداية رحلة شاعرية ونظر فؤاد في لوم إليها وفي الأعين ما لا يقال فإنه لا يستطيع أن يقول لها إنها تريد الموت ولكي تبدد هذا الخاطر من رأسه قالت له :


ألم تقل لي بنت عمي أن أخد الجواد على رأسه فانحنيت لأبلغ رأسه ورأيتها فقال وهو يشك في صدق فهمها : إن معنة أخذ الجواد على الراس أن تشدي إليك المقود، بحسب ما نشرته مجلة المصور عام 1961.

 

فقالت وهي تنهي الموقف :سمعا وطاعة في المرة القادمة سأشد المقود.. ولم ينم فؤاد ليلتها فأسمهان كانت أسرع من أن تتركه يفهم.. إنها تريد الموت.. ترى هل ظلمها؟.. وهل لم تفهم حقا التعبير الذي يعيش بين فرسان الجبل؟

 

أيا كان الوضع ومهما كانت الحقيقة فينبغي أن يفتح عينيه أكثر وأكثر فإن الخطر بدأ يدق الأبواب.. وهم بأن يصارح الأمير بمخاوفه ولكنه أحس أن مشاغل الأمير كثيرة وستبلبل هذه المخاوف خاطره وسيزداد عطفا على أسمهان أن تذهب إلى دمشق لتبتاع بعض الثياب.

 

سر فؤاد للفكرة فإن التي تبتاع الثياب ليس في خطتها التخلص من الحياة على أن رحلة دمشق كانت قاطعة في آن مخاوف فؤاد.. كانت رجما صادقا بالغيب فقد كان مع آمال ابن عمها الأمير يوسف الأطرش ونزلا في الفندق الكبير واحتلت حجرة وهو حجرة وفي منتصف الليل دق أحد الخدم بابه بعنف وقال له: قم يا أمير قم فإن الأميرة في غيبوبة وبدنها بارد كالثلج.


وقام الأمير مذعورا واندفع إلى حجرة الأميرة هناك وجدها مستقلية على فراشها في ثوب النوم وعلى وجهها صفرة فاقعة وانحنى يستمع لدقات قلبها فتناهت إلى أذنيه وكأنها تقبل من بئر عميقة والزجاجة فارغة دلالة أنها ابتلعت كل أقراصها طلبا للنوم إلى الأبد وجرى الأمير يوسف إلى الطريق الساعة الثالثة صباحا ودمشق نائمة إلا من حصان مربوط في عربة تقف غير بعيد عن الفندق.

 

وبحث عن سيارة ولم يجد ففك الحصان من عربيته وقفز إلى ظهره واندفع في شوارع دمشق إلى بست طبيب يعرفه وعاد قلب أسمهان  يصارع الموت صراعا رهيبا.

 

وعكف عليها الطبيب ساعة كاملة استرددت بعدها الأنفاس ثم فتحت عينيها وجعلت تدبرهما في كل ما حولها بذهول ودهشة فداعبها الأمير يوسف قائلا : ماذا كنت تتوقعين أن ترى؟.. فأغمضت عينيها في أعياء ولم تجب وضاحكها الأمير يوسف قائلا : هل كنت تتوقعين الجحيم فقالت وهي مغمضة العينين والدموع تتأهب للإفلات من بين أهدابها:

 

بلغت القصة فؤاد فأحس أنه شريك في الجريمة.. إنه الذي كان سببا في عودة آمال فليتحمل النتيجة عذابا في الضمير وليس له نهاية أما الأميرة أسمهان فكانت تسطيع أن تسكته بإشارة من يديها أو بنظرة من عينيها.

 

ومرة أخرى، ناقش فؤاد نفسه فيما ينبغي أن يعمل، ورسم له خياله صورة شقيقته وهي تعاني سكرات الموت في الفندق فأدركه بها الأشفاق وتأمل وجهها وكأنه يراه أول مرة فرأى فيه مفاتن جديدة حرام أن يطويها القبر قبل الآوان.

 

أما السكوت فلا يجدي لأنه ليس علاجا للموقف ترى ماذا عساه يشمل؟.. هل يحدث الأمير حسن في ضرورة سفر القاهرة لتغني وتنطلق وتعيش حياة صاخبة أنه مجنون أن فعل ذلك فإنه يعرف مقدار حب حسن لأسمهان ويعرف أي صدمة ممكن أن يسببها له.

 

وكان فؤاد ينتحل الأعذار فلا يخرج على الأقل حسن إلى تصريف شئون الدروز أو التنقل بين القرى وكان يريد ألا يتركها للوحدة كثيرا فإن الوحدة تأتي بالأفكار السوداء وتعطل تفكيره تماما فيما يجب أن يفضل إلى أن جاءت النجدة من عند الله جاءت برقية من القاهرة تقول أن الأم وهذا وحده يكفي لحزم الحقائب للسفر.

 

ورأى فؤاد أنها تدس في الحقائب أغلى الثياب حتى مما لا يناسب الفصل فكشفت له العملية عن نية مبيتة ولكنه أثر أن يغمض عينيه وسألت أسمهان فؤاد: هل ستذهب معي إلى القاهرة؟، فقال وهو يبرر ملازمته تبريرا ذكيا: نعم لأن المريضة ليست أمك وحدك.. أنا بكريها وحاجتها إلي أكثر من حاجتها إليك فابتلعت إجابته ومضت إلى حشو حقائبها بما تبقى من ثياب ورأى دموعها تختفي فجأة فيطفي على وجهها الحزن ولكنه خيل إليه إنه يرى أطياف سعادة في مقلتيها وعاد الأمير إلى البيت فوجد مسألة السفر قضية مسلما  بها وودع الأميرة آمال وفي قلبه حسرة.

 

لم يطل مرض الأم فقد كان وصول أسمهان خبر ترياق ولم تكن العودة إلى الجبل مرهونة بالشفاء فإنها لم تفكر في هذه العودة وفؤاد فكر فيها ولكنه أثر أن يوقف تنفيذ كل أفكارها فإنه بدأ يثق ببراءة الإنذار في تدبير الحلول منذ أنقذتهم البرقية وهم في الجبل !

 

وبدأت أسمهان تتصل بالأصدقاء والصديقات وتعلن أنها ستعود للعمل وقررت القول بالفعل وفؤاد لأزمها كظلها ولكنه أحس أنها تضيق به ذرعا وتبذل جهدا لتكتم عنه هذا الضيق وخشي أن هو لزم سياسة المرة الأولى أن تعود إلى الجبل ثانية وتنتحر لقد رأها بنفسه تحاول أن تعيش في الجبل وترضى بواقعها وتحقق من أن إخفاقها لا يد لها فيه.

 

فلن يبقيها في الجبل إلا الحب وهي لا تحب أما المال فكم داسته بحذائها بل كم تكره أن يبقى في يدها؟.. أرخى فؤاد لأسمهان قليلا ولكن على حذر وبدأت تتسم الحرية بمقدار ولكنها تخف من سجن الجبل وقضاء العمر مع من لا تحب وفتح فريد ذراعيه لها ووضع لها ألحانا هزت أوساط الفن هذا والنجاح أغراها فوقعت العقود مع الإذاعة وشركات الأسطوانات.

 

وبالفعل ذهبت مع فريد إلى استديو مصر ليوقعا عقدا بالعمل في فيلم انتصار الشباب ولكن مديره أحمد سالم عرض عليهما أجرا زهيدا للقصة التي يدور حولها النقاش فاشتراها ودفع لأسمهان وفريد ما أرادا فقد عادت إلى اسم أسمهان وصارت تكره من يقول لها يا آمال.

 

إن اسم آمال رمز العهد البائد وينبغي أن يبدأ الاسم مع العهد ولا إمارة تريدها يكفيها لقب المطربة إن له في أذنيها وقعا  وتنغيما حبيبن  وثار خلاف بين فريد وتلحمي حول من يضع الألحان فقال فريد: أنا أضعها كلها.

 

 وفجأة جاء الأمير حسن من الجبل.. ويل الأمير من الأميرة التي قطعت كل علاقة لها به مع أنه يتلظى بنار حبها وعرف أنها تقيم في فندق مينا هاوس فذهب إليها ومعه فؤاد.


وفي سنة 1934 تزوجت من الأمير حسن الأطرش وانتقلت معه إلى جبل الدروز في سوريا ليستقروا في قرية عرى مركز إمارة آل الأطرش لتمضي معه كأميرة للجبل مدة ست سنوات رزقت في خلالها ابنة وحيدة هي كاميليا، لكن حياتها في الجبل انتهت على خلاف مع زوجها، فعادت من سوريا إلى مصر، وقد عاد إليها الحنين إلى عالم الفن لتمارس الغناء ولتدخل ميدان التمثيل السينمائي.


 
المصدر: مركز معلومات أخبار اليوم