فهل ما نراه اليوم من مدارس وجامعات خاصة باهظة التكاليف ولايقدر علي مصروفاتها سوي أبناء الاثرياء هو ما كان يقصده طه حسين منذ أكثر من ستين عاما يبدو  أن الموقف المتخاذل لرجال الأعمال والاغنياء وأصحاب الثروات الطائلة من الاستجابة لنداء وطنهم لانقاذه وقت المحن والشدائد لم يتغير علي مر العصور، وأنهم تقاعسوا عن مساعدة مصر وهي تمر بأشد الأزمات في عهود مضت، ولم يلبوا نداءها، وأثبتوا في كل الظروف الصعبة، أن ولاءهم لوطنهم ليس كاملا وأنهم مصابون بداء الانانية وحب الذات، وأن موقفهم المتخاذل من دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي للتبرع لصندوق تحيا مصر لإنقاذ الاقتصاد والنهوض بالتنمية ليس بالغريب، بل هو نفس موقفهم من دعوات كثيرة لنفس الغرض، ومنها الدعوة التي وجهها إليهم الدكتور طه حسين وزير المعارف منذ أكثر من ستين عاما لانشاء المدارس والجامعات الخاصة بهدف التوسع في التعليم، في وقت كانت مصر فيه لاتملك الامكانات المادية لتحقيق هذا الهدف. وكان رد الفعل لدي الدكتور طه حسين ازاء هذا الموقف المتخاذل قويا وعنيفا.. فلم يتردد في فضحهم حين وقف يتحدث عن الاغنياء الذين رفضوا المساهمة في بناء المدارس والجامعات.. حدث ذلك في سبتمبر سنة ١٩٥٠. قال الوزير »لقد اتصلت بهم ووعدوا، ولكن وعودهم ذهبت مع الريح، اتصلت بهم يوم أن عرضت الوزارة قوانين مجانية التعليم علي البرلمان، واستقبلوا الفكرة بالترحاب، ولكنهم حتي الآن لم يصنعوا شيئا!. لم أطلب منهم أن يتبرعوا لوجه الله والوطن، أو ينفقوا أموالهم في بناء مدارس يقدمونها هدية لوطنهم، إنما طلبت اليهم أن يقيموا المدارس والجامعات التي تدر عليهم الربح، فيكسبوا ويعينوا الدولة علي تعليم أبنائها في ان واحد ولكنهم رفضوا أيضا!! إن الاغنياء في أوروبا وأمريكا ينشؤون الجامعات ـ لا المدارس ـ علي نفقتهم الخاصة ويهبونها للوطن، وهناك الذين يوقفون أراضيهم ومقتنياتهم الثمينة علي البحث العلمي، أو معاونة الطلبة الغرباء أو بناء مساكن للطلبة إلي آخر كل ما يمت للتقدم العلمي بصلة. وفي مصر نادرا ما نجد ثريا واحدا يقيم معملا علي نفقته الخاصة، أو ينشيء مكتبة، أو يوقف أرضا علي كلية من الكليات، فكيف نفسر ذلك!! إن طه حسين لم يطلب منهم احسانا أو صدقة، إنما طلب منهم اقامة مشروعات تدر عليهم الربح وفي نفس الوقت تساعد علي نشر التعليم بين أبناء الشعب!! فهل ما نراه اليوم من مدارس وجامعات خاصة باهظة التكاليف ولايقدر علي مصروفاتها سوي أبناء الاثرياء هو ما كان يقصده طه حسين منذ أكثر من ستين عاما، أم أنه كان يقصد ـ عندما تحدث إلي الاثرياء ـ أن يدعوهم إلي بناء الجامعات والمدارس التي يستطيع ان يتعلم فيها أيضا أبناء الطبقة المتوسطة ومحدودي الدخل.. الارجح أن دعوة طه حسين كانت لتحقيق هذا الهدف، وليس لاثارة الحقد في نفوس هذه الطبقات غير القادرة وهم يرون أبناء الاثرياء يتعلمون في أرقي الجامعات والمدارس، وينفقون مئات الألوف علي تعليمهم، وهم لايجدون مكانا في الجامعات والمدارس المجانية!! فهل نجد بين أثريائنا من يقوم ببناء جامعات ومدارس خاصة تحمل أسماءهم وتكون مصروفاتها في متناول جميع الطبقات، وأن تكون إيراداتها كافية لتغطية مصروفاتها أو تزيد قليلا، تلبية لدعوة د. طه حسين منذ ستين عاما، وهل نجد بينهم من يساهم في مشروعات التنمية التي تساعد علي زيادة موارد الدولة وتشغيل الشباب العاطل، استجابة لدعوة الرئيس السيسي. إننا لم نفقد الأمل حتي الآن في تراجع الاغنياء ورجال المال والأعمال عن موقفهم المتخاذل، والاقبال علي المساهمة في النهضة الشاملة التي تحدث الآن علي أرض مصر.. أما إذا استمروا في تخاذلهم، فإن حسابهم سيكون مع الشعب.