إبليس:هل وصل التحريف إلى القرآن؟

«آخرساعة» تجيب عن أسئلة الشيطان (2)

أسئلة الشيطان
أسئلة الشيطان

بقلم: حسن حافظ

القرآن الذى يُقبل المسلمون على قراءته، خصوصا فى شهر رمضان المعظم محرف! وهناك الكثير من السور والآيات التى تم حذفها لأسباب مختلفة، لذا فالمصحف الحالى لا يضم القرآن كاملا، وهناك اختلاف فى قراءة الكثير من الآيات.. وهناك من يقول بوجود مصحف كامل أكبر من المصحف الحالى كان عند السيدة فاطمة الزهراء لكنه ضاع.. هذه بعض أشهر الأقاويل التى تثار حول القرآن الكريم على أكثر من مستوى سواء كان من بعض أبناء تيار الاستشراق أو المعادين للدين الإسلامى أو حتى بعض صفوف الشيعة الذين يزعمون أن القرآن تم تحريفه للقضاء على فرص الإمام على بن أبى طالب فى تولى الخلافة. فهل هذه الأقاويل والادعاءات حقيقية أم إنها مجرد افتراءات لا تثبت أمام المنهج العلمى الصحيح؟ فما قصة السور المحذوفة؟ وهل هناك آيات تم التلاعب بها من أجل أهداف سياسية؟ ما الذى يثبت أن القرآن بشكله الحالى هو النص الذى أوصله النبى صلى الله عليه وسلم إلى الأمة دون تحريف؟

بدأ الحديث عن تحريف القرآن الكريم من صفوف الشيعة أنفسهم، لأنهم عندما لم يجدوا أى نصوص قرآنية صحيحة تثبت حق الصحابى الجليل على بن أبى طالب رضى الله عنه وذريته فى حكم المسلمين، بحسب قاعدة النص الإلهى عليهم، لذا لم يجدوا إلا تأويل بعض الآيات المتشابهات، ثم لما وجدوا أن مثل هذا التأويل محل اختلاف ولا يقنع أحدا، ظهر عندهم من يقول إن القرآن محرف وأن هناك عدة آيات تم حذفها من قبل الصحابة، وأن هذه الآيات كانت تنص صراحة على ولاية على بن أبى طالب، ووجد بالفعل ما سمى بسورتى (النورين) و(الولاية)، فى مصادر شيعية متأخرة تعود إلى القرن السادس عشر الميلادي، يقولون إنها كانت فى المصحف ثم حذفها الصحابة لما فيها من تبجيل على بن أبى طالب.

وتم إثبات هذا الكلام فى كتاب (فصل الخطاب فى إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) للشيعى الحاج ميرزا حسين الطبرسى المتوفى سنة 1902، وقد أثبت العديد من المستشرقين والذين لا يمكن اتهامهم بالتحيز لصالح أهل السنة على الشيعة، بتفنيد هذه المزاعم، والتأكيد على أنها مختلقة من قبل بعض الشيعة، بداية من رأى نولدكه صاحب كتاب (تاريخ القرآن) الشهير، والذى حلل مضامين هذه الأقاويل المحرفة من الناحية الأسلوبية واللغوية، ثم قال صراحة فى كتابه: "بهذا نحصل على دليل قاطع بأن سورة النورين هى وضع شيعي... ولا يمكن تحديد زمن نشوئها بدقة بسبب نقص معرفتنا بالأدب الشيعى المنحاز، ويبدو أن المفسرين الشيعيين على بن إبراهيم القمى (ت سنة 326هــ/ 940م)، ومحمد بن المرتضى (ت سنة 911 هـ/ 1505م)، لم يعرفا السورة، وإلا لذكراها فى مقدمة تفسيريهما للقرآن... ولا تذكر هذه السورة فى أى أثر أصيل من تراث الإمامية، ولم يعثر لدى أى كاتب شيعى قبل القرن السادس عشر على ذكر للنورين كعنوان سورة".

 

وتواصل نقد المستشرقين لهاتين السورتين المختلقتين خصوصا أن لا أحد من الشيعة حاول أن يضيفهما إلى المصحف بشكل فعلي، ويضيف الدكتور عبد المجيد الشرفى فى كتابه (المصحف وقراءاته)، دليلا آخر يتضمن عدم ذكر أى من السورتين، فى الكتب السنية الجدالية مثل (الانتصار) للباقلانى (ت سنة 403هـ/ 1012م)، على الرغم من حرص المؤلف على الرد على الشيعة فيما يتعلق بالقرآن والمصحف، وعلى تتبع كل ما يخالف الاعتقادات السنية، ولا ذكر أيضا للسورتين فى موسوعة (بحار الأنوار) للمجلسى (ت سنة 1111 هـ/ 1699م) وهذا دال على أن السورتين لم تكونا معروفتين عند واحد من أكبر علماء الإمامية إلى نهاية القرن السابع عشر الميلادي. وبناء على كل هذا نستطيع القول إن الادعاء الشيعى بتحريف القرآن يعود إلى مجموعة من الغلاة، فكبار أئمة المذهب لم يقولوا بهذا التحريف أبدًا، ونختم هذه النقطة بقول أئمة المذهب الشيعى الكبار، فيقول الشيخ الصدوق ابن بابويه (ت سنة 381هـ/ 991م): "اعتقادنا أن القرآن الذى أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو ما بين الدفتين، وهو ما فى أيدى الناس، ليس بأكثر من ذلك... ومن نسب إلينا أنا نقول إنه أكثر من ذلك فهو كاذب"، بينما يقول شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسى (ت سنة 460هـ/ 1050م) فى كتابه (التبيان): "وأما الكلام فى زيادته ونقصانه اأى القرآنب فمما لا يليق به أيضًا، لأن الزيادة فيه مُجمع على بطلانها، والنقصان منه، فالظاهر أيضًا من مذهب المسلمين خلافه، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا"، ثم نختم بقول المرجع الشيعى المعاصر أبو القاسم الخوئى (ت 1992)، والذى يقول بوضوح فى كتابه (البيان فى تفسير القرآن): "المعروف بين المسلمين عدم وقوع التحريف فى القرآن، وأن الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبى الأعظم، .. وجملة القول: إن المشهور بين علماء الشيعة ومحققيهم، بل المتسالم عليه بينهم هو القول بعدم التحريف".

 

هكذا نرد على غلاة الشيعة بآراء كبار المذهب الإمامى الشيعي، الذين فندوا هذه الأقاويل التى لا سند لها ولا أصل، ويكفى أنه لم يثبت تاريخيا أن على بن أبى طالب عندما تولى خلافة المسلمين، لمدة خمس سنوات، لم يصدر عنه أى تصريح بأن القرآن قد تم تحريفه، ولم يكشف عن آيات ناقصة أو محذوفة من القرآن، وإذا قيل إنه غلب على أمره أيام أبى بكر وعمر وعثمان، فإنه وقد أصبح خليفة المسلمين، لم يكن من الممكن أن يسكت على تحريف القرآن أو حذف بعض آياته، وهنا نجد أن جميع الكتب السنية والشيعية فى الفقه والتاريخ وعلم الكلام لم تتحدث من قريب أو بعيد عن تصريح للإمام على بخصوص هذا الأمر، بل كل الآراء مجمعة على أنه أقر بصحة القرآن ونفى عنه شبهة التحريف، وإذا كان على بن أبى طالب لم يثبت عنه القول بتحريف القرآن، ولم يصرح بوجود سور ناقصة أو آيات محذوفة، فمن أين جاء غلاة الشيعة بمثل هذه الأراجيف، ومن أين نقلوا هذه الأباطيل؟

 

يتبقى هنا الحديث عما ذكر فى المصادر السنية المعنية بالدراسات المتعلقة بتاريخ جمع القرآن، والتى تتضمت الحديث عن آيات وسور لم تعد موجودة فى القرآن الكريم بالصورة التى أثبتها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته، فينقل السيوطى فى كتابه (الإتقان فى علوم القرآن) خبرا عن سورتى (الحفد) و(الخلع)، وبحسب ما ذكره من صياغتهما فهما لا يعدوان عن كونهما أدعية تلقى فى الصلاة، وهو ما أكده المستشرق الألمانى نولدكه بقوله إن تحليل هذه الأدعية سيؤدى بنا إلى نفى نسبتها إلى الوحى بشكل مطلق، وأن هذه النصوص صلوات شكلا وموضوعا. أما الآيات المرفوعة فهى الآيات التى رفعها الله سبحانه وتعالى بعدما نزلت، مصداقا لقوله تعالى: ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (البقرة: 106)، وهى وقائع ذكرت فى هذا الباب وكانت ولا تزال معلومة لجميع علماء المسلمين، فلم تخترع فى العصر الحديث ليظن البعض ممن لا يبحثون عن المعرفة بقدر إلقاء الشبهات، أنهم قد وجدوا الجديد الذى لم يطلع عليه أحد وهو فى الحقيقة ينقل عن كتب علماء أجلاء عرضوا لجميع الروايات ثم ردوا عليها وفندوا ما جاء فيها من أباطيل، وحكوا كل ما قيل فى شجاعة لأنهم يعلمون أن الحق أحق بأن يتبع، وأن الله سيتم نوره ولو كره المشركون، لقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر: 9)، ولقوله: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَه﴾ (القيامة: 17).

 

ومن الأمور التى لم يجد لها المستشرقون المشككون ومن تبعهم من العلمانيين العرب، الرواية الشفهية المتواترة لقراءة القرآن الكريم، والمتصلة إلى أصحاب القراءات العشر المشهورة ومنهم إلى النبى صلى الله عليه وسلم، لا انقطاع فيها ولا اختلاط ولا تغيير فى النص، إلا فى بعض الألفاظ التى تحتمل أكثر من قراءة، فالعالم الكبير عبدالمتعال الصعيدى فى كتابه (النظم الفنى للقرآن الكريم)، يروى أن ترتيب الآيات فى سورها واقع بتوقيف النبى صلى الله عليه وسلم وأمره، ولا خلاف فى هذا بين المسلمين، فقد كان يلقن أصحابه ويعلمهم ما نزل عليه من القرآن على الترتيب الذى هو عليه الآن فى مصاحفنا، وذلك بتوقيف جبريل إياه على ذلك، أما ترتيب السور فذهب بعض العلماء أنه بتوقيف، وذهب جمهور العلماء إلى أنه كان باجتهاد الصحابة، واستدل على أنه كان اجتهاديا باختلاف مصاحف السلف فى ترتيب السور، كمن رتبها على النزول وهو على بن أبى طالب، ولكنه عاد وأقر جمع عثمان وترتيب السور على الوضع الذى نعرفه حاليا، وقصة جمع القرآن فى عهد أبى بكر الصديق الخليفة الأول، ثم الجمع الثانى فى المصحف فى عهد عثمان بن عفان معروفة مشهورة، تكشف عن إصرار وإخلاص الصحابة فى الحفاظ على كلمات الله من أن تبدل أو تحرف، وهو اجتماع لم يشذ عنه أحد، ويجعل من الاستحالة بمكان وجود نية لتواطؤ جماعى من أجل إخفاء آية أو تحريف أخرى، ولن يقول هذا إلا من مُلئ قلبه غلا.

 

أما الحديث النبوى عن أن القرآن نزل بأحرف سبعة، فيقول العلامة محمد أبو زهرة فى كتابه (القرآن.. المعجزة الكبرى): "النص المكتوب واحد، لا تغيير فيه، وهو يحتمل عدة قراءات... ولقد أجيز فى أول نزول القرآن أن يقرأ على لغات سبع من لهجات العرب كلها... لأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لم يجهل شيئًا منها. ولذلك روى البخارى أن القرآن نزل على سبعة أحرف نسخت ست وبقيت واحدة..."، مؤكدا أن المقصود بالأحرف هو لهجات العرب، وهو التفسير الذى اختاره العلامة ابن جرير الطبري، وهو ما يتسق مع النسق التاريخى الذى اضطر الخليفة عثمان رضى الله تعالى عنه، لأن يقوم بتوحيد الأحرف على حرف واحد، وهو لغة أو لهجة قريش، وهو ما كان محل اتفاق بين الصحابة، حتى قال على بن أبى طالب: "لو كنت مكانه ما عملت إلا ما عمل"، ويشدد أبو زهرة على "أن الذى كتب فى عصر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، لم يعتره تغيير، ولم تجر عليه الحروف السبعة، وأن الحروف السبعة كانت فى قراءة القرآن، لا فى كتابته"، وذلك لأن معظم القبائل الكبيرة كانت لها لهجتها الخاصة، فكان المطلوب هو تدريبها على اللغة والوجه الذى اختاره الله سبحانه وتعالى لتلاوة القرآن.

 

 أما القراءات فشيء آخر يتعلق بحركات أواخر الحروف أو فى بناء الكلمة، أو فى الوقوف فى أواخر الكلمات، ويقول أبو زهرة: "وهذه القراءات نجد الاختلاف فيها، مع أنها تنتهى جميعا إلى المورد العذب، والمنهل السائغ وهو تلاوة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، التى تلقاها عن ربه، ليس اختلاف تضاد فى المعاني، أو اختلاف تباين فى الألفاظ، بل يكون الاختلاف فى شكل آخر الكلمات أو بنيتها... أو فى المد فى الحروف، من حيث الطول والقصر، وكون المد لازما أو غير لازم... ومن حيث الإمالة، والإقامة فى الحروف، كالوقوف بالإمالة فى التاء المربوطة، وعدم الإمالة فيها... ومن حيث النقط كما ورد فى قوله تعالى: افتبينواب، إذ وردت فيها قراءتان متواترتان، بقراءة (فتبينوا) وقراءة (فتثبتوا)، وهما متلاقيتان".

 

ورغم الجهود التى بذلها الصحابة ومن بعدهم أجيال من التابعين وتابعى التابعين وبعدهم أجيال من العلماء على مر أكثر من 1400 سنة، الذين تناقلوا القرآن بالحفظ فى الصدور دون الحاجة للكتاب المطبوع، وأى خطأ فى المكتوب كانوا يسارعون برده عبر ما فى صدورهم من حفظ لروايات غير مقطوعة السند تنتهى إلى النبي، رغم كل هذا إلا أن البعض كابر ورفض هذه الوسيلة التى يستحيل معها الكذب الجماعى لرجال ونساء توزعوا فى مشارق الدنيا ومغاربها، وقال إنه لا يصدق إلا وسائل مادية، فجاءت الوثائق المادية فى صورة الأوراق التى تم العثور عليها فى جامع صنعاء الكبير سنة 1972، والتى تعود إلى زمن النبى أو بعده بقليل، قد ثبت صحة ما جاء فيها من آيات الذكر الحكيم مع ما كتب فى المصحف، ولا تزال دور المخطوطات تكتشف بعض الأوراق القديمة التى تعود إلى فترة جمع القرآن الكريم أو بعدها بقليل، وتثبت كلها صحة جمع القرآن على يد الصحابة، مصداقا لقوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ (النساء: 82).