عبد النبي النديم يكتب: أمريكا وحلفاؤها يعلنان «الحرب الهجينة» على الدب الروسي

الكاتب الصحفي عبد النبي النديم
الكاتب الصحفي عبد النبي النديم

▪ أمريكا وأوروبا تعلنان الحرب الهجينة على روسيا بوقف اعتماد خط غاز «نورد ستريم 2»
▪ تهديد روسي من ارتفاع حاد في أسعار الغاز الطبيعي لأوروبا
▪ «خط أنابيب بحر البلطيق» سلاح جيوسياسي بيد الكرملين.. يعزز نفوذ «الدب الروسي» في القارة العجوز
▪ فرصة سانحة للغاز المصري كأهم البدائل لتعويض نقص الإمدادات الروسية 

جاء إعلان ألمانيا وقف اعتماد خط أنابيب الغاز «الروسي- الألماني» «نورد ستريم 2»، بعد القرارات الأخيرة التي اتخذها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن الأزمة مع أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي «الناتو»، وكذلك أعلان الولايات المتحدة أنها تجري مشاورات وثيقة مع ألمانيا، وترحب بإعلانها وقف اعتماد مشروع خط أنابيب الغاز الروسي «نورد ستريم 2» كإعلان صريح لشن الحرب على الدب الروسي، وكذلك تداخل الاتحاد الأوربي في الصراع بحزمة عقوبات تم تجهيزها في حال أقدمت روسيا على غزو أوكرانيا، تتضمن إجراءات تستهدف خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2» الذي يربط روسيا بألمانيا.

وجاء الرد الروسي على لسان وزارة الخارجية الروسية، إن مشروع خط «نورد ستريم 2» جاهز، ولكن الغرب يحاول فقط إيقاف روسيا، بعد قرار الرئيس فلاديمير بوتين إرسال قوات إلى جمهوريتين انفصاليتين معلنتين ذاتيًا، حيث أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن اعتراف روسيا باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك عن أوكرانيا، وفي اليوم نفسه تم التوقيع مع رئيسيهما دينيس بوشيلين وأيونيد باسيتشنيك على معاهدتي الصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة، اللتين صادق عليها البرلمان الروسي بكلتا غرفتيه.
    
ومع هذه الحرب التى نشبت بالفعل بين روسيا وألمانيا بدعم أمريكي وأروبي، فى محاولات للضغط على الدب الروسي في محاولة للإحالة دون وقوع الحرب مع أوكرانيا، والتى سيترتب عليها كوراث من الممكن أن تواجهها أوروبا، فمنع المزيد من التصعيد يعني منع وقوع كارثة أخرى، وهي وقف إمدادات الغاز الروسي لأوروبا، فعلى الرغم من وقف ألمانيا إجراءات خط نورد ستريم 2 إلا أنها «تلعب بالنار» مع الدب الروسي، فألمانيا تعتمد بنسبة تصل إلى 75 % على الغاز الروسي.
وسريعا جاء الرد على لسان نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، ديمتري ميدفيديف، لإعلان ألمانيا أنها ستوقف التصديق على خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2»، محذرًا من ارتفاع حاد في أسعار الغاز الطبيعي لأوروبا، مغردا على حسابه عبر توتير قائلا: «أصدر المستشار الألماني أولاف شولتز أمرًا بوقف عملية التصديق على خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2.. حسنًا.. مرحبًا بكم في العالم الجديد الشجاع حيث سيدفع الأوروبيون قريبًا 2.000 يورو مقابل 1.000 متر مكعب من الغاز الطبيعي.

ومنذ بدء الأزمة الأوكرانية هددت الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة بفرض عقوبات على روسيا في حال غزت أوكرانيا، ومن أبرز المواضيع التي لوحت بها واشنطن، مشروع خط أنابيب الغاز الروسي «نورد ستريم2»، الذي سيزود أوروبا باحتياجاتها من الغاز في ظل الأسعار المرتفعة للطاقة.

واعترضت مبكرا الولايات المتحدة على خط الأنابيب «نورد ستريم 2» وأعتبرته يشكل «سلاحاً روسياً جيوسياسياً بوجه أوروبا»، على شكل مشروع اقتصادي، بما يجعل القارة العجوز رهينة لموسكو، على حد تصريحات سابقة للسفير الأميركي في برلين، وهو ما ذكره في الوقت نفسه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في أغسطس الماضي عقب لقائه مع المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل.

وعلى الرغم من نجاح ألمانيا في نيل موافقة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمشاركة في تمويل صندوق بقيمة مليار دولار لأوكرانيا لمساعدتها في تنويع مصادرها من الطاقة، بالإضافة إلى تعهد الحكومة الألمانية بتعويض أوكرانيا عن رسوم نقل الغاز التي سوف تخسرها حال تشغيل خط «نورد ستريم» حتى عام 2024، إلا أن ذلك لن يقلل من حجم الخسائر التى ستترتب على نشوب الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

وقد اكتمل بناء خط أنابيب بحر البلطيق «نورد ستريم 2»، لكن لم يبدأ تشغيله حتى الآن بانتظار موافقة من الهيئات التنظيمية في ألمانيا والاتحاد الأوروبي.

والسبب فى إثارة خط أنابيب بحر البلطيق نورد ستريم 2، لغطاً واسعاً داخل أوروبا والولايات المتحدة، منذ أن تم الإعلان عنه كمشروع لأول مرة في العام 2015، وحتى الانتهاء من تنفيذه قبل نهاية العام الماضي في انتظار الحصول على تصاريح التشغيل؛ ذلك في ظل المخاوف الأوروبية والأميريكية لجهة ما يشكله هذا الخط كسلاح جيوسياسي كبير بيد الكرملين، وبما يعزز نفوذ الدب الروسي في القارة الأروبية.

وخط أنابيب بحر البلطيق «نورد ستريم 2» هو ثاني خط غاز يربط روسيا بشمال ألمانيا، بموازاة مسار الخط الأول الذي بدأ العمل خلال العام 2011، بما يكرس اعتماد برلين بشكل أساسي على واردات الغاز الروسية، ذلك أن الخط الثاني -على امتداد 1230 كيلو متر تحت بحر البلطيق، يُضاعف إمدادات الغاز الروسي إلى ألمانيا بأسعار منافسة.

ويمر «نورد ستريم 2» بخمس دول، هي روسيا وألمانيا والدنمارك وفنلندا والسويد، عبر منطقة «أوست لوغا» في خليج فنلندا، ليمتد في بحر البلطيق ويصل شمال شرق ألمانيا عند مدينة غرايفس فالد، وبما يخنق كييف اقتصادياً، ذلك أنه كان يمر بها جزء كبير من الغاز الروسي في طريقه إلى أوروبا، الأمر الذي عزز من وضعية أوكرانيا وأهميتها الجيوسياسية، وحال بدء الخط الجديد، فإن كييف ستفقد جزءاً كبيراً من تلك الأهمية، علاوة على خسائر اقتصادية بالغة.
ومن المخطط أن ينقل «نورد ستريم 2» حوالي 55 مليار متر مكعب من الغاز إلى ألمانيا ، لتتضاعف إجمالي كميات الغاز الروسي إلى ألمانيا وصولاً إلى 110 مليار متر مكعب سنوياً، ليُنقل الغاز من ألمانيا إلى باقي دول غرب أوروبا عبر شبكة الغاز الطبيعي.

وقد بلغت تكلفة الخط تقريباً نحو 11 مليار دولار أميركي، وتُديره حصراً شركة «غازبروم» الروسية العملاقة، حيث تعد شركة «غازبروم» الروسية للنفط المملوكة للدولة، المساهم الوحيد في خط «نورد ستريم 2»، إذ تمتلك حصة رئيسية فيه ، وشاركت في تمويله خمس شركات، على رأسهم شركة «شل الهولندية»، إضافة إلى «انجي الفرنسية» و«أو. أم. في غروب النمساوية» مع الشركتين الألمانيتين «يونيبر ووينترشال ديا».

وقد تم الإعلان عن المشروع في 2015 بعد عام من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في مارس 2014، وبدأ العمل فيه خلال شهر إبريل من العام 2018، ثم توقف لفترة في ديسمبر 2019، قبل أن يتم استئناف الأعمال بعد عام من التوقف، وفي شهر سبتمبر 2021 تم الإعلان عن الانتهاء من الأعمال التنفيذية للمشروع، لكن الوكالة الألمانية للشبكات علقت المصادقة عليه بالتزامن مع اللغط الكبير المثار حوله، بالنظر إليه كسلاح روسي جديد ضد الاتحاد الأوروبي.

وبعد الأموال الطائلة التي دفعت لإنشاء خط أنابيب الغاز الروسي نورد ستريم 2، وأصبح هذا الخط في صلب المواجهة بين روسيا والبلاد الغربية بشأن أوكرانيا، مما يثير تساؤلات كثيرة وملحة حول من الفائز ومن الخاسر في حال توقف خط نورد ستريم 2 بشكل دائم؟

فالاستعدادات المخيفة لهجوم روسي على أوكرانيا وارتفاع معدل التضخم في أوروبا، مدفوعا بشكل أساسي بارتفاع أسعار الطاقة، لها علاقة ببعضها البعض، وبالتحديد خط أنابيب بحر البلطيق نورد ستريم 2 (NS2) هذا، وأن روسيا تستخدم قوتها كمورد للغاز وترفع الأسعار لـ«دق إسفين» في كتيبة أنصار أوكرانيا وإعلان التحدي ضد أمريكا وأوروبا، الأمر الذى يعد حربا هجينة من قبل روسيا ورئيسها بوتين ضد المصالح الأوربية والأمريكية، فروسيا ستفقد مودرا مهما من تصدير الغاز لأوروبا، وارتفاع أسعار الغاز التي تهدد بها روسيا ستكون بمثابة الكارثة على كل البلاد الأوربية رغم الوعود الأمريكية لتعويض الغاز الروسي لأوروبا، وارتفاع الأسعار في القارة الأوروبية سيتفاقم بسبب نقص الغاز الطبيعي، وهو ما يؤدى إلى زيادة أسعار الطاقة، وبالتي أسعار ما يتعلق بها من سلع وخدمات.

ورغم العناد الأمريكي لمواجهة التصعيد الروسي، ودعمها للدول الأوربية، إلا أن ذلك لن يقلل من المخاوف الأمريكية وبولندا وأوكرانيا من استغلال الدب الروسي لخط غاز «نورد ستريم 2» لتحقيق مكاسب سياسية .

فبولندا وأوكرانيا يجنيان الكثير من الأموال نظير عائدات رسوم العبور التي تدفعها شركة غازبروم مقابل مرور الغاز الروسي عبر أراضيهما إلى أوروبا الغربية، وتخشى كييف ووارسو من تأثير خط «نورد ستريم 2» الذي سينقل الغاز من القطب الشمالي الروسي تحت بحر البلطيق إلى ألمانيا مباشرة.

والسؤال الذى سوف تجيب عليه الشهور القادمة هل سيكون إلغاء اجراءات نورد ستريم 2 هزيمة سياسية كبيرة للكرملين، على الرغم من أن الرئاسة الروسية لن تتكبد الكثير من الخسائر المالية، أم أنه السلاح فى يد الدب الروسي لتركيع أمريكا وأنصارها في أوربا؟

ومع دق طبول «الحرب الهجينة» بين روسيا من ناحية وأمريكا وحلفائها الأوربيين من ناحية أخرى، نبحث هنا عن المكاسب التى يمكن ان تحققها مصر فى ظل هذه الأزمة العالمية الطاحنة التى رفعت أسعار البترول والغاز الطبيعي إلى مستويات قياسية، فأوروبا تستورد كميات هائلة من الغاز الطبيعي، تتجاوز 560 مليار متر مكعب سنوياً، ثلثها تقريبا يأتي من روسيا، وهناك تعاقدات مصرية لتصدير شحنات غاز مسال إلى بعض الدول، فقد ظهرت الدولة المصرية، ضمن الحلول والبدائل الأوروبية المناسبة لتنويع بدائل إمدادات الغاز الروسي ، حال نقص الإمدادات أو توقفها، في ظل الارتفاع المستمر لأسعار الغاز الطبيعي عالميا، فقد تكون فرصة سانحة لوضع مصر على خريطة الطاقة الأوروبية، لتأمين إمدادات الغاز الروسي للقارة العجوز، وزيادة حصيلة تصدير الغاز الطبيعي المصري إلى أوروبا على المدى المتوسط، في ظل الدور الذي تلعبه مصر من خلال «منتدى غاز شرق المتوسط»، واستغلال خطوط الأنابيب المزمع تدشينها لاحقا بين مصر من جهة، واليونان وقبرص من جهة ثانية، لزيادة الكميات المصدرة لأوروبا.