هل كان جنيا؟

هل كان جنيا؟
هل كان جنيا؟

تحول هدوء الجيران الذى كان يشهد به الجميع من أبناء القرية إلى صراخ وصدام وعداوة بين الطرفين، اختفت المحبة والمودة، توطنت مكانهما الكراهية والانتقام، القوى مارس بطشه على الضعيف، وفرض إرادته متباهيا بكثرة أبنائه وجبروت سلطاته، أما الضعيف فبحث عمن يقويه حتى لو كان الهدف سحق جاره.. بدأت الخلافات بين الجارين تأخذ وتيرة العنف أولا باول، خاصة بعد الاتهامات المتبادلة بينهما حول مسئولية إلقاء القمامة أمام المنزل، ورفض أحدهما السماح للآخر بفتح نافذة للتهوية فى الشارع الذى يجمعهما، مما تسبب فى إراقة الدماء بين الجارين، وإشعال الحريق فى منزل أحدهما، بل وضربه وزوجته وتهديدهما بالطرد من القرية.

ظن أهل القرية أن القوى فرض سلطانه، وخضع الضعيف له، لكن الأمور كانت لها حسابات أخرى، فابتسامة النصر التى كان يطلقها الجار القوى وأبناؤه كانت تقتل الجار الضعيف، تجعله لاينام ليله ولا نهاره، يبحث عن الانتقام بعد أن أصبح أمام زوجته عاجزا عن الدفاع عنها، أراد رد الإهانة والضربات التى تلقاها أمام أهل قريته، لذلك قرر البحث عن عداوة مستمرة وانتقام سريع.


ظل الجار المهان يفكر ليل نهار عن وسيلة لكسر جاره، والانتقام منه، حتى أوعزت إليه زوجته بالحل، أخبرته أن السحر هو الطرف الوحيد القادر على الانتقام من الجار وأبنائه الثلاثة، ساوره القلق بعد سماع رغبة زوجته، لكنها أرادت تطمينه أكثر، فأخبرته ان الانتقام من جارهم لن يكون بتمنى الموت بل يكفى «كسرة عين» يكون هدفها إيذاء أسرته وتشتيت حياتهم.


رفض الزوج اللجوء إلى السحر، خشى أن يكتشف أحد ما ينوون فعله، فتكون نهاية أسرته، ومصيرها الذى لن يخرج عن الطرد من القرية وبيع أملاكهما بثمن بخس.


تمسك بقراره، وظل يبحث عن وسيلة انتقام أخرى، لكن على الجانب الآخر لم تصمت الزوجة «المهانة» قررت سرا، السير فى خططها، ذهبت إلى «دجال» يمارس السحر والشعوذة يسكن فى أطراف قرية مجاورة، قصت له ما حدث، أخبرته أن جارهم القوى وأبناءه الثلاثة اعتدوا على زوجها أكثر من مرة، أشعلوا النار فى بيتها، وحرموها من فتح نافذة لإدخال الهواء وأشعة الشمس إلى بيتها، لم تكتفِ الزوجة بذلك، بل أحضرت بعض الملابس الخاصة بأبناء جارها الثلاثة، إلى الدجال، سرقتها من «حبل الغسيل الذى يلاصق سطح منزلها».


طلبت الزوجة الانتقام من الأبناء الثلاث حتى تحرق قلب أبيهم عليهم، أخبرت الدجال أنها اتفقت مع زوجها على ذلك وأنهما لن يبخلا عليه إذا نفذ طلبهما وانتقم من الأبناء الثلاثة، لكن بالطريقة التى أرادها الاثنان، شريطة أن يظل سرا بينهما ولا يعلمه أحد.


ابتسم الدجال، ووعد الزوجة بتنفيذ كافة مطالبها، مارس طقوسه وشعوذته أمامها، وأخبرها أنه بعد 10 أيام سيتحقق المراد وعليها فقط أن تراقب الوضع عن قرب وتعلمه بكل جديد.


على الجانب الآخر، كان الجار القوى حزينا بما حدث لجاره، فعشرة العمر بينهما كبيرة، لكن الوضع وقتها كان يستدعى أن يكون هناك منتصر، لذلك طلب من شيخ القرية أن يتدخل ويصلح بينهما، فالأمور لا تحتاج عداوة مستمرة، وبالفعل اجتمع الاثنان المتخاصمان فى المسجد وحضر أهل الصلح وقاموا بالتوفيق بينهما وإزالة كل عوامل الكراهية بين الجارين.


لم تعلم الزوجة بما حدث فى المسجد، فوجئت بزوجها وجارهما «العدو اللدود» يسيران بجوار بعضهما ويتبادلان الضحكات، ارتسمت علامات التعجب على وجهها، وانتظرت حتى يحضر إلى البيت لتعرف حقيقة ما رأته بعينها، ليحكى لها الزوج ما حدث ويخبرها عن تصالحهما وعودة الأمور بينهما إلى طبيعتها.


أكد الزوج لزوجته صراحة أنه لم يكن فى نيته أذية جاره، فهما أبناء عمومة، لكنه احتسب ما حدث بينهما أمام الله وفوض له أمر أخذ الحق من جاره، لكنه الآن اعتذر الجار، وطلب العفو، والحمد لله كنت من الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس.. وقبلت اعتذاره.


ثارت الزوجة بعد سماع حديث زوجها، سألته فى ضيق، هل سمح لك بالقصاص منه، منحك عصى وطلب منك ضربه على رأسه وإسالة الدماء منها، هل أعطاك الحرية بضرب وإهانة زوجته مثلما فعلوا معي، هل منحوك «كبريت» وطلبوا منك إشعال النيران فى منزلهما، ووافقوا بابتسامة على فتح نافذة لإدخال الشمس إلى منزلنا؟


لم يرد الزوج على تساؤلات شريكة عمره، لتخبره الزوجة بما اتفقت عليه سرا مع «الساحر»، ثار فى وجهها، قام بصفعها وإهانتها، طلب منها التوجه بسرعة إلى الدجال وإجباره على التوقف عن أى فعل يؤذى جاره أو أبناءه.


رفضت الزوجة، وأخبرت زوجها أن الأمر قد تم بالفعل، وأن الدجال طلب منها أن تراقب ما يحدث وتخبره أولا بأول، لم يستطع الزوج الانتظار توجه إلى بيت الدجال، لكنه لم يجده، علم أنه فى هذه الفترة يغادر القرية ويتوجه للعمل فى عدد من قرى الصعيد ثم يعود بعد ثلاثة أشهر.


حاول التواصل معه، لكن هاتفه كان مغلقا .. انتظر الزوج حتى يعود «الدجال»، فى حين ظلت الزوجة تراقب وضع جارهما جيدا، حتى حدثت العلامة الأولى، ترك الابن الأوسط «الممرض» عمله فى أحد المستشفيات الحكومية، خسر وظيفته ورفض العودة رغم إلحاح الأب عليه وإصلاح ما حدث مع مدير المستشفى لكن الابن ظل على وضعه.


ارتسمت السعادة على وجه الزوجة وظنت أن مرادها تحقق، فى حين ترك الزوج البيت وتوجه للبحث عن «الدجال» لفك السحر الذى سخره لايذاء جاره، بعد أن ظهرت أولى العلامات.


وفى الشهر الثانى، حدثت العلامة الثانية، تشاجر الابن الأكبر مع مديره فى إحدى شركات «الهواتف المحمولة» مما تسبب فى صدور قرار إدارى بفصله عن العمل وتقديم شكوى ضده للنيابة العامة لإحداثه إصابات بالغة بزميله.


ومع قدوم الشهر الثالث، صدر قرار بإيقاف الابن الثالث عن العمل بإحدى الجهات القضائية، رغم حداثة تعيينه بها، لتكتمل مهمة الدجال من وجهة نظر الزوجة.


وسط هذه الأحداث المتتالية، كان الجار يصرخ مما أصاب أبناءه، لا يعرف ماذا يحدث لهم؟، لقد تركوا أعمالهم، وجلسوا معه فى البيت، أما على الجانب الآخر لم يتحمل الزوج ما فعلته زوجته، عاتبها وتشاجر معها، وخيرها بين فك السحر أو الطلاق.


اختارت الزوجة ترك البيت والتمسك بالسحر، توجهت إلى منزل أسرتها، خشية من أن يخبر زوجها جارهما بما فعلته من سحر وشعوذة بحق أبنائه الثلاثة، فينتقم منها.


مرت 4 أشهر والوضع كما هو، الزوجة هجرت البيت والخلافات مع زوجها تتزايد، ليس ذلك فقط بل أقامت دعوى تبديد منقولات ضده بمحكمة الأسرة بالفيوم، وهددت زوجها أنه فى حالة كشف السر ستخبر جارها أنه من طلب منها اللجوء للسحر لإيذائه، فى حين توجه الزوج إلى أحد مشايخ القرية وأخبره بقصة تشبه ما فعلته زوجته، إلا أن الشيخ طمأنه أن السحر لا يصيب أحدا إلا إذا قدر الله له ذلك، وعليه العمل على إصلاح اى شيء يؤذى جاره.


لم يتحمل الزوج خيانة جاره، توجه إلى قسم الشرطة وأبلغ عن الدجال، الذى تم القبض عليه، وتبين أنه يوهم ضحاياه بالدجل والشعوذة ويلعب على حالتهم النفسية بعشرات الكتب التى تم العثور عليها فى بيته، حيث اعترف أنه لا يعرف شيئا عن السحر، وأن دوره كان إقناع ضحاياه بأن مرادهم سيتحقق بطرق نفسية بحتة.


اطمأن الزوج أن السحر الذى لجأت إليه زوجته لم يكن له دور فيما يحدث لأبناء جاره، قرر محاولة مساعدتهم للخروج من الأزمة الصعبة التى يمر بها أبناؤه الثلاثة، لكن جاره كان سباقا فى المبادرة ..

جلس معه واعتذر عما حدث بينهما، أخبره انه يخشى ان تكون دعوته يوم المشاجرة بينهما هى السبب فيما تمر به أسرته من أزمات، لذلك سمح له بفتح نافذة فى الشارع الذى يمر من بين منزلهما، وقدم أمام المصلين فى المسجد اعتذارا لجاره، وطلب منه مسامحته.


قابل الجار ما حدث بابتسامه وشكر الله، لكنه فوجئ بمحضر من محكمة الأسرة بالفيوم يخبره بدعوى الطلاق للضرر التى أقامتها زوجته ضده، حزن الزوج كثيرا.. وقرر حضور الجلسة الأولي، ليكشف كل ما حدث.


أخبر الزوج القاضى بما فعلته زوجته بجاره، والسحر الذى حاولت من خلاله إيذاءه والانتقام منه، لكنه عجز عن تقديم الأدلة التى تدينها، فى حين قدم محاميها محاضر الضرب والاعتداء، لتقضى المحكمة بتطليق الزوجة.

اقرأ أيضاً| كيف تحولت نيفين أنور في «المماليك» من ممرضة إلى فتاة ليل؟