أيامنا الحلوةl حكاية أغنية «رمضان جانا»

المطرب محمد عبد المطلب
المطرب محمد عبد المطلب

ندى محسن

رمضان جانا وفرحنا به بعد غيابه وبقاله زمان، غنوا وقولوا شهر بطوله، غنوا وقولوا أهلاً رمضان”.. عندما نستمع إلى نغمات هذه الكلمات من محطات الراديو والتليفزيون نتأكد معها إعلان قدوم شهر رمضان بعد استطلاع رؤية الهلال، تلك الكلمات التي غناها المطرب محمد عبد المطلب في منتصف ستينيات القرن الماضي ومازال صداها يتردد في العالم العربي بأكمله حتى أصبحت “أيقونة” استقبال الشهر الكريم، إذ وصف عبد المطلب الأغنية في إحدى تصريحاته الصحفية بأنها أهم وأشهر من بيان المفتي الذي يُعلن من خلاله استطلاع هلال شهر رمضان.

الصدفة هي التي قادت المطرب عبد المطلب إلى غناء الأغنية الأشهر في تاريخ الأغنيات الرمضانية، وربما لم يكن يدري أو يتوقع لها هذا النجاح الكبير الذي استمر منذ منتصف ستينيات القرن الماضي وحتى الآن، فقد اتجه حينها إلى مبنى الإذاعة المصرية حتى يستمع إلى أعمال المؤلفين ليختار منها ما يُغنيه ويقدمه للجمهور بسبب معاناته من ضائقة مادية في ذلك الوقت، وكانت الأغنية في البداية معروضة على المطرب أحمد عبد القادر الذي كان من المقرر أن يُغني أغنيته الرمضانية الشهيرة أيضاً “وحوي يا وحوي”.

 

ولأن الإذاعة المصرية كانت من ضمن لوائحها وشروطها حينها هو رفض قيام مطرب واحد بغناء أغنيتين عن نفس الموضوع لذلك تنازل عبد القادر عنها لعبد المطلب الذي تقاضى قيمة أجره عن غنائها مبلغ 6 جنيهات فقط لإحتياجه الشديد للمال في ذلك الوقت، في حين تكلف إنتاجها 20 جنيهاً مصرياً، واستغرق تسجيلها أسبوعاً، وتم بثها عبر الإذاعة لأول مرة عام 1965.

 

وربما لا يعرف الكثيرون أن الأغنية واجهت الفشل قبل أن يُقدمها عبد المطلب بصوته، حيث قام بغنائها لأول مرة مطرب يُدعى محمد شوقي، والذي لحنها له سيد مصطفى في سبتمبر عام 1943، لكن الأغنية تعرضت للفشل ولم تُحقق حينها أي نجاح يذكر، وهو ما دفع الشاعر حسين طنطاوي لعرض كلمات الأغنية مرة أخرى على الملحن محمود الشريف ليقوم بغنائها عبد المطلب، ولم تُحقق حينها نجاحاً كبيراً وحسب، بل أصبحت واحدة من أشهر الأغنيات العالقة في أذهان ووجدان المصريين حتى قال عنها عبد المطلب في إحدى تصريحاته الصحفية أنه لو كان تقاضى جنيهاً واحداً على كل مرة أُذيعت فيها الأغنية لأصبح مليونيراً” . 

 

تعرضت الأغنية أيضاً للتعديل بعد إذاعتها، إذ تم حذف مقطعين من كلمات الأغنية: “بليل نولع قناديلك والشمع يقيد .. والليل بطوله نغنيلك ونقول ونعيد .. وندور على بيوت أصحابنا نملى جيوبنا من أحبابنا” هذا المقطع الأول الذي تم حذفه بعد دخول الكهرباء إلى كل المنازل والبيوت في جميع محافظات مصر المختلفة بإعتباره يتعارض مع التقدم والتطور الذي شهده العصر الحالي بعد أن كان اعتمادهم الأول في إنارة وإضاءة البيوت على ما كان يُعرف قديماً بـ “اللمبة الجاز” ، أما المقطع الغنائي الثاني الذي تم حذفه هو: “من العصر نستنى المدفع وودانا معاه.. من فرحة ساعة ما يلعلع في الجو صداه .. والأكل قدامنا محمر ومشمر .. رمضان جانا أهلاً رمضان”، والذي تم حذفه بسبب طول مدة الأغنية التي تتعارض مع التسجيل التليفزيوني .

 

ورغم الحظ السئ الذي واجه الأغنية في البداية، إلا أنها تعتبر من الأغنيات الرمضانية القليلة التي تم تصويرها على طريقة الفيديو كليب، وذلك عام 1981 تحت إدارة المخرج يسري غرابة الذي إلتقط مشاهد ومقاطع حية من الشارع المصري تعكس عادات وطقوس المصريين ومظاهر احتفالهم بالشهر الكريم من تعليق الزينة والمصابيح المُضيئة والفوانيس داخل المنازل والشوارع، وفرحة الأطفال وبهجتهم التي تظهر على ملامح وجوههم، وإتجاه العديد لشراء لوازم رمضان من الكنافة والقطايف.