«كل أزواجها ماتوا مقتولين».. تعرف على «نفيسة البيضاء» وسبيلها الأثري بالغورية

صورة موضوعية
صورة موضوعية

عاشت في الظل، وماتت في الذل، هكذا كانت حياة السيدة نفيسة البيضاء.. إنها (نفيسة قادن بنت عبد الله)، يقول الباحث الأثرى د. حسين دقيل أن نفيسة البيضاء جارية شركسية ولدت عام 1750م. وجُلبت إلى مصر من الأناضول، كما قيل إنها جاءت من بلاد القرم (ضمن أوكرانيا حاليا)، وقد أُطلق عليها (نفيسة البيضا) لأن بشرتها كانت بيضاء، كما أطلق عليها آخرون اسم (نفيسة المرادية) نسبة إلى زوجها الثاني (مراد بك). ومن الواضح أنها كانت بارعة الجمال لدرجة أن سيدها الأول (علي بك الكبير) لم يعتقها فقط، وإنما تزوجها أيضا، بل وكانت الجائزة التي طلبها أحد أشهر المماليك ثمنا لخيانته.

فقد قيل؛ إن ظهور أمر نفيسة بدأ عندما أصبحت ضمن حريم (علي بك الكبير‏)،‏ فأعجب بها‏، وأحبها، وبنى لها دارا تطل على بركة الأزبكية في درب عبد الحق، وبذلك صارت ملكه على عرش مصر، غير أن المملوك (مراد بك) وقع بدوره في حب نفيسة‏،‏ فلما أراد (محمد أبو الدهب) خيانة (علي بك الكبير) وتحدث إلى المملوك (مراد) في ذلك،‏ اشترط عليه الأخير نظير موافقته على الخيانة أن يسمح له بالزواج من هذه الجارية‏، فلما قُتل علي بك الكبير عام 1773م تزوج مراد نفيسة البيضا؛ فكانت بذلك جائزته على تلك الخيانة.

بعد مقتل مراد بك؛ تزوجت نفيسة من (إسماعيل بك) أمين احتساب المحروسة، ولم تعمر معه طويلا، فقد قُتل أيضا، فتزوجت من بعده (الأمير ذو الفقار) أمير لواء الجيش، الذي قُتل أيضا في صراع مع بعض المماليك. وهكذا يذكر التاريخ أن كل أزواج نفيسة البيضاء ماتوا مقتولين. 

ولكن.. وبقدر ما كان مراد بك من كبار الخونة، كانت نفيسة امرأة رائعة في جمالها وقوية في شخصيتها. وعاشت خلال فترة زوجها مراد بك، كواحدة من أثرى أهل مصر، بما امتلكته من القصور والجواري، فضلا عن تجارتها.

وكان للسيدة نفيسة مكان الاحترام والتقدير عند العلماء والأمراء‏، وعند الشعب أيضا، فقد كانت نبيلة وكريمة وموهوبة وذكية، تحدثت العربية والفرنسية فضلا عن التركية. وبسطت حمايتها على كثير من نساء المماليك المنكوبين،‏ وواست عددا كبيرا من الفقراء الذين تضرروا من الحملة الفرنسية، ودفعت كثيرا من الغرامات التي فرضها الفرنسيون على المصريين، ونالت بذلك احترام المصريين والأجانب.

في الوقت نفسه، حافظت السيدة نفيسة على علاقة (مجاملة) مع إدارة الحملة الفرنسية، حتى إنها سمحت بتمريض جرحى الجنود الفرنسيين في قصرها، وقيل إنها استضافت نابليون بونابرت على العشاء في قصرها، وأهداها ساعة مرصعة بالألماس.  ثم ماتت عام 1816م.

وبسبب حكايتها المليئة بالأحداث المثيرة، نسجت الكاتبة الفرنسية (فرنسواز برتوليه) تفاصيل حياة وموت السيدة (نفيسة البيضا) في قصة عنوانها:‏ "عاشت في الظل.. ماتت في الذل".

وللسيدة نفيسة، كما يقول الباحث الأثرى د. حسين دقيل سبيل عُرف باسمها، سبيل (نفيسة البيضا)، وهو سبيل أثري يحمل رقم (395) بسجلات الآثار الإسلامية، ويقع بشارع الغورية، بالدرب الأحمر، في القاهرة. وقد قامت على إنشائه السيدة (نفيسة البيضا) خلال العصر العثماني عام (1211هـ/ 1796م).

واجهته من الواجهات نصف الدائرية، التي تطل على الشارع بثلاثة شبابيك، توجد في دخلات معقودة ترتكز على أربعة أعمدة ملتصقة بالواجهة، وهذه الشبابيك مغشَّاة بأشكال زخرفية نباتية متشابكة. ومما يسترعي الانتباه زخرفة الجزء العلوي المعقود من هذه الشبابيك، حيث إنها تشبه نهدي امرأة، وهذا النوع من الزخرفة أراد به الفنان أن يشبه عطاء الأم لطفلها، كعطاء السبيل لوارديه العطاشى والظامئين للماء. 

ونوافذ السبيل، مغطاة بقضبان نحاسية مزخرفة جميلة (تسمى مصبعات) كانت تربط فيها أكواب الشرب بسلاسل. وفي الطابق الثاني، يوجد الكُتاب، والذي كان له دور كبير في تعليم اليتامى. 

وقد نُقشت على واجهة السبيل أبيات شعرية تمتدح فضائل تلك السيدة نفيسة تقول كلماتها:

سبيل سعادةٍ ومراد عز وإقبال لمحسنة رئيسة
يسرك منظرٌ وصنع بديع وتعجب من محاسنه الأنيسة
جرى سلساله عذب فرات فكم أحيت به مهجا بئيسة
نؤرخه سبيل هدى وحسن لوجه الله ما صنعت نفيسة.
 

 

اقرأ أيضا

بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة 13 مايو من مسجد السيدة نفيسة