يقولون لي: لقد كنت ضد المشروع الإخواني علي طول الخط. وقلت يومها أن مجرد مناقشته خيانة للوطن. وها هي الأيام لفت ودارت ونحن أمام مشروع في نفس المكان. فلم كل هذا الحماس؟. أما أن الناس سعيدة بقناة السويس الجديدة فتلك حقيقة لا تحتاج مناقشة. وتعتبرها مهر الزمن القادم. ولكن حتي سعادة الشعوب وإن وصلت إلي أقصي مداها فهي لا تخلو من تساؤلات مشروعة. ومنذ عودتي من الإسماعيلية مساء الثلاثاء الماضي وأنا أستمع لأسئلة كثيرة ناتجة عن قلق الناس المشروع. ورغبتهم في الاطمئنان علي المشروع. أهم ما أسمعه: ما هو الفرق بين القناة الجديدة وبين ما سمعناه في زمن حكم الإخوان - لا أعاده الله علينا مرة أخري - . طبعاً لن أقارن – مجرد مقارنة – بين الأمس واليوم. لن أذكر الناس بما يفعله المسئولون عن مصر الآن. وسألتفت إلي الماضي في غضب. محاولاً تذكير الناس بأي قدر كان يتم التفريط في الوطن ومقدرات الوطن من أجل الجماعة. بل إنني أعتقد أن كل الخطابات التي ألقاها رجل الإخوان الذين اغتصبوا السلطة سنة كاملة من عمر مصر. لم ترد فيها علي الإطلاق كلمة وطن ولا مفرداتها ولا أوصافها. فضلاً عن أن سلوكياتهم اليومية كانت تهدف إلي الجماعة. ثم الإمارة الإسلامية. ثم الخلافة الإسلامية. أما الوطن فقد تعاملوا مع هذه الكلمة علي أنها من مخلفات الماضي. هل كان من نواياهم الوصول إلي فكرة الاستقلال الوطني؟ هل كان من أحلامهم تحقيق الكفاية فيما نحتاجه؟ والعدل في توزيع ناتج هذا الوطن؟ هل كان المستقبل يشكل أحد همومهم؟ هل تحدث أحدهم – مسئولاً أم غير مسئول – عن فقراء هذا الوطن وحقهم في الحياة الكريمة؟ هل حاول أحدهم الإمساك بأحلام الشباب في محاولة للتعرف عليها وتحقيقها أو علي الأقل مساعدتهم من أجل تحقيقها؟ لم يكن يعنيهم غير أنفسهم. وكان شعارهم الذي كشف أبعادهم وحقيقتهم هو: إما أن نمتلك هذا الوطن ونحكمه أو أن ندمره. وعندما فشلوا في حكمه. فها هم يحاولون تدميره ليل نهار. ولن ينجحوا. هل أستعير من عمنا نجيب محفوظ عبارته أن آفة حارتنا النسيان؟ هل أقول أن آفة مصرنا هي النسيان؟ مع أن الحضارة المصرية القديمة قامت علي مقاومة النسيان. وتذكير الأجيال الجديدة بكل ما قاموا به. والأهرامات خير دليل علي هذا. فهي موجودة في مكانها وأصبحت في وقت ما واحدة من عجائب الدنيا السبع. لأنها حاولت – وما زالت تحاول – أن تذكر الناس بحضارة كانت هنا في يوم من الأيام. الفوارق كثيرة. مثل المسافة بين السماء والأرض. نحن الآن في السماء وهم كانوا في سابع أرض تحت جوف الأرض. المشروع القديم كان ينص علي إقامة حكومة للإقليم مكونة من 15 مسئولا. وتسمي: إدارة الإقليم. ويرأسها مسئول بدرجة نائب رئيس وزراء. أيضاً كانت النية متجهة لأن يطبق علي هذا الإقليم قوانين خاصة تصدر من الجهة التشريعية. وإن لم تصدرها الجهة التشريعية. فالرئيس الإخواني جاهز لأن يصدر مرسومات بقوانين تطبق في هذا المكان ولا تطبق في بر مصر. ثم هل استطعنا أن ننسي أن الخبراء الذين طلب منهم عمل دراسات الجدوي للمشروع انسحبوا واستقالوا ورفضوا الاستمرار. وأن من قال النظام الإخواني عنهم أنهم سيكونون مشرفين علي المشروع رفضوا الإشراف. وأكد بعضهم أن الحكم الإخواني أعلن إشرافهم دون الرجوع إليهم أو التنسيق معهم. وأنهم يرفضون الدخول في مشروع يسلخ من مصر أعز مكان فيها. ويقيم فاصلاً كبيراً بين الدلتا والوادي وبين سيناء. بوابة مصر الشرقية. والتي تحتل منطقة القلب من كل مصري. المشروع الإخواني نص علي إنشاء هيئة جديدة تتولي تنفيذ المشروع باعتبار أن قناة السويس أضعف من أن تقوم بذلك. وقيل يومها كتبرير لإنشاء مثل هذه الهيئة أن الهدف من ذلك حتي تتخلص من الروتين ومن المعوقات الحكومية وأن تنطلق للقيام بدورها بعيداً عن أي سياقات معروفة في الدولة المصرية قبلها. أيضاً قال المسئولون عن مصر وقتها أن الهيئة الجديدة ستنسق مع المحافظات الموجودة في الإقليم ومع المحافظات التي سيستحدث وجودها في الإقليم بشكل مستقل عن باقي البلاد. وأن كل التشريعات الموجودة من أجل هذا الاستقلال ستصدر تباعاً. هل لاحظت تكرار كلمة الإقليم في كل فقرة سابقة. وكأن الهدف من الأمر اقتطاع جزء من قلب الوطن وإعطائه الاستقلال التام كمقدمة لتمزيق كيان مصر والدولة المصرية التي تسلمها جيلنا من الأجيال السابقة. ولا يملك سوي تسليمها للأجيال اللاحقة كما كانت بالضبط. وتلك مسئولية تاريخية يتحملها الجيل كله. أيضاً قيل أن المشروع سيقدم لدولة قطر لكي تتولي إقامته والإنفاق عليه وإدارته بالطريقة التي تراها مناسبة. ولم يحدد علاقة مصر بالإقليم. يقصدون إقليم قناة السويس. ولاحظ أن كلمة الإقليم هي مقدمة أولي للاستقلال التام عن الوطن. ولو فرطنا في حبة رمل واحدة لن يبقي لنا وطن من الأصل والأساس. هل لاحظت الفوارق الكثيرة بين قصة الأمس وما جري يوم الثلاثاء الماضي؟.