بعد نشر مأساة فنان تشكيلي من ذوي الهمم.. 7 سنوات سجنًا للمتهمين بتعذيبه

زنكو جراف مأساة الفنان التشكيلي
زنكو جراف مأساة الفنان التشكيلي

بقلم : محمود صالح
نشرت «أخبار الحوادث» في العدد رقم ١٥٣٤ الصادر بتاريخ ١٩ أغسطس من العام الماضي تحقيقًا صحفيًا تحت عنوان «حوار بالإشارة..تعذيب فنان تشكيلي من ذوي الهمم»، عن شاب بسيط يعيش في قرية «طحا بوش» التابعة لمركز ناصر بمحافظة بني سويف، والذي تكالب عليه شخصان - لا يمتان بصلة للإنسانية - استغلا أنه من الصم والبكم، واستدرجاه إلى غرفة في منزل أحدهما، وأوسعاه ضربًا وتعذيبًا، وكادا أن يصوراه عاريًا لولا أنه استطاع الهروب منهما، لتنصره عناية الله في المرة الأولى، وينصره القضاء ثانيًا بعدما تم الحكم على المتهمين بالسجن ٧ سنوات. تفاصيل الواقعة والحكم في السطور التالية..

«سيد» شاب بسيط، عانى طيلة حياته كي يقبله الناس بما هو عليه، وعانى أكثر في أن يكون له بينهم مكانا، واستطاع أن يشق الصخر ويكمل دراسته، حتى تخرج في كلية التربية النوعية بجامعة الفيوم.


نشأته القاسية جعلت محرابه الرسم، أنشأ فيه عوالمه الخاصة، وحياته التي كان يحلم بها، حتى أنه استطاع من خلال دراسته في المقام الأول وموهبته ثانيًا في أن يصبح عن جدارة، فنانًا تشكيليً بامتياز، ولوحاته تدل على ذلك.


كانت حياته قاسية، والحالة المادية التي عليها أسرته تزيدها قسوة، و»سيد» يأمل في أن يكون هو ذلك المنقذ لأسرته، لكنه باستمرار يسأل نفسه كيف يفعل ذلك، وهو لا يتقن غير الرسم، ولا يهوى غيره، رأى أن رسوماته تلك لو خرجت للنور، وأتيحت للعرض في معارض القاهرة للفن التشكيلي، ربما يدر الأمر عليه نجاحًا يتمناه، وأموالا تنقله وأسرته من فقر مدقع إلى حياة عادلة يستحقونها، لذلك كان لا يدخر جهدًا في الاستزادة من دراسة كافة فنون الفن التشكيلي وليس اعتمادًا فقط على الموهبة التي منحها الله إياه، ويقطع عشرات الكيلو مترات بحثًا عن لون معين أو ريشة يستخدمها.


حفلة تعذيب

قبل حوالي ثماني أشهر، كان «سيد» في قرية متاخمة لقريته كي يشتري بعض الألوان التي يحتاجها، لكنه فوجئ أن المحل الذي يشتري منه مغلق، وعليه حاول أن يسأل عن محل غيره حتى يشتري منه، فجأة يظهر شابان استغلا عدم قدرته على الكلام، وأنه لا يحكي إلا بلغة الإشارة، معتقدين بأنه صيد ثمين سهل، حاولا استدراجه وخطفه.


في البداية أوهماه بكرم ضيافتهما، وصدقهما بوداعته وطيبة قلبه، وتكالبا عليه داخل غرفة ليس بها غير زجاجات من الخمر، وبعض من أوراق «البفرة» التي يستخدمانها في تدخين المخدرات، قيداه، وأوسعاه ضربًا، وأخذا منه ما تبقى معه من مال، وأتلفا بعض الأوراق التي كانت معه، بل أنهما حين وجدا المال الذي معه ليس كما كانا يتوقعان، حاولا أخذ توقيعه عنوة على إيصالات أمانة، حتى يتسنى لهما أخذ تلك الأموال من أهله فيما بعد.


لم يرحما ضعفه ولا قلة حيلته، وأنه بينهما يبكي بكاءً دون أن يدمع من حسرته، وفرط ما تعرض له من تعذيب، دون أن يفهم لماذا، ودون أن يستطيع أن يصرخ لينقذه الناس، وعندما أدرك أنه لن ينقذه من براثن هذين إلا يديه، ألهمته قوته واستطاع أن يضربهما قبل أن يجرداه من ملابسه، وفر هاربًا  إلى شقة أحد الجيران، ولولا طيبة هذا الجار، وموقفه النبيل، لما استطاع «سيد» أن يعود إلى بيته في تلك الليلة سالمًا، ولم يسترد ما أخذ منه.


حكم
ظل على صمته دون أن يحكي لمدة ثلاثة أيام، كانت نيته أن لا يفصح عن ما تعرض له لأحد، لكن إحساس الظلم الذي يراوده جعله يبلغ اخصائي التخاطب الذي يجلس معه، الذي أقنعه ومن ورائه أهله بضرورة تحرير محضر بالواقعة، حتى يأخذ هذان المتهمان عقابهما في الدنيا عن ما اقترفت يداهما، وليكون عقابهما رادعًا، وحتى لا يتجرأ أحد غيرهما ويفعل هذه الفعلة الشنعاء. وبالفعل، بعد محاولات مستميتة لإقناعه اقتنع وحرر المحضر، والذي يحمل رقم ٤٨١٧ لسنة ٢٠٢١ جنح مركز ناصر، وقبل أن يحل المساء كان هذان المجرمان في قبضة الأجهزة الأمنية بقسم شرطة ناصر.


استطاعت مباحث بني سويف عبر كاميرات المراقبة المتواجدة في المكان الذي استدرج فيه الشابان «سيد» من التعرف عليهما، وتحديد هويتهما، وتبين أن أحدهما يدعى «عبد الرحمن م.ع» والآخر «ماهر م.ح»، وأن الأخير له معلومات جنائية، سرقة وبلطجة. وأن شقته هي التي حدثت فيها الواقعة، وبعد القبض عليهما ومداهمة الشقة تبين أن فيها المحتويات التي قالها بالإشارة «سيد» في محضر الشرطة، بعدها تم إحالة المحضر إلى النيابة العامة لاستكمال التحقيقات.


طلب محقق النيابة، في بادئ التقرير الطبي لتوضيح مدى الإصابات التي تعرض لها «سيد» وتبين من خلال التقرير أنه يعاني من انفصال شبكي بسبب كثرة ضربه على وجه وعينيه، بالإضافة إلى آثار ضرب مبرح على نواحي كثيرة في جسده، وعليه أمرت النيابة بعد استكمال تحقيقاتها بإحالة القضية إلى محكمة جنح بني سويف.


خلالها حاول المتهمان الدفاع عن نفسيهما، ونجحا عن طريق محاميهما في طلب خروج مؤقت بضمان محل الإقامة، وعليه خرجا الاثنان محاولين اقناع أهل سيد بالتنازل عن القضية بالحسنى تارة وبالتهديد تارة أخرى، حتى انتهى الأمر، وفي خلال ثماني أشهر، تم الحكم غيابيًا على المتهمين بالسجن ٧ سنوات.


بعد أن تم الحكم على المتهمين غيابيًا زادت نبرة التهديد لـ «سيد» وأهله، لكن كان الموقف من البداية واضحًا، أنه لا تنازل، وأن حق هذا المسكين عليه أن يأخذه كاملًا، وأن جزاءهما لابد أن يكون رادعًا. وأن العدالة لابد أن تأخذ مجراها.


والآن «سيد» يناشد اللواء طارق مشهور مدير أمن بنى سويف سرعة القبض على المتهمين بتعذيبه والاعتداء عليه.

اقرأ ايضا | ضبط 19 تاجر مخدرات وتنفيذ 7456 حكم قضائي خلال حملة أمنية بالقليوبية