..هم مثل الصقور حين ينقضوا على أعداء الوطن في الوقت المناسب، يرمزون للقوة، محترفين أمن وشجاعة وبطولة، الفكرة الوطنية مستقرة في وجدانهم أقوى من كل شيء، أعينهم لا تعرف النوم أو الغفلة، وجودهم ضرورة لا غنى عنه لطرد النفوس الشريرة.
ولو بعد آلاف السنين لن ينسى المصريون ولا العالم أجمع حكايتهم، ستظل ماثلة في الأذهان تعيها ذاكرة التاريخ ما بقيت الأرض، يتغنى بها الكبار والصغار.
في سيرتهم تعرف معنى البطولة والتضحية، إنهم المختارين لحفظ الأمن وحماية الشعب وكشف المؤمرات؛ كانت نصيحة الحكيم آني لابنه دائمًا هي، «اتخذ من شرطي شارعك صديقاً لك ولا تخطأ حتى لا يثور عليك».
وهذه قصة من قصص البطولة التي تذخر بها سجلاتهم التي لا أول لها ولن تكون الأخيرة، جرت أحداثها خلال الأيام القليلة الماضية.
كانت المطاردة عند منتصف الليل، في شارع من شوارع القاهرة الجديدة بمنطقة التجمع الخامس؛ ارتجت المنطقة الهادئة على صوت صراخ فتاة، علا الصراخ والبكاء كأنه دوي انفجار هائل، تزاحمت الرؤوس تطل من الشرفات والنوافذ؛ يصرخون سؤالهم بشكل متواصل؛ من ذاك الهمجي الذي يحاول أن يختطف فتاة صغيرة من الشارع شاهرًا سلاحه في وجهها يجرها إلى داخل سيارته الفارهة، بدا وكأنه مفتون بإجرامه؟!
هي نفسها لحظة الاغتصاب أو القتل التي نسمع عنها في جرائم الموتورين هذه الأيام.
لكن إصرار الفتاة على المقاومة لآخر نفس أوقعت العجوز المجرم في قبضة رجال الأمن؛ هؤلاء الأبطال الذين يرتكزون في الأساس لخدمة تأمين إحدى السفارات الأجنبية، لم يمنعهم هذا من نجدة الفتاة الصغيرة وإنقاذها من براثن العجوز المراهق الذي ظن وما شقي إلا بظنه أنه باستطاعته خطفها ويمضي بها إلى المجهول؛ من واقع أوراق القضية التي تنظرها الآن الدائرة 27 جنايات والمنعقدة بمجمع محاكم جنوب القاهرة بزينهم، أدلت المجني عليها «إ ط ا - 21 سنة - طالبة بكلية التجارة بإحدى الجامعات» بأقوالها في التحقيقات بأنها؛ تعرفت على العجوز المتصابي قبل الواقعة بـ 3 أيام لكونه ذا وضع اجتماعي مرموق والذي زعم لها أنه يمتلك شركة خاصة ويحتاج لفتاة مثلها لتشغل مهنة «سكرتيرة» فأبدت تأييدها لذلك وتلاقيا مساء يوم آخر ونفسها تهتف في صمت فرحة بهذه الوظيفة التي سوف توفر لها على الأقل مصاريف دراستها، لكن الأمور لم تسر على ما يرام؛ أثناء مجالستها حرر ورقة عقد بيده وطالبها بتوقيعها باعتبار أنها لعقد عملها بشركته، فوقعتها الفتاة وانطلقت لمنزلها فرحة بفرصة العمل الجديدة.
الصدمة هنا لم تكن في الحسبان.
تذكرت الفتاة عقب ذهابها للمنزل أنها وقعت على عقد زواج عرفي بالمتهم فاتصلت بالعجوز لتبدي استياءها إلا أنه لم يتجاوب معها حتى التقيا ليلة الواقعة هو طلب منها ذلك ليطلعها على العقد وحتى تصدق أنه عقد عمل وليس عقد زواج عرفي!، استقلت سيارته بمحيط مسكنها بمدينة نصر، بنية المكوث معه لمدة لا تجاوز 5 دقائق لتنهي مسألة ورقة الزواج المذكورة، إلا أنها فوجئت به يوجه لها السباب، ويصطحبها بسيارته التي لا يقل ثمنها عن ثلاثة ملايين جنيه إلى منطقة التجمع الخامس دون إرادتها ورغمًا عنها، وعندما أبدت رغبتها في مبارحة السيارة أشهر سلاحه الناري في وجهها وهددها به لاصطحابها لمنزله الكائن بفيلا بالتجمع الخامس.
هي ليلة إما أن تنتهي بإنقاذها أو بمماتها حفاظا على شرفها، هكذا قررت الفتاة ولا فصال في هذا لديها، ولكن..،
إذ بالفتاة تلمح أحد الارتكازات الأمنية بوسط الشارع الخاوي من المارة، لتستنجد به من لحظات الخوف والفزع التي تعيشها داخل سيارة المتهم وما أن وصلوا إلى محيط «الكمين» حتى فتحت باب السيارة في محاولة لمغادرتها وتعالت صيحاتها بالاستغاثة بأفراد القوة الأمنية، إلا أن المتهم أطبق يده على شعرها وجذبها منه، وأسرع بالفرار بسيارته من تلك المنطقة، ظلت الفتاة حريصة على إبقاء الباب المجاور لها مفتوحًا بقدمها تحاول الاستغاثة والنجاة بنفسها، السيارة «الجيب» السوداء التي يقودها العجوز المراهق بدون لوحات معدنية، تطاردها العديد من سيارات الارتكاز الأمني التي انطلقت في لمح البصر، تلاحق سيارة الموتور الذي لا يزال ممسكًا بملابس الفتاة، اللحظات الباقية من الحكاية لن تسعفه أبدًا ولا تساعده على تطهير نفسه من هذه الجريمة التي يشرع فيها؛ وإذ بسيارة العجوز الفارهة من ماركة «رينج روفر» تتوقف إجبارًا في الشارع بعدما حاصرته سيارات الشرطة، تترجل منها الفتاة مرتعبة ترتمي بجسدها بين يدي رجل الشرطة طالبة إنقاذها من عجوز مراهق خطفها ويشرع في اغتصابها، أشهر الرجل سلاحه الناري مهددًا المتواجدين بمكانته وقوة نفوذه، لا أحد يعلم هل يستدعي ماضيه في الإجرام مثلًا ظناً منه أن هذه التمثيلية سوف تنطلي على رجال الأمن؟، هدأ ضابط الشرطة ورجاله من روع الفتاة التي روت لهم مضمون ما حدث لها من قبل العجوز وما لحق بها من إصابات وجروح بساعدها الأيسر – نشأ عن الاحتكاك بيديه وأظافره أثناء التجاذب الذي حدث بينهما بالسيارة، وبمناقشة القوات للمتهم ادعى أن له مكانته الاجتماعية المرموقة في محاوله للسماح له بالذهاب ولكن أصرت الأجهزة الأمنية على استيقافه والاستعلام عن أمره وفراره من الكمين في واقعته المشبوهة، وتوالت المفاجآت.
تبين أن السيارة تحمل لوحات شركة سياحية، وبحوزته سلاح ناري عيار 9 مم صيني الصنع ماركة «نورينكو» يحتوي على 10 طلقات تم العثور عليه بدواسة السيارة، ادعى العجوز أن السلاح ملكه ومرخص والسيارة التي يقودها ملكه اشتراها بمبلغ 2 ونص مليون جنيه، وأن الفتاة المجني عليها زوجته بعقد زواج عرفي وقد تعرف عليها منذ 3 أيام.
حاول العجوز المتهم استرضاء الطالبة المجني عليها بكل الوسائل إذ عرض عليها الزواج الرسمي تارة أو مبلغ 100 ألف جنيه تارة أخرى لقاء التنازل عن شكواها الراهنة، ارتفع إلى مليون جنيه مقابل التنازل عن البلاغ، كما إنه حاول استرضاء الضباط بالقسم وعرقلة تحرير المحضر الخاص بواقعة السلاح في مقابل الكشف عن المصدر غير المشروع الذي حصل منه على ذلك السلاح ولكن جميع محاولاته للهروب من جريمته باءت بالفشل واحيل إلى النيابة التي حبسته وأحالته للمحاكمة الجنائية، وجاء بيان أمر الإحالة كالآتى: أولاً: خطف المجني عليها (إ. ط. ا) بالتحايل وبالإكراه، بأن استدرجها إلى أن استقلت سياراته فأبعدها عن مكان تواجدها وما أن تنبهت إرادتها وحاولت الفرار حتى أشهر سلاحًا ناريًا في وجهها وهددها فبث الرعب في نفسها وتمكن بتلك الوسيلة من إقصاء المجني عليها.
ثانياً: القبض على المجني عليها بدون أمر أحد الحكام المتخصصين بذلك وفي غير الأحوال التي تصرح فيها القوانين واللوائح بالقبض على ذوي الشبهة واحتجزها داخل سيارته بأن أطبق بيديه على شعرها وجذبها مانعًا إياها من مبارحة السيارة وعذبها بالتعذيب البدني وضربها بيده فأحدث بها إصابات عديدة.
ثالثا: ارتكب تزويرًا في محرر آحد الناس «عقد زواج عرفي» أن دسه على المجني عليها باعتباره من أوراق تعيينها في شركته المزعومة، مما مكنه من اختلاس توقيعها على ذلك السند.
رابعا: حصل على سلاح ناري «مسدس» دون أن يتقدم خلال شهر إلي مقر البوليس الذي يقع فى دائرته محل إقامته ببيان به وبأوصافه.
هؤلاء هم صقور الشرطة حماة الوطن، العيون الساهرة التي باتت تحرس في سبيل الله، فتحية لهم في عيدهم.