ريشة طاهر عبدالعظيم تستعيد ذكريات رمضان

«بائع العرقسوس»
«بائع العرقسوس»

كتب: هاجر علاء عبدالوهاب

تأخذنا ريشة الفنان الدكتور طاهر عبدالعظيم إلى رحلة خاصة فى المحروسة وأجواء شهر رمضان الكريم، من خلال أسلوبه الفنى المميز بشحنة من المشاعر الوجدانية القادرة على مداعبة ذاكرة المتلقى، لاستدعاء ذكريات جميلة مرتبطة بالماضى وعادات وتقاليد شعبية، ربما تكون قد غابت عنا لكن لا نزال متعلقين بها، فثقافتنا الشعبية تدفع بداخلنا الحنين والشوق لرؤية عمل فنى يحمل حالة جمالية ممتعة من وحى الماضى.

 

طاهر عبدالعظيم، فنان مهتم بالبيئة المصرية وعنده ولع شديد بالحياة الشعبية وجمالياتها، ويظهر ذلك فى لوحاته التى استوحى معظمها من تجربته الشخصية، وذكريات طفولته التى تسيطر عليها الحارة المصرية الأصيلة، حيث نشأ فى حى السيدة زينب، أحد أبرز الأحياء الشعبية جمالًا ودفئا. ونجح فى نقل العادات والموروثات الشعبيه للمتلقى بإحساس مرهف، فخلق بينه وبين اللوحة لغة حوار، فتتدفق الذكريات بداخله ويشعر كأنه داخل اللوحة بمشاعره، ويقوم باسترجاعها كأن الزمن يعود لذكريات جميلة محفورة فى وجدانه، ويكتمل هذا الإحساس بتناغم المنظر مع الألوان الدافئة النابعة من حس خاص للفنان، وتكنيكه اللونى المميز والمتدفق الذى يظهر الانفعالات العاطفية الداخلية التى يجسدها فى لوحاته.

 

نلمح فى لوحة «بائع العرقسوس» ما يظهر دقة الأداء اللونى للفنان، حيث جاء العنصر الأساسى فى اللوحة وهو بائع العرقسوس يرتدى قميصه الأبيض ويحمل قربة زجاجية بداخلها المشروب الرمضانى المميز «العرقسوس»، وفى يده الأخرى الصاجات النحاسية يصطكها معلنًا وصوله، فنجد دقة التفاصيل وجمال الألوان والتكنيك المميز فى استغلال الضوء والظل الذى يبرز القيمة الجمالية فى هذا العمل الفنى، فيظهر البائع كبؤرة ضوء داخل مشهد ليلى فى الحارة ليترجم تناغم الألوان مع دقة الحركة فى يده وجذع البائع وإيماءات وجهه، وفى الخلفية تظهر الحارة بشكل جميل مع زينة رمضان، بألوان جذابة ودافئة تسهم فى بروز المشهد، فيظهر العمل الفنى متكامل الأركان.

 

إقرأ أيضاً | فوائد سحرية تجبرك على تناول العرقسوس.. يمنع تسوس الأسنان ويحارب الفيروسات

 

وفى عمل آخر داخل مجموعة الأعمال الرمضانية لنفس الفنان يتناول تفاصيل أخرى مرتبطة بشهر الصوم وليالى الإنشاد الدينى والذكر و«التنورة»، وهى تفاصيل يختلط فيها تاريخنا وعاداتنا الشعبية بالحالة الروحانية فتأخذنا لعالم مغاير وتفصلنا عن الواقع، ونجد أنفسنا داخل اللوحة بكل تفاصيلها، فدائما ما يجذبنا طاهر عبدالعظيم بطريقة تعبيره وإخراجه للعمل الفنى، فنجده محملا بشحنة وجدانية من تراثنا الشعبى بكل تفاصيله من حيث اللون والتكنيك ويظهر ذلك فى إحساسه كفنان بحركة راقص التنورة والمنشدين حاملى الدفوف كأنهم فى حالة حركة فعلية داخل اللوحة تعكس حالة فريدة من الروحانية والتصوف.

 

وجاء اختيار اللون الأبيض فى ملابس المنشدين ليكون تعبيرا عن النقاء، كأنهم مصدر إضاءة روحانية، بينما حركة راقص التنورة تأكد حالة الزهد والتصوف، مع أجواء الإنشاد فى ليالى رمضانية معطرة بذكر الله وحمده وتسبيحه وحالة الصفاء الداخلى فى ليلة روحانية مميزة تحمل نسائم الخير والبركة، ومن ثم يجسد الفنان ليالى رمضان بلمسته الخاصة وألوانه الدافئة ودمجها مع الألوان المبهرة لراقصى التنورة فتتعانق الألوان مع اللون الأبيض فتصنع نوعا متفردا من الجمال فى اللوحة وتظهر فى الخلفية الحارة المصرية بألوانها العتيقة وبتكنيك مميز لتؤكد على إحياء تراثنا الشعبى وذكرياتنا وكيف كان يعيش المصريون زمان، وتسليط الضوء على أشياء قد نكون افتقدناها الآن فى زمن التكنولوجيا.

قاموس الفن

الإبداع والتراث

هناك علاقة وثيقة بين الفن والحياة والثقافة المرتبطة بالعادات والتقاليد والعقائد المختلفة، بين التراث والتاريخ، بين ثقافة مختلف البيئات، فنجد أساليب عدة فى التعبير عن الحالة الفنية والمتغيرات عبر العصور.

 

فإذا لم نستخدم الفن التشكيلى والفنون الجميلة فى التعبير عن بيئتنا والاعتزاز بها والتأكيد على الهوية المصرية وحضارتنا والموروث الشعبى النابع من ثقافتنا، فسوف نستلهم إبداعنا من فنون الغير ونصبح مسخا لثقافة غيرنا، فلا بد من التأكيد على مقولة أن الفن جزء لا يتجزأ من ثقافتنا ولا يمكن استعارة فنون وثقافة أخرى وإقحامها على تراثنا الشعبى المتميز.

 

وفى ضوء ذلك، نجد أن الفنان مزج بين عدة مدارس فى عمل واحد ليخرج العمل الفنى على أكمل وجه ويصل للمتلقى بشكل جمالى متكامل، وعلى سبيل المثال المزج بين التأثيرية والواقعية، وبين الواقعية والرومانسية، وبين التعبيرية والواقعية.. وهكذا، فيظهر العمل الفنى روح وإحساس المبدع وتصبح اللوحة مزيجا بين الحياة والثقافة وينشأ حوار غير مسموع بين الفنان والمتلقى.