لغة العشاق اختلفت

الحب في زمن السوشيال ميديا.. «إكس» و«كراش»

صورة موضوعية
صورة موضوعية

أسهمت السوشيال ميديا في تغيير مفهوم الكثير من العلاقات الإنسانية التي تربط بين الناس، وتسببت بدورها فى تغيُّر شكل العلاقة بين المحبين، وبعدما كان الحب يحكمه الرومانسية والجوابات والفراق الذي يصاحبه الاشتياق والدموع، أصبح الآن عبارة عن مشاعر تتناقل عبر الرسائل الإلكترونية والتى تنتهى بكبسة زر واحدة على "البلوك"، بخلاف المصطلحات الجديدة التى تصف الحبيب، ومنها "الكراش"، و"الإكس" وغيرهما، بما يحدّد شكل ومرحلة العلاقة بين الحبيبين، فكيف أصبح الحب فى زمن السوشيال ميديا؟!

الشباب يستخدمون هذه المصطلحات من باب «التقليد»

التواصل بين المحبين على أرض الواقع مهم جدا

د. سامية خضر

د. بسمة سليم

في عالم السوشيال ميديا ظهرت مصطلحات جديدة يتناقلها الشباب لشرح صفة الحبيب بالنسبة إليهم، منها مصطلح "الكراش"، وهو لفظ يعنى الإعجاب، وتستخدمه الفتاة التى تحب شابًا من طرف واحد ولا تبوح له بمشاعرها، وكذلك يطلقه الشاب على الفتاة التى يجد صعوبة فى الاعتراف لها بمشاعره نحوها.

أما مصطلح "الإكس" فهو غالباً لفظ دارج بين الفتيات، تطلقه الواحدة منهن على حبيبها السابق، كما ينتشر بينهن مصطلح "الفريند زون"، وهو تعبير عن عدم تجاوز الشخص الذى يحب الفتاة منطقة الصداقة بينهما، غالباً تطلقه الفتاة على الشخص الذى لا تبادله نفس المشاعر.

كما ظهر مصطلح جديد تطلقه الفتيات على الرجل الذى تعجب به، ولكنه يكبرها فى السن إلا أنها تبادله الحب استناداً على أمواله أو مكانته فى المجتمع، فهو بالنسبة إليها "شوجر دادي"، كما تعددت الكثير من المصطحات التى يستخدمها الشباب عند الحديث عن الحبيب، وهى ألقاب تتصدر هواتفهم ومنها "ابن الحب"، و"بنت الحب"، و"ابن قلبي"، و"بنت قلبي"، و"حب حياتي"، فى محاولة لإيجاد صفة مميزة للشريك.

ومثلما غيَّرت السوشيال ميديا لغة الحب وتحوَّل "الحبيب" و"العاشق" إلى "كراش" أو "إكس"، فقد بدّلت أيضاً التعبير عنه، فما أسهل إرسال عبارات الحب عبر الرسائل واتباعها بالقلوب والرموز التعبيرية "الإيموشنز" التى تحرِّك المشاعر وتفتح طرق الحب بين العشاق، ولكنها على الجانب الآخر أفقدت الحب الكثير من معانيه التى اعتدناها، وأصبحت المصطلحات الغربية التى تروج لها السوشيال ميديا هى المتحكم الأول والأخير فى العلاقات بين المحبين.

إقرأ أيضاً | في الفلانتين.. حكايات من تجارب زواج ناجحة في «عالم المكفوفين»

وهذا ما تؤكده بسمة سليم، خبيرة التنمية البشرية لـ"آخرساعة"، حيث تقول إن طرق الحب تختلف مع مرور الزمن، فقديماً كان هناك تبادل الخطابات المكتوبة، واقتناص بعض الدقائق للحديث عبر هاتف المنزل، وتبادل بطاقات الحب التى كانت شاهداً على كثير من قصص الغرام، ومع تطور الزمن أصبحت الرسائل على الهاتف المحمول والبريد الإلكترونى طرقا مختلفة وجديدة بين المحبين، حتى جاءت السوشيال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعى وأحدثت  تغيُّرًا كبيرًا فى أساليب التواصل والتعبير عن الحالة والمشاعر التى يعيشها الأشخاص، فالجميع أصبح لديه مساحته الشخصية والقدرة على التواصل وخلق الفرص مع الآخرين.

تتابع: علاقات الحب بعد السوشيال ميديا تنقسم إلى شقين حسب النوع، شباب وفتيات، أولا الفتاة لديها طبيعة سيكولوجية خاصة بها فى الحب، إذ إنها تميل أكثر إلى السمع، فهى تحب عن طريق الأذن أى تفضل سماع عبارات الحب، لذلك نجد أنها أكثر استخدامًا للمصطلحات الجديدة، خصوصًا مصطلح "الإكس"، لأنه غالباً عند انتهاء علاقة الحب أو الزواج يستطيع الرجل النسيان أسرع من الفتاة التى تصر على الاستمرار فى إعطائه صفة فى حياتها، فتطلق عليه "الإكس" بمعنى الحبيب السابق أو من كان حبيبها ذات يوم، فى حين أن العلاقة انتهت ويجب عليها أن تمضى فى حياتها، ومصطلح "الكراش" أيضًا تستخدمه الفتيات لعدم قدرتهن على البوح بمشاعرهن على عكس الرجال الذين يكونون فى الغالب أكثر جرأة فى التعبير والإفصاح.

تضيف: أما الرجل فمهامه فى الارتباط دائماً ترتبط بالفعل والمبادرة بالخطوة الأولى، لذلك قد لا يستخدم الشباب هذه المسميات الجديدة بقدر ما تلجأ إليها الفتيات، لافتة إلى أن التعبير عن الحب يجب أن يخرج عن إطار السوشيال ميديا، وأن تكون هناك فرصٌ للحوار بين المحبين بعيدًا عنها، لأن الكلمة عبر تطبيقات الدردشة "الشات" قد يُساء فهمها، وتتسبب فى مشكلة بين الطرفين، لذلك لا بُد من التواصل على أرض الواقع، لأن لغة الجسد هامة جدًا بين المحبين فى التعبير عن المشاعر، وحتى فى نوبات الغضب أو عند وجود مشكلة.

من جانبها، ترى الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع بكلية التربية بجامعة عين شمس، أن علاقات الحب فى السابق كان لها قدسية يحكمها الأعراف والتقاليد، وكانت العلاقة تدوم وتحقق الهدف من ورائها وهو الاستقرار، أما فى زمن السوشيال ميديا فقد أصبحت معظم العلاقات سريعة وعابرة، تبدأ وتنتهى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما اختلفت معها طرق التعبير التى كانت تتجلى فى سماع الأغانى والقصائد وتبادلها بين المحبين ليحل محلها رسائل الفيسبوك والواتساب ومكالمات الفيديو كول.

وتضيف: السوشيال ميديا كانت سببا فى الانفتاح ووصول عادات ومصطلحات جديدة إلى المجتمع، وبدأ الشباب فى استخدامها من باب التقليد، ما أسهم فى سرعة انتشار مصطلحات مثل "الإكس" و"الكراش" وغيرهما، مشيرة إلى أهمية توجيه الشباب بأن العلاقات الإنسانية لا يمكن اختصارها فى مصطلح، ولكن العلاقة خصوصًا بين المحبين لها قواعد وعهود لا بد أن يُلتزم بها.

تؤكد أن مواقع التواصل أصبحت الوسيلة الأولى للتواصل، ولكن يمكننا أن نأخذ منها ما هو جيد ولا يؤثر فى علاقاتنا بالسلب، والبعد عن التقليد الأعمى فى وصف طبيعة العلاقة، والرجوع إلى تقاليد المجتمع التى تضمن علاقات جيدة ومستمرة، واضعين فى الاعتبار أنه إذا وُجد تواصل وحوار بطريقة صحيحة تكون العلاقة ناجحة بين الطرفين.

توافقها الرأى سارة سليمان، خبيرة العلاقات الزوجية، إذ تقول إن الانفتاح والسوشيال ميديا ساعدا فى انتشار مصطلحات جديدة بالنسبة للمجتمعات العربية عمومًا، موضحة أن المسميات التى يستخدمها الشباب لوصف الحبيب كانت موجودة بالفعل فى المجتمعات الغربية، ولكن لبعد المسافات كان يحتفظ كل بلد بثقافاته الخاصة، حتى ظهرت مواقع التواصل وكسرت هذا الحاجز.

وتوضح أن الفتيات وجدن فى استخدام هذه المصطلحات نوعا من التحرر، ما ساعد فى انتشارها بين الصغار والكبار، كذلك مراحل الارتباط اختلفت لدى الشباب بداية من متابعة الشاب للفتاة من خلال صفحتها الشخصية على موقع التواصل وإرسال طلب صداقة لها وكتابة التعليقات لها "الكومنتات"، من ثم تبادل الرسائل وتغيير الحالة الاجتماعية على "فيسبوك"، ولكن المفارقة أن العلاقة تنتهى بالفراق وبشكل سريع.

وتؤكد: لا بُد أن نعود بالعلاقات إلى إطارها المعروف بالمجتمع، والذى تحكمه عاداتنا وتقاليدنا وبمراحلها الطبيعية وبمعرفة الأهل بداية من التعارف إلى الزواج وترك السوشيال ميديا وتأثيرها فى العلاقة بين الشاب والفتاة جانبًا، والعودة إلى المصطلحات التى اعتدناها كالحبيب والخطيب والزوج.