« قمر 14» .. هزائم الحب أمام القمر

فيلم قمر 14
فيلم قمر 14

كتب: محمد كمال 

يعتبر هادي الباجوري من أكثر المخرجين المهتمين بفكرة أفلام القصص المختلفة والعلاقات المتشابكة، وهذا ما ظهر في فيلمه الأخير “قمر 14”، والذي كتب له السيناريو والحوار محمود زهران، وبشكل عام تكمن الأزمات الرئيسية لهذه النوعية من الأفلام وبشكل خاص تجربة الباجوري أن هناك قصة واحدة فقط تكون الأقوى والأكثر إتقانا على حساب بقية القصص الذين يظهرون وكأنهم مجرد حشو للتواجد بجانب القصة المميزة، وهذه النقطة تحديدا كانت المأزق الأول لفيلم “قمر 14”.

أعتمد الفيلم على 5 قصص منفصلة تدور جميعها في يوم واحد ليلة 14، والتي يكتمل فيها القمر، ويصبح بدرا، والمحور الرئيسي لجميع القصص هو الحب، فهناك مجموعة من العلاقات العاطفية التي تواجه صعوبات وتتعرض للهزيمة أمام المجتمع بتقاليده التي عفى عليها الزمن وتحكماته وتعصبه والنظرة الضيقة والأحكام المتواصلة وفرض وصاياته على الآخرين، قصص حب من المستحيل أن تكتب نهايتها السعيدة أمام التدني الأخلاقي والقيمي الذي وصلنا له حاليا، 5 حكايات مختلفة يقدمها الفيلم في أوقات الذروة التي تسبق النهاية وليس من البداية، لذلك فهناك تأرجح وتباين في المستوى بين الحكايات، لكن ما يحسب للفيلم وما يجعله مميزا عن الأفلام الأخرى التي تدور في ليلة واحدة، أن القصص جاءت بشكل متتالي قصة تنتهي وتبدأ الأخرى، ولم يتم الاعتماد على فكرة المونتاج المتوازي في التنفيذ. 

ضمت الحكاية الأولى البطلين عاليا (غادل عادل) وياسين (خالد أنور)، تلك العلاقة التي تجمع بين الأستاذة الجامعية في كلية الفنون الجميلة – التي لم تتزوج بعد - وطالب الماجستير كما يطلق عليه العميد، فالفارق العمري بينهما 20 عاما، ويتقدم عميد الكلية ببلاغ ضد الأستاذة ويقوم بفضح الأمر على مواقع السوشيال ميديا، ومن ناحية أخرى تواجه “عاليا” رفض شديد من شقيقها الأول، بينما ينظر الشقيق الآخر للأمر بشكل أكثر عقلانية، التأسيس والبناء الدرامي للقصة جاء مميزا، وما زاد توهج الحكاية أننا لمسنا مؤخرا نماذج حياتية للقصة على مستوى الواقع، مما يجعلها الأكثر حداثة على الشاشة، والرسم المحكم للحكاية جعلها تعد الأفضل على مستوى الأحداث خاصة مع التألق الكبير في أداء غادة عادل.

على النقيض جاءت الحكاية الثانية التي جمعت بين مريم (أسماء أبواليزيد)، وإبراهيم (أحمد حاتم)، وهي قصة حب جمعت بين شاب مسلم وفتاة مسيحية دون علم الطرفين بالحقيقة، وهو أمر شديد الغرابة، وتحديدا على الفتاة المسيحية، فمن الوارد أن الرجل لا يكتشف أو لا يهتم أو لا يتوقع، لكن العكس هنا غير مقنع، وما زاد الأمر أن السيناريو لم يعطي لنا أي تفاصيل مسبقة قد تعطي بعض القناعات حول إستمرار أو واقعية تلك العلاقة، ففكرة عدم معرفة الطرفين بالحقيقة نسفت الحكاية من الأصل رغم الأداء الجيد من أحمد حاتم.

أما الحكاية الثالثة فقد احتوت على تفاصيل جعلتها تبدو جيدة برغم أن فكرتها ليست بجديدة عن شريف (أحمد مالك) الذي يتقدم 4 مرات لطلب الزواج من نادية (مي الغيطي) ويرفضه والدها ويصر على الرفض، لكن الحوار الذي جمع بين شريف ووالد نادية الذي قدم دوره بإمتياز بيومي فؤاد، وكذلك أفضل أداء يقدمه مالك منذ ظهوره فقد أضفى على الحكاية جمال وإنسانية، خاصة مع إصرار شريف معرفة الرفض المستمر رغم أنه قام تنفيذ كل الأمور التي تمثل عوائق قد وضعها والدها من قبل.

معالجة تقليدية للحب الذي يهزم أمام الفوارق الإجتماعية هكذا ظهرت الحكاية الرابعة، والتي جمعت يحيى (أحمد الفيشاوي) وأمينة (ياسمين رئيس)، خاصة مع الأداء المتراجع من الثنائي، ويتم الانتقال من هذه الحكاية إلى الحكاية الخامسة التي كان بطلها مذيع الراديو مراد (خالد النبوي)، والذي بدأت أحداث الفيلم مع صوته وحديثه عن القمر وتأثيره على البشر وعلى العلاقات الإنسانية وعلى الحب، وهنا يتم طرح السؤال الأهم: “ما علاقة القمر بالحب؟”، و”ما علاقة القمر بالحكايات الخمس التي ضمها الفيلم؟”، هو فقط ربط المراد أنه إضفاء قيمة وفكرة يطرحها الفيلم.

جاءت حلقة “مراد” الإذاعية وكلماته المباشرة والسطحية حول أن كل القصص هزمت أمام القيود والتصدعات الإجتماعية لتهدم التجربة المتأرجحة والمتباينة في مستويات قصصها، كأن “مراد” مدرس في فصل ويقوم بشرح المراد من الفيلم للتلاميذ في مراهقة سينمائية جعلت الفيلم يفقد حتى الأجزاء المميزة التي كانت في أحداثه.

يستمر “مراد” في كلماته التي تحمل المبالغة، ويعتذر لـ”منال” عن فشل علاقتهما منذ أعوام، ويخبرها بأنه سيأتي لها في الإسكندرية لتصحيح الخطأ، ولم يعطي لنا الفيلم أي تفاصيل عن طبيعة علاقة “مراد” و”منال”، ولماذا فشلت؟، وكيف أهملت برغم أنه يمتلك رقم هاتفها؟، ولماذا هي تفاجئت؟، تفاصيل منقوصة في حكاية من المفترض أنها ستكون الرابط المشترك الدرامي بين القصص الأربع الأولى، ومن المفترض أنها الجزء المؤثر مع فكرة القمر السطحية، لكنها جاءت ضعيفة وركيكة حتى على مستوى القبلة المكسوفة المتخاذلة التي جاءت في نهاية الأحداث، فهي قبلة تشبه المصطلح الذي لا محل له من الإعراب “السينما النظيفة”.