ورحل زكى فطين عبد الوهاب.. الفنان الطيب صاحب فكرة «لا لوجع الدماغ»

زكى فطين
زكى فطين

بسبب فوطة الحلاق.. دخلت معه شقة ليلى مراد


هيثم وحيد


رحل الفنان والمخرج زكى فطين عبد الوهاب عن عمر يناهز الـ 61 عامًا، بعد صراع مع المرض اللعين الذى اصابه مرتين الأولى كانت ورم فى المخ والتى سلم منها، والثانية أصابت الرئة، ولكنه لم يسلم منها وفاضت روحه الى خالقها.

زكى فطين عبد الوهاب كان إنسانا بسيطا محبا للحياة ومحبا لكل من حوله، مهذب ومحترم فى كل تعاملاته مع من يعرفه ومن لا يعرفه، فهو على المستوى الانسانى لم يقترب منه أحدا ولو لمرة واحدة إلا أحبه واحترمه، وذلك لأن تعامله مع الجميع كان يتصف بالرقى والذوق والاحترام، فهو ابن المخرج الكبير الراحل فطين عبد الوهاب، والنجمة الكبيرة الراحلة ليلى مراد، فهو ابن النجوم الكبار والكبار جدا، والتى تغرى أى أحد له علاقة ولو بسيطة بهما أن يصاب بالغرور، فما بالك بإبنهما، ولكن لان تربيته كانت أصيلة فلم يقترب منه الغرور ولو لحظات، بل على العكس فهو كان دائما ما يحاول الفصل بينه وبين أنه ابنهما كان يحب أن يتعامل هو نفسه وليس كإبن للنجوم، واعتقد أن هذا ما أخره بعض الشئ فى مسيرته الفنية.

لذلك زكى فطين عبد الوهاب كفنان تشعر أنه اعتمد على نفسه أكثر من كونه ابنا لنجوم كبار فهو كان يعشق الفن كعشقه للحياة، ويريد أن يعيشه كما كان يعيش الحياة معتمدا على نفسه ليس على اسم والديه، والتحق بمعهد السينما وتخرج منه كمخرج ولكنه لم يخرج سوى فيلم واحد فقط وهو فيلم "رومانتيكا" عام 96، ومن يشاهد هذا الفيلم ويركز فى تفاصيله ممكن يقترب جدا من شخصيته الحقيقية، فبطل الفيلم والذى جسد فيه شخصية البطل الفنان الراحل ممدوح عبد العليم، وهو كان مخرج يبحث عن تقديم فيلم مختلف وبلغة سينمائية تختلف مفراداتها عن كل مايقدم، فقرر كتابة سيناريو الفيلم بنفسه وكان عن تفاصيل الحياة بوسط البلد التى كانت عبارة عن عالم مختلف اسراره وحكاياته عن كل العالم المحيط والمناطق التى حولها.

فبطل الحدوته عاش وسط عالم "الخرتية"، وهى مهنة كان يمتهنها الشباب فى هذه الفترة وقت أن كانت وسط البلد ملاذ لكل السياح من الاجانب وخاصة الاوربيين، فمنطقة وسط البلد كانت تعج بالأجانب، والخرتى كان يقدم لهم نفسه كدليل لهم فى رحلتهم وينظم لهم ترددهم على البازارات والاماكن السياحية، وعشنا معهم خلال سرد الحدوتة الدرامية حياتهم ومشاكلهم وعلاقاتهم الدرامية المتشابكة وعلاقتهم مع هذا المخرج الذى تورط فى مشاكلهم، وكانت والدة بطل الحدوتة تتدخل لتنقذه من هذه الورطات الذى ورط نفسه فيها دون أن يعلم وذلك لانه متمردا على أن يكون ابن النجوم وليس متمردا على ابوتهما، فهو كان يبحث عن ذاته بنفسه ومعتمدا على نفسه فقط، فهذا الفيلم تشعر وكأنه سيرة ذاتيه للفنان الراحل زكى فطين.

والفيلم من الناحية الفنية حصل على العديد من الجوائز اهمها احسن فيلم من مهرجان الاسكندرية السينمائى وذلك رغم المشاكل التى وقعت بين زكى فطين عبد الوهاب كمخرج وبين منتجة العمل الراحلة مي مسحال والذى قيل وقتها انه لم يكمل الجزء الاخير من الفيلم واكمله مساعده..ورغم من ذلك حقق نجاحات فنية كبيرة تؤكد على موهبته الفنية كمخرج متميز وله مستقبل فنى كبير سيكون له بصمة خاصة ولغة سينمائية متميزة ستجعله فى مصاف المخرجين الذين سيكتب التاريخ اسمه بالذهب.

ولكن الفيلم لم يحقق النجاح الجماهيرى المطلوب لتحقيق الايرادات التى تغرى أى منتج يخوض مثل هذه التجارب الفنية الراقية، وبعدها لم يعيد زكى فطين عبد الوهاب التجربة من جديد كمخرج، وبدأ يخوض تجارب التمثيل مع صديقه المخرج يسرى نصر الله فى فيلم "مرسيدس"، وكذلك مع أستاذه المخرج الكبير يوسف شاهين، وتوالت بعدها الأعمال الفنية التى أثبت فيها موهبته كممثل له شكل خاص على الشاشة لما يتمتع به من رقى فى الشكل والمضمون.

التقيت به لأول مرة بعد فيلم "رومانيكا"، ومن حظى الحلو كان فى شقة والدته الفنانة الكبيرة ليلى مراد وبحضور شقيقه من والدته، وكان بالنسبة لى يوم من أجمل الأيام حيث بدخولى شقة الفنانة الراحلة شعرت وكأننى أدخل التاريخ، ولهذا اللقاء صدفة غريبة بالنسبة لى حيث وقتها كان زكى فطين عبد الوهاب يبتعد عن الاعلام والصحفيين الذين حاصروه وألحوا عليه لعمل لقاءات وحوارات صحفية بعد فوزه بجوائز أحسن فيلم وأفضل مخرج، ولكنه كان دائما ما يتهرب من ذلك بأدب وذوق بل وبخجل حتى لايتكلم فى تفاصيل اى مشاكل وانا كنت واحدا ممن حاولوا اجراء حوار معه ولكنه بأدب ايضا اعتذر او أجل ذلك.

ولان منزل والدته بجاردن سيتى كان بجوار بيتى وفى يوم كنت عند الحلاق الخاص بى والذى بالصدفة كان فى نفس عمارة منزل ليلى مراد لمحته من خلال المرآة التى امامى فأسرعت اليه وقلت له انا جارك والجار أولى بالشفعة فضحك كثيرا ووافق على اجراء الحوار الصحفى معي، واستضافنى فى المنزل التاريخي، وكان غاية فى الاحترام والرقى وأوضح لى سبب ضحكه معى وقتها فوطة الحلاق التى كنت التف بها وقت أن استوقفته لطلب الحوار، وكان أثناء اجراء الحوار لا يحب أن يتطرق إلى أى مشاكل سواء كانت فى الفيلم الذى أخرجه أو أى مشاكل حدثت معه فى الوسط الفنى، فهو من الناس أصحاب مدرسة "لا لوجع الدماغ" فالحياة أبسط وأجمل بلا مشاكل أو وجع دماغ، كان عاشق للحياة البسيكة الخالية من أية تعقيدات.

وكان زكى فطين عبد الوهاب عاشق لوسط البلد بكل تفاصيلها، وكان لايفكر ان يخرج منها رغم أن سكانها الاصليين هجروها فكان ينتقل من شقة لأخرى فى وسط البلد، وكان له صداقات بكثير من الناس حوله بمختلف أعمارهم وأعمالهم، وكان يحتضن كثير من شباب الموهوبين فنيا ولم يبخل عليهم بالنصيحة والتعليم، كان محبوبا لكل من التقى به وتعامل معه ليس لفنه فقط ولكن لانسانيته الراقية..رحم الله الفنان الانسان الطيب الجدع.