لا يمكن لمؤسسة أن تنجح بينما رئيسها يمنح المكافآت الأكبر للمشاغبين من العمال اتقاء لشرهم وأملا في استمالتهم، ويتقاضي العامل المجد مكافأة أقل لأنه لايثير المتاعب أدعو  الرئيس السيسي للبدء فورا في تعديل قانون العمل لضمان النجاح في عملية الإصلاح.. وقد يبدو أمرا صعبا، ولكنه ليس أصعب من قراره بتطبيق الحد الأقصي للأجور. فأخطر مايهدد المجتمع المصري حاليا هو تلك القناعة التي تكونت لدي عدد غير قليل من أبناء الوطن وبخاصة بعد يناير 2011، وهي أن المطالبة المستمرة بزيادات الاجور تؤتي ثمارها بغض النظر عن جودة العمل أو حتي الرغبة في العمل. وأصبح البعض يقتنع أن الراتب هو منحة شهرية لايملك أحد المساس بها، أما العمل فله حساب آخر. وهي ثقافة جديدة أصبح العامل بمقتضاها أقوي من رئيس العمل، وشجعتها الحكومات المتتالية خلال السنوات الماضية والتي كانت تخشي المظاهرات العمالية، ودعمتها قوانين لم يلتفت مشرعها إلي أن الأجر لابد أن يرتبط بالإنتاج، وأن المؤسسة الخاسرة لايحق لها أن تصرف أرباحا، ورغم أن هذا بديهي إلا أنه ليس مطبقا.. ففي عام 2011، وفي أوج مظاهرات التحرير سألت شابا عن سبب تظاهره المستمر رغم أنه يتقاضي أجرا كبيرا من مؤسسة مرموقة بينما يمضي معظم وقته المخصص للعمل في ميدان التحرير، فرد قائلا: إذا لم نحصل علي مكاسب الآن فلن نحصل عليها فيما بعد، وهذا منطق انتهازي مرفوض، ولكنه لايزال سائدا. وأذكر في العام الماضي تظاهر المئات من العمال في أحد مصانع النسيج التابعة لقطاع الأعمال العام للمطالبة بصرف أرباح لهم رغم أن المصنع حقق خسائر بمئات الملايين من الجنيهات، وخضعت الحكومة تحت ضغط الإعلام كان يدعم مظاهرات هؤلاء العمال، وتم بالفعل صرف 300 مليون جنيه أرباحا لعمال المصنع الخاسر، وترسخ مفهوم أن الأرباح حق مكتسب للعمال بغض النظر عن العمل، وقد أدي ذلك لاندلاع مظاهرات مشابهة في مصانع أخري، فلم يسأل أحد نفسه ماذا تحقق من صرف الرواتب أصلا للعاملين، وليس الأرباح؟ فالمصانع متهالكة وخاسرة، وصرف أرباح جائرة لها يزيد من خسائرها. ولابد هنا من الاعتراف بأن الخسائر ليست من صنيع العمال قدر ماهي إدارات فاشلة وسياسات خاطئة لعشرات السنين، ولكن تغيير الإدارات الآن لن يحقق إصلاحا بمفرده دون أن يشعر العامل بأنه إذا عمل اكثر فسوف يكافأ أكثر من غيره الذي لايعمل. والعدوي انتقلت لبعض مصانع القطاع الخاص، ولكن آليات عمل القطاع الخاص مختلفة بعض الشيء، فبعض عمال أحد المصانع تظاهروا لسبب غير معقول بالمرة، حيث طالبوا إدارة المصنع بصرف أرباح العام التالي، فاضطر صاحب العمل لإغلاق المصنع عدة أيام حتي عاد العمال لرشدهم، وهذا هو النموذج الأمثل للتعامل في مثل هذه الحالات حتي بالنسبة للقطاع العام والحكومي إذا كنا نريد أن نصلح أحوالنا. والدستور الحالي منع فصل العامل تعسفيا، وهذا حق للعامل طالما أنه يعمل، أما إذا كان عاملا مشاغبا ومحرضا لزملائه علي عدم العمل، فلابد من محاسبته، فإذا استمر في غيه وجب فصله حفاظا علي العمل كله والعمال الآخرين، فمثل هذا العامل يشكل خطورة علي كيان المؤسسة، ووجوده يؤدي لخلق مناخ غير ملائم للعمل، ويؤدي لخسارة يدفع ثمنها الجميع، فهل يجوز للإعلام أن يساند مثل هذا النوع من العمال، وهل يحمي القانون مثل هذا النوع من العمال؟ أعتقد أن الأوان قد آن كي ننظر بعدالة لقانون العمل الحالي، فلا توجد دولة نهضت إلا علي أكتاف عمالها الشرفاء. وأثق أن غالبية عمال مصر من هؤلاء الشرفاء، والقانون الحالي يحمي الفاسد والمتكاسل قبل أن يحمي الشريف والجاد من العمال، والعناصر الفاسدة لابد وأن تجتث من العمل حتي نخلق مناخا ملائما للإنتاج، ولابد من نص صريح لربط العمل بالإنتاج حتي لايستوي الذين يعملون والذين لايعملون، والظروف الآن مناسبة، فلا يمكن لمؤسسة أن تنجح بينما رئيسها يمنح المكافآت الأكبر للمشاغبين من العمال اتقاء لشرهم وأملا في استمالتهم، ويتقاضي العامل المجد مكافأة أقل لأنه لايثير المتاعب. ولابد أن يكون رئيس المؤسسة لديه القدرة علي انتقاء العامل الأقل كفاءة وتدريبا، فإن فشل فلابد أن يتخلص منه. فإذا توفر لرئيس العمل ذلك أصبح هو أيضا مساءلا إذا خسرت مؤسسته. تري هل يصحح الرئيس السيسي هذا الخلل المستمر منذ الستينيات والذي تفاقم مؤخرا.