ضغوط دولية لإجراء الانتخابات الرئاسية في مالي

زعماء المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا «إيكواس» يفرضون عقوبات قاسية على باماكو
زعماء المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا «إيكواس» يفرضون عقوبات قاسية على باماكو

كتبت : مروى حسن حسين

أثار تخلى قادة المجلس الانتقالى فى مالى عن وعدهم بتسليم الحكم لسلطة مدنية منتخبة فى فبراير المقبل، غضب زعماء المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس)، الذين فرضوا عقوبات قاسية على باماكو، ما يمثل تشدداً كبيراً فى موقفها تجاه مالى التى اقترحت سلطاتها المؤقتة إجراء انتخابات فى ديسمبر 2026.


تمثلت هذه العقوبات القاسية فى إغلاق الحدود البرية والجوية للأعضاء مع مالي، وتعليق المعاملات المالية غير الضرورية، وتجميد أصول الدولة المالية فى البنوك التجارية التابعة لـ«إيكواس» واستدعاء سفراء الدول الأعضاء فى «إيكواس» من باماكو. كما أصدر الاتحاد الاقتصادى والنقدى لدول غرب إفريقيا توجيهات لجميع المؤسسات المالية التابعة له، بتعليق عضوية مالي. ورفضت غينيا فقط غلق حدودها البرية والجوية والبحرية.


لم يكتف قادة «الإيكواس»، بفرض عقوبات شاملة على مالي، بل توجهوا إلى جيرانها من الشمال: الجزائر وموريتانيا، لإقناعهما بغلق حدودهما البرية والجوية والبحرية فى وجه حكومة باماكو، ودعم العقوبات المفروضة عليها، والتى لاقت دعما قويا من فرنسا، التى تترأس حاليا الاتحاد الأوروبي.


لكن الجزائر لم تتحمس كثيرا لفرض عقوبات بهذه القسوة على باماكو، وإن لم توافق على خطة السلطة المؤقتة إدخال البلاد فى مرحلة انتقالية جديدة من خمس سنوات، خوفا من انعكاس الوضع الأمنى والاقتصادى الهش فى مالى سلبا على الجزائر، فأى تشديد للعقوبات على باماكو من شأنه أن يقوى الجماعات الإرهابية فى شمال مالي، ويزيد من الهجرة غير النظامية نحوها، لذلك تنظر الجزائر بحذر إلى أى عقوبات غير مدروسة بدقة على باماكو، لذلك دعت إلى حوار «هادئ وواقعي» مع إيكواس، بهدف التوصل إلى خطة للخروج من الأزمة فى مالي.


يبدو ان الجزائر ترغب فى لعب دور الوسيط بين باماكو وإيكواس، للبحث عن حلول واقعية من الطرفين، لا تؤدى إلى تعقيد الأزمة المالية أكثر مما هى عليه الآن، بسبب انتشار الجماعات الإرهابية فى 80 بالمئة من أجزاء البلاد، واستمرار المجلس الانتقالى والفراغ الدستوري، والوضع الاقتصادى والاجتماعى المنهار. كما سبق وانفردت الجزائر بمعالجة الأزمات الأمنية لمالى منذ عقود.


على الجانب الآخر، لم تعلن موريتانيا بعد موقفا صريحا من الحصار الذى تسعى دول إيكواس لفرضه على مالى.. فى الوقت نفسه أعلنت حكومة مالى أنها تجرى مناقشات «مع الدول الصديقة، بما فى ذلك غينيا كوناكرى وموريتانيا، من أجل تسهيل الوصول إلى موانئها لتزويد السوق المالي» بالمواد الغذائية الأساسية.


ومالى دولة حبيسة، وتعتمد فى تجارتها الخارجية على موانئ دول الإيكواس، خاصة السنغال وكوت ديفوار، لكن بعد فرض الأخيرة حصارا عليها، فإنها ستلجأ إلى الموانئ الموريتانية، إلى جانب موانئ غينيا، التى رفضت غلق حدودها البرية والبحرية والجوية. ينظر الماليون إلى الموانئ الموريتانية كمنفذ بحرى مهم لكسر حصار دول الإيكواس عليها، وخاصة السنغال وكوت ديفوار..

وستستفيد موريتانيا من موقعها المطل على المحيط الأطلسى كنقطة ربط بين دول المغرب العربى ودول غرب إفريقيا، وتبحث الآن تعميق تعاونها الاقتصادى إلى جانب الأمنى مع دول الساحل (مالى والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد)..

وانتقلت الأزمة بين «الإيكواس» وباماكو، إلى مجلس الأمن، الذى انقسم إلى معسكرين متضادين، ما أفشل محاولات إصدار قرار مشترك مؤيد للعقوبات التى أصدرتها المجموعة الإفريقية. فبينما وقفت الولايات المتحدة إلى جانب المجموعتين الأوروبية والإفريقية فى مجلس الأمن، الرافضتين لبقاء قادة المجلس الانتقالى فى السلطة، أجهضت روسيا والصين قرارا من المجلس، أعدته فرنسا، داعم للعقوبات التى فرضتها مجموعة الإيكواس. فالحصار الذى تسعى دول الإيكواس لفرضه على مالي، بدعم من فرنسا والاتحاد الأوروبي، قد يدفع المجلس الانتقالى فى باماكو إلى الارتماء أكثر فى حضن روسيا والصين.


وإذا صمدت السلطة المؤقتة فى مالى فى وجه الحصار وتمكنوا من حشد الرأى العام حولهم، فهذا قد يشجعهم للبقاء فى السلطة لعقود وليس لخمس سنوات فقط، كما سيغرى المجلس الانتقالى فى غينيا لتكرار نفس السيناريو، لذلك يمثل الحوار مع استمرار الضغط أقل الخيارات سوءا.


فتحالف المجلس العسكرى المالى مع روسيا، يدفعه لتحدى مجموعة الإيكواس ومن خلفها فرنسا، والاستفادة من الصراع الجزائرى الفرنسى ذى الخلفية التاريخية، ورغبة موريتانيا فى البقاء عند منتصف المسافة فى الأزمات التى تعصف بالمنطقة.


شهدت مالى الدولة الفقيرة انقلابين عسكريين فى أغسطس 2020، ومايو 2021. وتترافق الأزمة السياسية مع أُخرى أمنية خطرة مستمرة منذ عام 2012 وظهور حركات انفصالية وجهادية فى الشمال.

خلال قمة سابقة فى 12 ديسمبر، دعا قادة دول غرب أفريقيا إلى إجراء انتخابات فى الموعد المحدد فى 27 فبراير من هذا العام. وابقوا على العقوبات المفروضة على حوالى 150 شخصية (تجميد الأصول المالية وحظر السفر داخل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا) وعائلاتهم ولوحوا بفرض عقوبات «اقتصادية ومالية» إضافية.


اقرأ أيضا | الولايات المتحدة تفتح حدودها بعد 20 شهر من الإغلاق