انتقام القدر.. وطبيب الولادة!

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

تعود أحداث الواقعة عندما، أسدل الليل ستائره، بينما يجلس طبيب الامتياز يفرك يديه من شدة البرودة تارة، وينفخ فيهما تارة أخرى داخل غرفة النوبتجية بمستشفى القصر العيني، تتدلى سماعة الكشف على صدره، ويستند براسه على الحائط، يجول بخاطره ذكريات الدراسة بكلية الطب، وفجأة أفاق وانتفض من فوق مقعده على صوت طرقات الباب، وصوت الممرضة: إلحقنا يادكتور.. حالة ولادة متعسرة!

سابقت قدماه الرياح، إلى غرفة الاستقبال، حيث امرأة تتأوه، وتصرخ صرخات مكتومة من شدة آلام الولادة، تمسك بكف يدها البالطو الأبيض الذي يرتديه، وتطلب منه مساعدتها، استرعى انتباه الطبيب بأن المرأة في السابعة عشرة من عمرها، رقيقة.. أنيقة الملبس.. مظهرها يدل على أنها تنتمي إلى طبقة ثرية، غير الطبقات التي تتردد على قسم الولادة بالقصر العيني.

اقرأ أيضا| استنفار أمني بالشوارع استعدادا لمباراة مصر والسنغال بنهائي أمم إفريقيا

وبعين أحورارية أخذ الطبيب يتلفت حوله يبحث عن زوج أو اب، فلم يجد وبنظرة فاحصة إلى أوراق المريضة فإذا بها تدل على أنها زوجة عامل في احد المصانع، لم يصدق الطبيب، فهي على درجة ملحوظة من الثراء، لم يسترسل الطبيب في ظنونه  ونجح في مساعدتها على الولادة  وانجبت طفلا، وبابتسامة رقيقة طلبت منه أن يطلق على الطفل اسم (علي) تقديرا للطبيب الذي كان يشرف على ولادتها.

وبعد ٣ أشهر، شاءت الظروف أن يكون الطبيب نوبتجيا أيضا في قسم الحوادث هذه المرة وإذا بسيارة الإسعاف تأتي حاملة نفس المراة، لكنها هذه المرة مصابة بنزيف حاد، هرول لإنقاذها وتذكرها بسرعة أثناء قيامه بمساعدتها على الولادة، وفجأة تعاظمت الدهشة تموج انفعالاتها على وجهه عندما وجد الاسم الذي سجلته قي تذكرة الاستقبال، كان غير الاسم الذي سجلته سابقا في قسم الولادة، اعتقد بأنها أخطأت في ذكر اسمها من انفعالات الألم، وبعد أن تمكن من إنقاذها، اقترب منها الطبيب يسألها عن حالة ابنها (علي)، انفجرت في بكاء مرير تقول: ابني.. مين يعرف.. جرى له إيه؟
ربنا يجازي اللي حرمني منه!
مين يعرف إذا كان مات أو مرمي في ملجأ؟!

وامتدت يدها تمسح دموعها المنهمرة وتستطرد قائلة: إن المتسبب في هذه المأساة رجل من رجال الأعمال، حيث بهره جمالها وتزوجها سرا لأنه كان يخشى أن تعرف زوجته وابنه الوحيد، وعندما أنجبت طفلها الأول أخذه منها، خشية أن ينفضح امره وتعلم زوجته، زاعما بأنه سوف يعلن زواجه منها (عندما يسوي أموره)، وعاشت على هذا الأمل، وبالرغم من تناوليها موانع الحمل إلا إنها حملت مرة ثانية وطلب منها أن تتخلص من الجنين، لذا أصيبت بنزيف حاد، ربت الطبيب على كتفيها، وانصرف ورأسه مثقلة بالتساؤلات، يتردد اسم رجل الأعمال على اذنيه، وبغير تعمد أخذ يتابع أخباره فيما تنشره الصحف دون أن يعرفه شخصيا، وذات يوم خرجت الصحف في الصباح تنشر حادثا مأساويا، لأب وأم وقفا أمام ابنهما الوحيد وهو يغرق في البحر دون أن يستطيعا إنقاذه، وكان هذا هو الأب رجال الأعمال، والابن الذي غرق هو ابنه الوحيد من زوجته الأولى.

أمسك الطبيب جبهته بإحكام، وشرد بعقله، وبلسان حال يقول: اليس هذا انتقام القدر؟! لعل الأب يبحث عن ابنه الآخر الذي اودعه أحد الملاجئ كلقيط فلا يعرف طريقه!!