د. شوقى علام مفتى الجمهورية: فوضى الفتاوى أنتجت الفتن

 د. شوقى علام مفتى الجمهورية
 د. شوقى علام مفتى الجمهورية

أجرى الحوار : ضياء أبو الصفا

نهى الإسلام عن الإفتاء بغير علم فى أى تخصص ومجال وأرشدنا إلى أن الأحق بممارسة الإفتاء وخوض غماره وهم أولو العلم من منطلق مراقبته للحالة الدينية المعاصرة  يعلم  د. شوقى علام مفتى الجمهورية جيدًا كم تسبَّبت فوضى الفتاوى والتجرُّؤ على الفتيا فى إحداث اضطرابات وفتن ..فى حوار متجدد مع «الأخبار» يؤكد أهمية احترام التخصص الديني، ويشدد على أن ذلك لا يعد كهانة فممارسة العلم الشرعى تخصص دقيق وممارسة الإفتاء تخصص أدق ،ويشدد على أنه لا يوجد مجال تجرَّأ عليه غير أهل الاختصاص فيه وادَّعاه مَن لم يحسنه ويتقنه أكثر من المجال الدينى ، ويوضح أن مقام الفتيا مقام رفيع فى الدين ومسؤولية جسيمة فقد تتسبب فوضى الفتاوى وجهالة المفتى فى قتل الناس وإشاعة الفوضى والفتن،كما يوضح كيفية إعداد دار الإفتاء لمفت قادر على ممارية الإفتاء باقتدار،فهى جهة متخصصة فى صناعة الفتوى وبها العديد من التخصصات فى جميع المجالات الشرعية و تقوم بإعداد البرامج المتخصصة بإعداد المفتين فى مصر والعالم الإسلامى وهى تستند إلى مبدأ الاجتهاد الجماعى من أفاضل العلماء فى كافة التخصصات الشرعية مستعينين بمتخصصين فى قضايا وعلوم الواقع. 

> التجرؤ على الفتيا يحدث فوضى ومخاطر كبيرة وقد رأينا كم الفتاوى التى تصدر من غير المتخصصين فكيف يمكن التحذير من ذلك؟
المتابع المراقب للحالة الدينية المعاصرة يعلم جيدًا كم تسبَّبت فوضى الفتاوى والتجرؤ على الفتيا فى إحداث الاضطرابات والفتن، ولا يوجد مجال تجرأ عليه غير أهل الاختصاص فيه وادَّعاه من لم يحسنه ويتقنه أكثر من المجال الدينى بشكل عام والإفتاء بشكل خاص وهذه الجرأة لا يمكن أبدًا أن تصدر عن تديُّن سليم ولا عقل مستقيم؛ ذلك أن التدين الصحيح له دلائل ومقوِّمات من أهمها وفى مقدمتها عدم مخالفة الأمر الصريح من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء النهى القرآنى الواضح عن عدم الإفتاء بغير علم فى أى تخصص ومجال فى قوله تعالى: «وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» أى لا تقولن فى شيء بما لا تعلم، وهذا النهى موجَّه فى المقام الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فما بالنا بآحاد أمَّته وأتباعه؟ أليس مَن هو دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بهذا النهى من أفضل خلق الله وخاتم رسل الله؟

 > كيف يمكن الرد على من يقولون إن الحديث فى الدين ليس حكرا على  الأزهريين فقط  وأن  الدين  مجال مفتوح للجميع؟
إن القرآن الكريم أرشدنا إلى من هو الأحق بممارسة الإفتاء فى الدين وخوض غمار البحث فى دقائق الأمور وهم أولو العلم، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) «التوبة : 122»، وقال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) ،كما روى الإمام أحمد فى مسنده عن ابْن عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا أَصَابَهُ جُرْحٌ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَصَابَهُ احْتِلامٌ، فَأُمِرَ بِالاغْتِسَالِ، فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: قَتَلُوهُ قَتَلَهُمِ اللَّهُ، أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءَ الْعِيِّ السُّؤَالُ؟! وقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْفُتْيَا أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ مَنْ يُفْتِى النَّاسَ فِى كُلِّ مَا يَسْتَفْتُونَهُ لَمَجْنُونٌ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ أَنَّهُ قَالَ: «مِنَ الْمَسَائِلِ مَا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهَا. وَمِنْهَا مَا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُجِيبَ عَنْهَا»،و كل هذه الأحاديث والآثار تبين لنا بيانًا شافيًا أن مقام الفتيا مقام رفيع فى الدين ومسؤولية جسيمة، فقد تتسبَّب فوضى الفتاوى وجهالة المفتى فى قتل الناس وإشاعة الفوضى والفتن.

معايير الفتوى

> ماهى المعايير التى  يجب توافرها فيم يتصدون للإفتاء ولماذا  تصرون على ان دراسة مناهج الأزهر ضرورى للمفتي؟
الإفتاء يحتاج إلى الاطلاع الواسع على علوم الشريعة والإحاطة بمصادر التشريع، ومعرفة مواطن الإجماع والخلاف، والإحاطة بعلوم الواقع وعوائد الناس ومعرفة طريقة استعمالهم للألفاظ، والأهم من ذلك عدم الميل إلى اتباع سبيل التشديد على الناس وكل هذه المقومات تحتاج إلى ممارسة العلم بطريقة متخصصة فى الأزهر الشريف أو ما يماثله فى المنهج والتخصصية، هذا من جهة العلم، أمَّا من جهة الممارسة فإن الأمر يحتاج إلى تدريب عميق فى المؤسسات المتخصصة فى شأن الإفتاء وعلى رأسها دار الإفتاء فدارالإفتاء  بوصفها جهة متخصصة فى صناعة الفتوى بها العديد من التخصصات فى جميع المجالات الشرعية كقضايا الأحوال الشخصية أو المعاملات المالية أو الأمور الاجتماعية أو القضايا المتعلقة بالواقع والشأن العام، وتقوم الدار بإعداد البرامج المتخصصة بإعداد المفتين فى مصر والعالم الإسلامي، حتى يبلغوا الدرجة التى تمكِّنهم من ممارسة الإفتاء باقتدار وتمكُّن، وحتى تكون الفتاوى الصادرة عنهم سببًا فى شيوع الأمن والأمان والاستقرار.

> كيف  تتم صناع الفتوى فى دار الإفتاء خاصة فى ظل وجود مسائل ونوازل عصرية تحتاج لجهد جماعي؟
صناعة الإفتاء فى دار الإفتاء تستند إلى مبدأ الشورى والاجتهاد الجماعى الذى يقوم به ثلة من أفاضل العلماء فى كافة التخصصات الشرعية، مستعينين بثلة من المتخصصين فى قضايا الواقع وعلومه وقد واجهت دار الإفتاء المصرية تلك الرياح العاتية التى مرت على مصرنا العزيزة من الجماعات الإرهابية المتطرفة التى مارست العنف والتكفير باسم الدين، وأفتت الناس بما يخالف كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت معول هدم فى جسد الأمة الإسلامية بعامة والأمة المصرية بوجه خاص، فهم مدركون تمام الإدراك أنه إذا سقطت مصر فلن تقوم للوطن العربى قائمة بعدها، وقامت دار الإفتاء المصرية بالتصدى لهذا السيل من الفتاوى المتشددة، وكانت الاستجابة الجيدة العالية من عموم الشعب المصرى الذى يميل بطبعه إلى انتهاج مبدأ الوسطية والبعد عن التشدد والغلو فى الدين.

> بما تردون على من يقولون إن رجال الدين  يمارسون»الكهانة» باحتكارهم العلم الشرعى وأمر الحديث  فى المسائل  الفقهية والفتوى؟ 
 ممارسة العلم الشرعى تخصُّص علمى دقيق، وممارسة شأن الإفتاء تخصُّص أدق، وهذا ليس من باب الكهانة فى الدين ولا احتكار الفتوى ولا العلم الشرعي، بل من باب التخصصية وإسناد الأمر إلى أهله، والمجال مفتوح لكلِّ مَن تأهَّل وتصدَّر بعلم وتلقَّى العلم على يد المتخصصين من علماء الأزهر الشريف،والكهنوت الحقيقى هو الذى تمارسه الجماعات الإرهابية التى ألزمت أتباعها مبدأ السمع والطاعة المطلقة وعدم مناقشة أمرائهم وقادتهم فيما يصدر عنهم من فتاوى وأحكام فى كل أمر صغير وكبير حتى فى شأن الدماء والأعراض، هذه هى الكهانة بعينها، والكهانة بعينها هى الفتاوى التى تصدر من غير المؤهلين ومن غير المتخصصين، أما أن يقال للمتخصِّص الذى عاش حياته متفرغًا لدراسة العلوم الشرعية أنه يمارس الكهانة واحتكار التفسير والفتوى فهذا لا يقول به عاقل أبدًا فى أى مجال من المجالات.

الأمن والاستقرار 

> يتهم البعض دار الإفتاء بأنها تصدر بيانات فى مسائل لا علاقة  لها بالتخصص فكيف يمكن تفسير ذلك.
 دار الإفتاء  تبذل جهودًا كبيرة من أجل العمل على شيوع الأمن والاستقرار فى هذا الوطن العزيز، وهى تتواصل مع الناس بكافة الطرق الممكنة فى الليل والنهار، وتمد يديها بالخير إلى كل من يريد الخير والاستقرار لهذا الوطن شأنها شأن جميع المؤسسات الوطنية التى تعمل من أجل سلامة هذا الوطن واستقراره.

> اهتم الإسلام بالشباب ونجد اهتماما مصريا أكبر بهذه الفئة ؟
أغلب الذين آمنوا برسالة النبى صلى الله عليه وسلم من الشباب، وقد ربَّاهم النبيُّ تربيةً خاصة، تربية محمدية، فنهلوا من عطائه ومن نوره، وفى هذا إشارة قوية لاهتمام الإسلام بالشباب فى البناء والتنمية والتعمير،و المتتبع لمسيرة العلماء الذين قدَّموا عطاءً علميًّا كبيرًا يجد أغلبهم من الشباب كالشافعى والنووى وغيرهم، فالشباب هم دعامة العلم والإنتاج والتقدم فى ميادين الحياة المختلفة، وهم رأس مال أصيل فى صنع حاضر زاهر ومستقبل مشرق للأمة، وهذا شأنهم وسُنَّة الله الكونية فيهم.

القيادة المصرية 

> كيف  ترون  اهتمام القيادة المصرية بالشباب؟
 احتضان القيادة المصرية للشباب من شأنه أن يقطع الطريق على المتاجرين والمزايدين الذين يستغلُّون حالة العزلة التى كان يعانيها شباب مصر خلال الفترات الماضية ليبثوا فى عقولهم التشوهات الفكرية ضد أوطانهم وعقائدهم الدينية، لكن جاءت خطوة القيادة السياسية فى الاهتمام بالشباب لتقطع على أمثال هؤلاء تربصهم بشباب مصر.

> كيف تدعم دار الإفتاء المشروعات التنموية فى مصر وخاصة «حياة كريمة»؟
الحياة الكريمة التى نبتغيها تقتضى مجتمعًا متماسكًا ينبذ التعصب ويُعلى من قِيَم التعايش والمواطنة  وقد كان لدار الإفتاء دورها الكبير فى ذلك الشأن، خصوصًا بإنتاجها المتواصل المحارب لكافة مظاهر التطرف الذى يُعد عائقًا رئيسيًّا للمواطنة ولتحقيق التنمية الشاملة، فأصدرت الدار عددًا من الدراسات النوعية الهادفة لتفكيك الفكر المتطرف، كما أطلقت عددًا من المشروعات الهادفة، كالمؤشر العالمى للفتوى والدليل المرجعى الأول من نوعه لمواجهة التطرف والتعامل مع الأفكار والأشخاص المتطرفين، بجانب الفتاوى المتعلقة بقيم المواطنة وموقعها من الإسلام.

> محاولات بائسة من  أعداء الوطن للوقيعة وبث القتنة بين المصريين فكيف يمكن التغلب على هذه المحاولات؟
أعداء الوطن لا ينفكون عن محاولات تعكير صفو المصريين بين حين وآخر، إلا أن روابط الأخوة والمحبة بين أبناء مصر ووعيهم الشديد هو بمثابة حائط صد منيع أمام كل من يحاول الوقيعة وإثارة الفتنة بين المصريين ويهدد استقرار المجتمع، فقد ضربت مصر مثالًا فى المواطنة والعيش المشترك يستحق أن يكون نموذجًا متَّبعا.